جبيل أقدم المدن الفينيقيّة تجمع بين التراث والحداثة وتحظى بجوائز عالمية

حجم الخط
0

بيروت-«القدس العربي»: جبيل مهد الحرف والحضارة تشّرع أبوابها لاستقبال السّياح الذين يقصدونها من مختلف أقاصي الأرض لاستكشاف ما تختزنه من تسع عشرة حضارة متعاقبة وآثار تاريخية أهمها قلعتها الأثرية الشامخة شموخ الأرز في لبنان والتي يعود عمرها الى ما يقارب الخمسة الآف عام والميناء الفينيقي المفتوح على البحر فضلاً عن متعة التجوال في سوقها التجاريّ القديم والاستفادة من شاطئها ومينائها الرملي النظيف الخّلاب والمشاركة في مهرجاناتها الدوليّة التي انطلقت في 3 تموز/يوليو وكان نجم مهرجاناتها الفنان مرسال خليفة ابن بلدة عمشيت.
نعم انها مدينة جبيل التي تعتبر من أقدم المدن الفينقيّة والتي تجمع حالياً بين التراث والحداثة وهي التي تعّددت تسمياتها وألقابها فمنهم من يقول عنها انها «بيبلوس» أرض الآلهة والتاريخ ومنهم من يسّميها مهد الحرف ومنبت الأبجديّة التي لولاها لما كان بدء ولا فكر ولا حتى كلام ومنهم من يعتبرها زاهية في معارج الشطآن مرّنمة اغرودة الفينيق الأزرق الذي يخرج من رماده كلّ ألف عام.
وفي لمحة تاريخيّة سريعة عن مدينة جبيل التي تعتبر من أغنى المواقع الأثريّة اللبنانيّة يتبيّن أنّ تاريخها عميق في الزمن ويعود الى الألف الخامس. اذ تأسست في العام 5800 قبل الميلاد في بداية العصر النيوليتي وسكنها الإنسان وتناقلت اسمها السن مختلف الأمم لانّه وبحسب الاسطورة الفينقيّة، انّ قدموس ذهب لاسترجاع شقيقته اوروبا التي اختطفها الإله زيوس الذي حمل معه الحرف الجبيلي وعلّمه لسكان البلاد التي حطّ رحاله فيها ومن هنا يشتقّ اسم المدينة من كلمة «بيبلوس» Byblos»التي تعني الكتاب المقدس نظراً لكونها المهد الذي شهد ولادة الأبجدية التي تعتبر أعظم اكتشاف عرفته البشريّة حتى اليوم في مختلف أصقاع العالم.
كما عرفت جبيل في العصور القديمة باسم «جبلا» و»جبل» فيما كان يطلق على المنطقة الساحليّة التي تقوم فيها اسم «كنعان». غير أنّ الأغريق في الألف الأول قبل الميلاد ومن بعدهم الرومان أطلقوا على الساحل اسم «فينيقيا»كما أطلقوا على المدينة لاحقاً اسم «بيبلوس».
ومع الأيام تحّولت بيبلوس الى مركز دينيّ ومحّجة للمؤمنين الذين أمّوها للاحتفال بالإله أدونيس. وتذكر الدراسات التاريخية أنّ جبيل قد تضافرت عليها ما يقارب 19 حضارة وذلك على منطقة لا تتعّدى الخمسة هكتارات وهي تمّثل حالياً قلعة جبيل وجوارها. ويعود السبب الى أنّ الشعوب القديمة كانت تبحث دوماً عن المياه الصالحة للشرب وعن موقع قريب من البحر وقد وجدت في جبيل مطلبها هذا ولاسيّما في ما كان يعرف «ببركة الملوك».
وشهدت جبيل في بدايات الألف الثالث ق .م ازدهاراً كبيراً بفضل تجارة الأخشاب التي كانت تصّدرها الى أنحاء المتوسّط الشرقي ولاسيّما الى مصر التي كانت تستخدم الخشب لبناء السفن والمعابد وللطقوس الجنائزيّة وعليه كانت جبيل تحصل مقابل الأخشاب على الحلي المصريّة المصنوعة من الذهب والمرمر فضلاً عن الأواني ولفائف البردي ونسيج الكتّان.
أبرز الشعوب القديمة التي سكنت جبيل والتي لا تزال آثار منازلها موجودة حتى أيامنا هذه منذ ما يقارب الخمسة الآف سنة قبل الميلاد والتي استحوذت ولا تزال على علماء الآثار والزوّار والسياح هما الشعب «النيوليتي»و»الانيوليتي».
وجبيل التي تبعد عن العاصمة بيروت مسافة 37 كلم باتت مقصداً للزوّار من لبنانيين وعرب وأجانب يأتون لمعاينة معالم المدينة ولتمضية أجمل الأوقات في مطاعمها ومقاهيها ومنتجعاتها السياحيّة الفخمة التي تنتشر على طول الشاطئ.
كما لا يمكن للزائر والسائح الذي يزور جبيل إلا ان يعّرج على قلعتها التاريخية الأثرية التي يدخلها من بابها الضخم المصنوع من خشب الأرز كما لا يمكنه ان يميل نظره عن سقف المدخل المحلى بعقود مختلفة العصور حتى يجد نفسه في هذه القلعة الضخمة التي تضمّ خمسة أبراج عدا البرج الوسطي الذي كان المأوى الأخير اذا ما سقطت القلعة بكاملها. ويدور حول القلعة خندق ماء يجاور المدخل الشمالي الشرقي الأساسي للمدينة والذي يعود الى 2300 سنة قبل الميلاد كما يصادف السائح هذا القصر الصليبي الجاثم قبالة الشاطئ الذي حافظ على رونقه وهيكله والذي كان مقّرأ للقيادة الصليبية ومركزاً للدفاع وملجاً للسكان وقد بدأ بناؤه في مطلع القرن الثاني عشر وهو يتألف من برج ً رئيسيّ ضخم تحيط به باحة واسعة تحميها أربعة أبراج فضلاً عن برج خامس في وسط الحائط الشمالي ومهمته تشديد الحراسة. والخروج من القصر الصليبي يتمّ عبر باب وحيد يصله بالخارج ويطّل على باحة تجمع ما بين القصر الفرنجي وباب المدينة الشرقي والجامع الأثري مسجد السلطان عبد المجيد ومسجد السلطان ابراهيم بن أدهم المعروف بمسجد «البحارة». وهناك طريق يؤّدي الى كنيسة مار يوحنا ذات الطابع الروماني والتي تقع في وسط مدينة الصليببن وتمّ تشييدها في العام 1215 والى الجهة الغربيّة توجد كنيسة الارثوذكس ذات الطابع البيزنطي.
كما لا يمكن للزائر أو السائح الذي يزور جبيل أن يغفل عن زيارة متحفها الموجود عند مدخل القلعة والذي شيّد بمساهمة حكومة كيبيك الكندية وكذلك المتحف الخاص بالاسماك المتحّجرة ومتحف الشمع الذي يضّم تماثيل أبرز الشخصيات اللبنانيّة وغيرها من اللوحات التي تجّسد الأحداث المتعّلقة بمنطقة جبيل.
هذا من دون اغفال آثار معبد الإله رشاف الذي يعود الى ما يقارب 1800 سنة ق.م وهو لم يكن مسقوفاً آنذاك حتى تدخله الشمس ويضّم مسّلات هي بمثابة القرابين التي كانت تقّدم للإله حفرعليها اسم الإله رشاف باللغة الهيروغليفيّة ولا تزال محفوظة في متحف بيروت. وبعدها تحّول معبد رشاف الى مقّر لعبادة الإله أدونيس وعليه تحوّلت جبيل الى صلة وصل تجمع بين فينيقيا وباقي الأمم الأمر الذي حدا بالمصريين القدامى آنذاك الى إطلاق لقب «أرض الالهة» عليها.
كما يصادف السائح الذي يزور جبيل المسرح الروماني الذي بقيت منه خمسة مدّرجات من أصل خمسة وعشرين مدرجاً والسور الصليبي الشاهد على تعاقب الكلدانيين والكنعانيين والفينقيين والمصريين والرومان والعرب والصليبيين الذين رمموا هذا السور.
وجبيل اليوم الضاربة جذورها في القدم، تضّج بلياليها الساحرة الصاخبة وبحسن الضيافة والكرم من قبل ابنائها ومقاهيها ومطاعمها الفخمة وبفضل آثارها التاريخيّة والثقافيّة التي تحّدثنا عنها استّحقت أن تفوز بجائزة أفضل مدينة عربيّة للعام 2013 وأيضاً بجائزة «Pomme d’ or award» 2014 التي تسّلمها رئيس بلديتها زياد حواط الذي أبدى فخره واعتزازه بالجائزة في الظروف الصعبة التي يمّر بها لبنان والعالم العربي وشدّد على وجوب الإستمرار في العمل الإنمائي السياحي لتكريس جبيل مدينة سياحّية وثقافيّة عالميّة. وأعتبر حوّاط أنّ مدينة جبيل شجّعت على نمّو الروابط العائليّة والتواصل بين العائلات اللبنانية بجميع فئاتها وأسهمت في النموّ والحركة الاقتصاديّة وذلك من خلال محافظتها على كيانها التاريخيّ والسيّاحي وتمسّكها بمبدأ الاعتدال والسياحة والإنماء ما جعل منها منارة في علمها وثقافتها وسياحتها وأنشطتها الثقافيّة والحضاريّة والعمرانيّة فقّدمت ولم تزل لضيوفها صورة مضيئة عن لبنان وتّحولت قبلة أنظار الشرق والغرب ووجهة للمغتربين اللبنانيين وللرحلات السياحيّة المنظّمة الداخليّة والخارجيّة.
وكشف حواط عن اطلاق مشروع إنمائي وسياحي وثقاقيّ وبيئيّ من أجل اظهار الصورة التاريخية لجبيل وذلك بتشجيع عمل المستثمريين اللبنانيين والعرب والأجانب وتسهيله واطلاق مشاريعهم الانمائّية وتأمين أفضل استقبال لهم بالتعاون التام مع الجمعيات والمؤسسات والأهالي وهيئات المجتمع المدنيّ.
أمّا كيف يرى رئيس بلدية جبيل زياد حواّط مدينته التي حصدت الجوائز العربية والعالمية فقد صرح لـ«القدس العربي»أنّ جبيل هي مدينة استثنائيّة بتاريخها وحضارتها وثقافتها وأناسها وهي اسم كبير جداً ومركز اعتزاز وفخر لكل اللبنانيين لانه توجد لديهم «بيبلوس».
وأعتبر أنّه من واجب الجبيليين أولاً والدولة اللبنانية صيانة هذا الأرث العظيم والمحافظة على التاريخ المجيد والتطّلع نحو المستقبل لبناء جبيل الحديثة التي قال انها تخّبر التاريخ وتقرأ المستقبل.
ورأى أنّ جبيل التي حصدت جائزة أفضل مدينة عربيّة للعام 2013 وجائزة «التفاحة الذهبية العالمية» للعام 2014 شرّعت الأبواب لتؤّكد انها موجودة في العالم السياحي العربي أولاً والعالمي ثانيّاً ولتؤّكد أنها مدينة تستحقّ أن تحصل على المراكز وأن تكون في صدارة أيّ تقييم سياحي لبناني عربي وعالمي. وأضاف حواط انّ جبيل نالت الموقع الذي تستحقه حيث اصبحت ملفتة للعالم وللانظار فالكل يزورها وشدّد على أن بيبلوس لم تعد اليوم أول مركز استقطاب للسيّاح في لبنان وحسب وانما تعتبر من أكثر المدن العالمية التي يجري بشأنها بحث علمي ثقافي تاريخي جيوغرافي بيئي، فالسيّاح والدليل السياحي والكتّاب السياحيين من كلّ أقطار العالم يتداولون بها ولهذا اخذت في العام 2014 جائزة «Pomme d’ or award». وأشار الى أنّ اتحاد الصحافيين الدوليّين الذي يجري مسحاً شاملاً على كلّ المدن التي يتّم تردّيد اسمها أكثر في وسائل الاعلام لناحية الكتابات والتحليلات الصحافيّة قد أحصى أن مدينة جبيل هي التي التي نالت الرقم واحد من بين المدن العالمية.

ناديا الياس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية