الداودي يستبق إقالته تحت ضغط الشارع المغربي بطلب إعفائه من مهامه الوزارية

حجم الخط
0

الرباط – «القدس العربي»: استبق وزير مغربي إقالته من الحكومة تحت ضغط الشارع وقدم لحزبه طلب اعفائه من مهامه الوزارية لم يتاخر الحزب في قبوله، بعد تصاعد الاحتجاجات والانتقادات لمشاركته يوم الثلاثاء الماضي بتظاهرة احتجاج امام البرلمان مناهضة للحراك الشعبي الداعي لمقاطعة عدة سلع.
واكدت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي في الحكومة، ان مشاركة قيادي الحزب، ووزير الحكامة والشؤون العامة، لحسن الداودي في الوقفة الاحتجاجية ضد حملة المقاطعة لعمال شركة «سنطرال» الفرنسية، «تقدير مجانب للصواب وتصرف غير مناسب» وان الحزب «يقدر تحمل لحسن الداودي المسؤولية بطلب الإعفاء من مهمته الوزارية».
وأعربت الامانة العامة للحزب في اجتماع عقدته مساء أول أمس برئاسة أمينه العام رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، عن «رفضها لبعض التصريحات والتدوينات غير المنضبطة لقواعد وأخلاقيات حرية التعبير الصادرة عن بعض مناضلي الحزب والمسيئة لحسن الداودي»، إشارة إلى وابل الانتقادات التي انهالت على الوزير بمجرد نزوله إلى الشارع للاحتجاج ضد حملة المقاطعة، مع عمال «سنترال» الفرنسية.
وقالت مصادر إعلامية ان العثماني التقى، قبل اجتماع الامانة العامة، بالوزير لحسن الداودي الذي عبّر لرئيس الحكومة عن استعداده لمغادرة الحكومة وسيكون على رئيس الحكومة رفع الطلب إلى الملك محمد السادس من أجل الموافقة عليه ليتم تعويضه.

العثماني : سلوك الداودي غير لائق

ووصف العثماني في وقت سابق خروج الداودي في وقفة احتجاحية بالسلوك غير اللائق، كما لقي سلوك الداودي استهجانا واسعا من قبل أعضاء الحزب ومغاربة مواقع مواقع التواصل الاجتماعي.
وشهدت الوقفة الاحتجاجية التي نظمها عمال شركة «سنطرال دانون»، التي تشملها «المقاطعة»، ليلة أمس أمام البرلمان، التحاق وزير الحكامة والشؤون العامة، لحسن الداودي، رافعا بدوره وسط جموع المحتجين شعارات ضد حملة المقاطعة، من قبيل «هذا عيب هذا عار..الاقتصاد في خطر»، و»هذا عيب هذا عار..المقاولة في خطر»، «لا تقاطع لا تقاطع .. العامل هو الضائع»، «المقاطعة ضراتنا..حنا ولاد الشعب».
وقال مصطفى الخلفي، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، ظهر امس الخميس بعد المجلس الحكومي: «موضوع طلب الإعفاء لم يناقش في المجلس، وبالتالي لا يمكن أن أعلق»، وأن «مجلس الحكومة ليس هو المؤسسة التي تناقش فيها مسألة الإعفاء». وأكد أن مجلس الحكومة لم يتطرق كذلك لمشاركة الداودي في المسيرة الاحتجاجية، وقال «هذا الأمر لم يناقش ولا يمكن الحديث عن موضوع لم تتم إثارته».
وقال سليمان العمراني نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إن طلب الإعفاء الذي تقدم به لحسن الداودي هو بيد رئيس الحكومة الذي سيقوم بالإجراءات المتعينة وفقاً لما نصّ عليه الدستور وأن تفاعل الأمانة العامة مع طلب الداودي كان إيجابيا، وتم تلقيه بتقدير كبير، وتمت الإحاطة بمختلف جوانبه إضافة إلى التوقف عند السياق السياسي والمجتمعي الذي يعرفه المغرب.

العثماني يطلب عدم الإدلاء بتصريحات

وسارع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لوقف أعضاء حزبه عن الحديث في الموضوع ووجّه دعوة لهم عبر تدوينة له نشرت على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يطالبهم فيها بعدم التعليق على الواقعة، وقال: «أدعو جميع أعضاء الحزب عدم الإدلاء بأي تصريح أو الإعلان عن أي موقف بأي وسيلة كانت إلى حين مناقشة الموضوع من قبل الأمانة العامة».
وتجاوزت الانتقادات للخرجة الأخيرة للداودي نطاق أعضاء الحزب لتصل إلى قيادات الصف الأول، حيث خرج عدد من أعضاء الأمانة العامة، بتعبيرات رافضة بشكل واضح وصريح لموقف الداودي وقرار مشاركته في وقفة عمال شركة «سنترال» أمام البرلمان.
وأوضح العمراني أن طلب لحسن الداودي إعفاءه من مهامه الوزارية يحمل رسالة تخليقية عالية، جدير بالفاعلين السياسيين أن يلتقطوها، وهي أن يتحمل المرء المسؤولية نتيجة تصرفاته، لكن أن ينتبه أيضا إلى حسن تقدير أي خطوات يقدم عليها. واعتبر أن السياسة لا تستقيم بالتلقائية أو العفوية التي قد تكون مكلفة أحيانا ليس للشخص ذاته فحسب، ولكن أيضا لعائلته السياسية.
وقال عبد العلي حامي الدين القيادي في حزب العدالة والتنمية إن طريقة إدارة موضوع المقاطعة من طرف لحسن الداودي وخطابه حولها لم تكن موفقة، ومن باب الإنصاف ينبغي القول بأنها امتداد للطريقة التي أدارت بها الحكومة هذا الموضوع منذ اليوم الأول، وقد كانت هناك تصريحات أخرى لأعضاء الحكومة تنقصها اللياقة وحسن التعبير.
وأضاف في تدوينة له على فايسبوك، أن الداودي تحمل مسؤوليته بشجاعة واستقال من منصبه الوزاري بعدما شعر بغضب جزء من الرأي العام على أدائه. وقال أن الداودي لا يؤدي ثمن مشاركته مجموعة من العمال وقفة احتجاجية أمام البرلمان، وإنما يؤدي ثمن اختيارات سياسية معينة ساهمت في خلق أجواء سياسية مطبوعة بالقلق والتوتر، وهي اختيارات اتخذها حزب العدالة والتنمية ينبغي تقييمها بما يلزم من شجاعة ومسؤولية وقدرة على النقد الذاتي.
واعتبر حامي الدين أن ما قام به الداودي «موقف أخلاقي مسؤول ينبغي التنويه به، في انتظار أن يتحلى بعضهم بنفس الشجاعة ويقدم على خطوة مماثلة، لأن بلادنا تحتاج إلى رجة سياسية حقيقية لإعادة المعنى للسياسة، وحزب «العدالة والتنمية» هو المؤهل للقيام بها قبل فوات الأوان».

ردود فعل غاضبة

وتواصلت طوال أول أمس وأمس ردود الفعل على هذه المشاركة، وأطلق نشطاء عريضة على موقع «أفاز» العالمي، المتخصص في العرائض، حملت عنوان «عريضة لتوقيع ملتمس للملك لعزل الوزير الداودي» وتمكَّنت من جمع مئات توقيعات المغاربة في وقت وجيز، حيث توجَّهت بخطابها إلى «الملك محمد السادس، بصفته ممثل الأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو الساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين»، من أجل مطالبته بعزل لحسن الداودي.
ووصف نص العريضة مشاركة الوزير في وقفة عمال شركة «سنترال» أمام البرلمان بـ»غير المسؤولة ولا تليق بمسؤول حكومي مفروض أن يلتزم بمبدأ الحياد، لا أن يرفع وسط جموع المحتجين شعارات ضد حملة المقاطعة»، مورداً أن «هذا التصرف اللامسؤول يُسيء إلى العمل السياسي في المغرب».
كما وقّع عدد من النشطاء بمن فيهم أعضاء حزب «العدالة والتنمية»، نداء دعوا فيه «الجالس على العرش» إلى التدخل من أجل وضع حدِّ لتجاوزات وزراء العثماني، وقال النداء: «بين مداويخ وجياع ومجهولين تعددت المهانات يا جلالة الملك، وكل ذنب شعبك أنه لم يحتج في شارع ولم يرفع صوتاً بنداء جارح بل فعل كما يفعل السباقون إلى التطور والحداثة وطالبوا من وضعت فيهم ثقتك ليهتموا بشؤون البلد أن يترفقوا بجيوب الفقير».
وأضاف النداء «إنه لمن الصادم أن يدافع من اخترناهم للدفاع عنا أن يدافعوا عن أرباب الشركات ولم يكلفوا أنفسهم عناء مناقشة الفكرة تحت قبة البرلمان» و«بما أن الوقت طال من دون أن تتفاعل الحكومة بجدية مع مطالب شعبك البسيطة، فإن هذا الشعب وهو مدرك لحجم مسؤولياتك لجأ إليك لتنصفه من لامبالاة الساسة وإمعانهم في إذلاله وكأنهم لم يستوعبوا أياً من خطاباتك».
وقال عبد العالي الرامي، الناشط الحقوقي والمشرف على عريضة «العزل»، إن «توالي استفزازات وزراء العثماني دفعتنا إلى التوجه إلى الملك»، وانه «كان مفروض على الوزير أن يبحث عن الحلول لا أن يُلقن الشعارات وأن يخرج بتصريحات استفزازية تصب المزيد من الزيت على النار خصوصاً في هذه الظرفية الاجتماعية والسياسية «الحساسة». وأضاف: «شيء مؤسف أن يَصْدُر هذا التَّصرف «الشارد» من وزير ينتمي إلى حكومة مسؤولة أمام الشعب».
وقال «لا يمكن لوزيرٍ في الحكومة أن ينزل مع العمال، لأن هذا فيه تناقض، ولا ندري ما هي الرسائل التي أراد أن يبلغها من وراء إقدامه على هذه الخطوة»، متسائلاً «هل هو تحدّ للبرلمانيين أو تحدّ للشعب الذي يدعو إلى المقاطعة أم أن له دوافع أخرى».
وقال الاقتصادي مصطفى العمراني «إنها المرة الأولى في التاريخ السياسي التي يخرج فيها وزير من الحكومة للاحتجاج على حرية من حريات الشعب وهي حق اختيار أي منتوج يستهلكه في اقتصاد حر»، وأن «الوزير أظهر انحيازاً كلياً لشركة واحدة من بين الشركات الثلاث وهي ملكية خاصة وليست عمومية، وليست الشركة الأولى التي يواجه جزء من عمالها خطر البطالة».

حملة سخرية على مواقع التواصل

واضاف العمراني: «كوزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بالشؤون العامة والحكامة هو المسؤول الأول عن مراقبة الأسعار، خاصة في القطاعات المحررة حديثا وفي شهر رمضان الذي تكثر فيه المضاربات والكل يعرف ما يقع حاليا من ارتفاع في جميع الأسعار».
وعلق رواد العالم الأزرق بسخرية على خرجة الداودي غير المحسوبة، بحيث اعتبر البعض أنها سابقة في التاريخ «ستدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية كأول حكومة في العالم تتظاهر ضد الشعب». وطالب البعض باعتقال لحسن الداودي بتهمة «التظاهر في الشارع بدون ترخيص». وأضاف أحدهم، أنه «يجب على الحكومة أن توقف راتبه. بل يجب ان يتقاضى راتبه من عند الشركات التي نصب نفسه محاميا عنها».
وواصل نشطاء مغاربة على الفيسبوك سخريتهم من الداودي، وكتب قيادي بالاتحاد الاشتراكي، في تدوينة له على الفيسبوك: «كم أنت كريم يا رب.. تعطينا الحليب وتعطينا «السطولا..» معه!».
واعتبر أحد «الفيسبوكيين» أنه «بعد خروج العثماني في مظاهرة يوم العمال في1 أيار/ مايو وخروج الداودي في وقفة سنطرال قرر الشعب عقد اجتماع عاجل لتدارس مطالب الحكومة». وأضاف آخر: «حياني الله حتى شفت وزير كيحتج». وكتب ناشط فيسبوكي: «عاجل، الشعب مستعد لتقديم استقالته ومغادرة البلاد بعد احتجاج الحكومة عليه».

الداودي يستبق إقالته تحت ضغط الشارع المغربي بطلب إعفائه من مهامه الوزارية

محمود معروف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية