النشاط الدبلوماسي الحمساوي: تعديل استراتيجيات وبناء أحلاف جديدة

اعتبر أكثر المراقبين أن استقبال ولقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في السعودية، قد شكل اختراقا يحسب لحركة حماس، بل قد يكون تغيراً في بوصلة وتوجهات الحركة في الفترة المقبلة.
إلاّ أن المتابع لهذا اللقاء وما تبعه من اجتماعات أخرى لمشعل بمسؤولين دوليين آخرين يدرك أن الأمر يتعدى كثيراً ما بدا عليه في بادئ الأمر، فهو تحول واضح جاء نتاجا لتطورات على عدة مستويات داخلية وإقليمية ودولية.
لحق لقاء الملك السعودي برئيس المكتب السياسي لحركة حماس عدة لقاءات، فالتقى الأخير وزير الخارجية الروسي، والرئيس التركي، وكذلك اجتمع مؤخراً في الدوحة بممثل الرباعية السابق توني بلير. وفي حين ذكرت جريدة «الغارديان» البريطانية أن اللقاء بين مشعل وبلير لم يكن الأول، بل هو اللقاء الرابع، عقب اللقاء الأخير عجت الصحف العربية والغربية والإسرائيلية بأخبار مفادها أن حركة حماس على عتبة اتفاق هدنة مع إسرائيل، ولم يتبق سوى بعض التفاصيل لإتمام الاتفاق. الضجة علت أكثر بالتصريحات المتضاربة لمسؤولي حماس، يؤكد بعضهم تارة، وينفي آخرون تارة أخرى وسط ما وصف البعض بأن هناك «تسريبات» عن اجتماع شورى الحركة أجمع المجتمعون فيه على ضرورة الموافقة على هذا الاتفاق مع تحفظ قياديين فقط من قيادي الحركة. تزامنت جميع هذه المعطيات أيضاً مع التصريحات التركية، حيث تحدث مسؤولوها عن ضرورة تسوية الأوضاع بين إسرائيل وحركة حماس، ومنع أي نشاط حمساوي من أراضيها يستهدف إسرائيل، وسط محادثات إسرائيلية تركية لإعادة تطبيع العلاقات، بعدما شابها من توترات سياسية في أعقاب حادثة مافي مرمرة.
السلطة الفلسطينية عبرت عن رفضها الكامل لأي اتفاق جانبي بين إسرائيل وحركة حماس، وهو موقف متطابق مع بعض مواقف البلدان العربية وعلى رأسها مصر. وينبع موقف السلطة الفلسطينية من أن أي اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس منفردة، سيؤدي إلى فصل واقعي لقطاع غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة عام 1967، وهو إعلان رسمي لوفاة أي جهد لمصالحة وطنية فلسطينية كان من شأنها إعادة اللحمة لشقي الوطن في الضفة وقطاع غزة. الأذى الذي قد يلحق بالشأن الفلسطيني لن يتوقف عند الشأن الداخلي الفلسطيني، فاتفاق كهذا سيضعف من جهود السلطة الفلسطينية الدبلوماسية التي حققت في الفترة الأخيرة إنجازات وضعت إسرائيل في عزلة ومواجهة دول كانت تعتبر في السابق حليفاً لإسرائيل. نعم، التحركات الدبلوماسية الفلسطينية وضعت إسرائيل على خط النار، مع محكمة الجنايات الدولية ومنظمات دولية وأممية كثيرة وسط حملة متصاعدة من المقاطعة، وكل هذا من شأنه أن يتأثر سلباً في حال قامت حماس بتنفيذ اتفاق أحادي مع إسرائيل.
إن بدأنا في تحليل أهداف إسرائيل من هدنة مع حركة تراها إرهابية ويجب اقتلاعها، يبدو وكأن هذا اللقاء يتعدى الشأن الفلسطيني نفسه. فإسرائيل لها نظرة أبعد من هدفي إبقاء الانقسام الفلسطيني الداخلي وإضعاف الموقف الفلسطيني الدبلوماسي. فبمراجعة التاريخ الحديث، نجد أن إسرائيل تبحث دوماً عن تأمين جبهة غذا توقعت أزمات في جبهة ثانية. فتأمين جبهة الشمال كان أمراً حتمياً قبيل الخوض في مغامرة في قطاع غزة، والعكس صحيح فتأمين جبهة الجنوب كان دوماً أولوية لإسرائيل قبيل أي مواجهة مع حزب الله. ولكن هذه المرة، لا يبدو أن حزب الله فقط هو من سيكون مصدر إزعاج إسرائيل، بل سوريا ومكوناتها المعقدة، خاصة إذا ما ارتبط هذا الحديث مع الأنباء عن بدء البحث في ترتيبات جديدة لخروج آمن للأسد من سوريا، وبدون تأمين البديل، وهو الأمر الذي سيعني فوضى أكبر في جبهة الشمال وردود فعل غير متوقعة بعد لحزب الله في حال مغادرة الأسد.
إذن إن صحت التكهنات بأن الهدف من لقاء بلير بمشعل هو البحث في تهدئة بين حماس وإسرائيل أو لم تصح، فالشيء المؤكد هو أن هذا اللقاء يندرج في إطار أوسع يبحث في ترتيبات إقليمية لسوريا ما بعد الأسد، وحتى أبعد من سوريا. ولأن انتفاضات الربيع العربي أخرجت لاعباً مهماً في المنطقة، وهم الفاعلون غير الدوليين أو الحركات والمنظمات، لم يعد لقاء مشعل بوزير الخارجية الروسي أو حتى الرئيس التركي خارجاً وبعيداً عن هذا الإطار التحليلي. ففي حال خروج الأسد، يضحى من المهم أن تنسج جميع القوى الإقليمية والعالمية علاقات بحركات ومنظمات يمكن أن يكون لها دور في سوريا الجديدة.
من المؤكد أن روسيا لن تقبل أن تُسقط خيار الأسد بدون أن تؤمن راعيا جديدا لمصالحها في هذه البقعة المهمة، والأمر ذاته ينطبق على تركيا، التي يجمعها بسوريا حدود ومصالح ومخاطر، أهمها الشأن الكردي والخوف من تكوين كيان كردي في شمال سوريا. ومن هنا، لم تعد أي قوة إقليمية أو عالمية تتمتع برفاهية اختيار أحلافها، بل أصبح أمراً مفروضاً بدون أدنى شك.
الولايات المتحدة الأمريكية التي تتابع التطورات الجارية على الأرض عن كثب استطاعت أن تنسج علاقات مع كافة الأطراف، بما فيها إيران عقب الاتفاق النووي وروسيا نفسها، حيث أشارت بعض التحليلات الأمريكية إلى أن سحب صواريخ باتريوت الأمريكية من تركيا جاءت بتوافق روسي أمريكي من جهة، ومن أجل إرضاء القوى الكردية من جهة ثانية، حتى لا تظهر وكأنها تقف مع تركيا ضد الأكراد بشكل مطلق. ولكنها في الوقت ذاته لم تخسر تركيا، ففتحت باب التعاون العسكري وتحديداً في شأن الضربات والهجوم الذي يستهدف تنظيم «داعش».
لم تغب هذه الرؤية عن أهداف لقاء خادم الحرمين الشريفين بمشعل، ولكن هذه المرّة تضاف ساحة اليمن إلى قائمة الساحات التي تستدعي وجود لاعبين جدد، خاصة بعد أن أخذ المنحى المذهبي شكلا لا يقبل الجدل في هذا الصراع. فشكل لقاء مشعل بالملك سليمان شرارة بدء ومنعطفاً في خريطة وتشكيلات لاعبي وفاعلي هذه المنطقة. فبعد فترة من الصدمة والجمود، استطاع العديد من أنظمة المنطقة امتصاص تبعات ما يسمى بالربيع العربي، وبناء استراتيجياتها الجديدة المبنية بشكل رئيس، إما بالتحالف أو التصادم مع العنصر الجديد والمهم في المنطقة، الفاعلين غير الدوليين أو الحركات.
الأمر الذي لا يقبل الجدل هو أن لاعبي المنطقة بدأوا في إعادة ترتيب أوراقهم، وتعديل استراتيجياتهم وبناء أحلاف جديدة تتواءم مع المتغيرات المتسارعة، التي جاء على رأسها الاتفاق النووي الإيراني واحتماليات سقوط نظام بشار الأسد، مع تصاعد الدور المناط بالحركات ذات الطابع الديني في المنطقة.

٭ كاتب فلسطيني

فادي الحسيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الظاهر أن الصهاينة لهم مصالح مخفية بمحادثاتهم مع حماس غير توقيف الصواريخ على المغتصبات بفلسطين المحتلة وتفريق القرار الفلسطيني
    ألا وهو الدخول بحرب داخل سوريا ولبنان لتثبيت الحدود معهما
    وكذلك المساعدة بفرض رئيس متعاون معهم كالأسد !

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول ماهر:

    من المهم تسمية الأسماء بأسمائها. الحركات ومنها حماس تكون عادة الكرة التي تتقاذفها الأنظمة.
    هل سألت حماس نفسها من المستفيد؟ بغض النظر كاملا عن موقف السلطو وفتح وبقية الفصائل. لنكن نحن على الأقل صادقين مع أنفسنا ونجيب حماس على هذا السؤال.

إشترك في قائمتنا البريدية