الوجه الناعم للعنف «داعش» والإعلام الاجتماعي

حجم الخط
1

«هذا البرذر Brother (الأخ) لا يحتاج الى تعريف، كل من عرفه، عرف أنه كان دائماً يعمل من أجل دينه! تحلى بأفضل الأخــلاق، جــاء الى هـــنا (سوريا) مـــع a brother (أخ) وغــادر هذه الحياة مـــع a brother (أخ) كانا قريبين جداً من بعضهما البعض، كلاهما تزوج وترك عروسه في الأسبوع الأول من الزواج وخرج للجهاد في سبيل الله، فلم يكن بإمكانهما الجلوس والأمة Ummah بهذه الحال! كانا قاسيين جداً مع «غير المؤمنين» ومتواضعين تجاه كل من كان يتنفس «لا إلله إلا الله» …. «. هذا مقتطف مما كتبه باللغة الإنكليزية أحد مقاتلي «داعش» البريطانيين على فيسبوك في نعي محمد العراج (23 عاماً) الذي غادر بريطانيا للقتال في سوريا مع رفيقه شكري الخليفة (22 عاماً) ولقيا مصرعيهما معاً أواخر العام الماضي!
كان هذا في العام الماضي .. زمن آخر ومرحلة أخرى، في ذلك الوقت كانت «داعش» تصارع من أجل البقاء والإنتشار على عدة جبهات، تنافس «القاعدة» الأم بفروعها مثل جبهة النصرة، في إحتلال الدرجة الأولى على سلم الجهاد في العقل الجمعي ووجدان الملايين من أنصار الحركات والتيارات الإسلامية والجهادية فالمعارك في عصر الإتصال والتواصل الاجتماعي هي معارك إنطباعات، خلق إنطباعات جديدة وتحوير إنطباعات سائدة والفائز في هذه المعارك يحقق الكثير.
أن تخلق إنطباعا بان تنظيم «داعش» هي الحركة المجاهدة الأهم والأقوى هو بمثابة إنتصار إعلامي له أثر سحري مباشر على حصته من التمويل والدعم المالي المتدفق على المنظمات الجهادية وفي قدرته على إستقطاب مؤيدين فعالين على شبكات التواصل الإجتماعي لتضخيم هذا الإنطباع وكسب الولاء من المقاتلين الإسلاميين المتواجدين في سوريا، ولإستقطاب دماء جديدة خصوصا من أولاد المهاجرين المسلمين في أوروبا وباقي العالم الغربي.
في الأشهر الأخيرة من العام الماضي كانت شبكات التواصل الإجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«أنستغرام»، تعج بالتغريدات والصور والفيديوهات الآتية من سوريا ومحيطها من شباب (مقاتلين) بريطانيين وغربيين من أصول عربية وإسلامية في سوريا، في البداية كانت أغلب هذه التغريدات والمشاركات تتسم بالبراءة والعفوية مقارنة مع الموجة التالية من صور وفيديوهات العنف التي إنتشرت في الأسابيع الأخيرة أثناء الهجوم على الموصل وبعده، حتى ان أحد المحللين أريس روسينوز كتب عن إنطباعه من خلال متابعته لتغريدات الجهاديين البريطانيين في سوريا في تلك الفترة «حربهم تبدو الى حد كبير كأنها معسكر عُطل وإجازات بدلا من حرب أهلية عنيفة! المقاتلون البريطانيون ينشرون صورهم وهم يلهون في المسابح ويستمتعون بقطع حلوى الكادبيري البريطانية (من رائحة الوطن) وبشكل عام يبدون وكأنهم يستمتعون بأوقاتهم» .
ففي أحدى التغــــريدات لأحـــــد المقاتليــن من بريطــانيا في ســـــوريا @LifeofMujahid ، نشر صورة لقطعة شوكولاته «سنيكرز» مع جملة باللغة الإنكليزية تقول «أعرف ان علي أن أحمد الله كثيرا على النعم العديدة التي من بها علينا هنا إلا أنني لم أتخيل أبدا أنني سوف أستطيع أكل «سنيكرز» في هذه البلاد». وغرد آخر باسم @abu_muhajir1 بصورة لبيتزا حصل عليها في سوريا وكتب «اشتقت لك أيتها الصديقة (البيتزا)، أنت أقرب شيء هنا لطعام الوطن (بريطانيا)» أما Abu Fulan al-Muhajir (أبو فلان المهاجر) فنشر على تويتر صور لقنينة باربيكان (البيرة الخالية من الكحول) وكتب تحتها Work hard, rest and enjoy a little «إعمل بجد وارتح قليلا واستمتع قليلا».
كل هذه الرسائل سواء كانت مصممة عن عمد لإجتذاب شريحة معينة من الجمهور أو كانت كذلك عفوية، تجتذب جمهورا واسعا من الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتحاول تبديد الإنطباع المعاكس بأن المقاتلين إرهابيون ومجانين! بجعلهم يبدون كغيرهم من الناس يحبون الأشياء العادية ويستمتعون بها!
على شبكات التواصل الإجتماعي قد يحجم الجمهور عن إعادة نشر مقال سياسي أو ثقافي أو مشهد عنف، لكن اكثرهم لا يجدون حرجا بإعادة نشر صورة «بيتزا» أو قطعة شوكولاته أو صورة قطة وديعة مصورة إلى جانب كلاشنيكوف مع تعليق طريف .
لماذا تركز داعش وغيرها على إستقطاب أبناء الجاليات المسلمة في أوروبا؟
إضافة لكونهم الأسهل استقطابا وذلك لأسباب عدة: كشعورهم بالتهميش في مجتمعاتهم الأوروبية وشعورهم بالغربة عن ذويهم المهاجرين الأوائل فقد عاشوا بمعزل الى حد كبير عن الآثار السلبية للتعصب الديني، فهم يحملون صورا رومانسية مبالغا فيها عن الإسلام والمسلمين، هم أيضا الأسهل حركة وتنقلا وقدرة على السفر من أقرانهم في الدول العربية الذين قد لا يمكلون أجرة الطريق للسفر للمدينة المجاورة وهم أيضا الأكثر فاعلية في معارك الإنطباعات التي كان وما زال على «داعش» أن تخوضها عبر شبكات التواصل الإجتماعي لكي تتمكن من التربع على عرش الجهاد في الطريق لكسب الخلافة.
هؤلاء يأتون وهم محملون بأجهزة الهواتف الذكية القادرة على التقاط الصور ونشر التغريدات وغيرها من الأجهزة والمعدات اللازمة والخبرات الضرورية في استعمال شبكات التواصل والإنترنت، هؤلاء الشباب ولدوا مع الإنترنت وترعرعوا في عصر التواصل حتى أصبح استعمالها بديهيا وطبيعيا بالنسبة لهم .
مثل هؤلاء يستطيعون ان يلعبوا دور القدوة بالنسبة لأقرانهم في البلاد الأوروبية، أيضا اقران يحتذى بهم بالنسبة لملايين الشباب في العالم العربي والإسلامي الذين يحلمون بأوروبا وكل ما يجيء من الغرب.
وإن كانت أمريكا في حرب الخليج الأولى قد زرعت إعلاميين مع الوحدات القتالية من أجل الإستفراد بالرواية ونقل الأحداث من وجهة النظر الأمريكية، فقد ذهب «داعش» الى أبعد من ذلك، بجعل المقاتل نفسه هو أيضا الإعلامي والناشر الذي ينقل الإنطباعات والرسائل ووجهات النظر لصالح التنظيم .. وبذلك يكون «داعش» ومن يستعمل هذا الأسلوب قد تخلص من بيروقراطية الإعلام التقليدي وأجنداته ووصل مباشرة الى الجمهور الذي يريده .

خبير انترنت واعلام اجتماعي

إياد بركات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : لا أحد يريد ( داعش ) سوى المتطرفين مثلها
    والمعقدين مثلها والمجرمين مثلها .
    شكرا .

إشترك في قائمتنا البريدية