إعادة تأهيل العراق تفاؤل لم يكتمل بعد

يبدو واضحاً أن مبلغ الثلاثين مليار دولار، الذي تم جمعه في مؤتمر الكويت لغرض إعادة إعمار العراق وإصلاح بنيته التحتية والاجتماعية، بعد خمسة عشر عاما من عملية غزو العراق، ومنذ أربعة أعوام من احتلال الموصل من قبل «تنظيم الدولة»، هو أقل ما تستطيع ان تقدمه الأسرة الدولية، والدول الخليجية النفطية لمساعدة هذا البلد اقتصاديا، بعد اتساع رقعة التمدد الإيراني في عمق الدولة العراقية، ووضوح استراتيجيته الطائفية التوسعية، التي باتت تهدد الأمن الإقليمي العربي في منطقة الشرق الأوسط.
وإذا كان توقيت بدء العمل بهذا المؤتمر قد جاء انطلاقا من الحاجة الماسة للعراق المغلوب على أمره، لإعادة بناء مدنه المهدمة ورفع الأنقاض عن بنيته التحتية والاقتصادية المدمرة، بعد نجاح المؤسسة السياسية والعسكرية العراقية وبمساعدة قوى التحالف الدولي من طرد هذا التنظيم من العراق، يبقى موضوع الحلول التي من الواجب اتخاذها لمعالجة أسباب ظهور هذه المجاميع الإرهابية ومسؤولية النظام السياسي الطائفي في استمرار حالة انعدام الأمن وتدخل إيران في شؤون العراق المصيرية.
يتفق الجميع على ان إعادة إعمار العراق هو مطلب وضرورة يتمناها كل العراقيين، ولكن يبقى السؤال المهم هو في أسباب البدء في إعادة بناء العراق في ظل ظروف مبهمة لم تكتمل معالمها، ولم وتتوضح مسيرتها بعد، إذا أخذنا بعين الاعتبار حالة الغموض الذي تسود المشهد السياسي العراقي المقبل الناتج من حالة فوضى الطائفية السياسية التي يُعمل بها، وعما ستؤول إليه نتائج الانتخابات المقبلة وأثرها على طبيعة النظام السياسي في توزيع أموال استثمارات إعادة الإعمار وتوزيعها بأنصاف بين العراقيين.
لا شك بأن المبالغ المخصصة لعملية إعادة إعمار العراق التي أقرها مؤتمر الكويت لها الأهمية، وإن لم تكن بالمستوى الكافي والمطلوب، لإعادة الاستقرار للوضع الإنساني والسياسي العراقي، نتيجة لحجم الدمار الذي ألحقته معارك تحرير المدن العراقية من جهة، وغياب الإصلاحات السياسية للنظام العراقي، الذي ألحقت به الطائفية الكثير من الأضرار، إلى درجة أصبحت هذه الإصلاحات بمثابة الضرورة الرئيسية الأولى، لأنها تمثل التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة العراقية في الوقت الحاضر.
من هنا، لم يعد منطق الإصرار باعتبار هزيمة «داعش» بمثابة انتصار حقيقي ورأي صائب، قبل أن يتم إصلاح النظام السياسي الطائفي في العراق، ووقف تجاهل الأسرة الدولية للدور الخطير لهذا النظام القائم منذ 2003 في ولادة تنظيم الدولة، والتحذيرات من أنه ما لم يتم التصدي للانقسامات المذهبية، التي جاء بها نظام المحاصصة على الأراضي والسلطة السياسية، فإن الانتصار على الإرهابيين أي كانت طائفتهم وقوميتهم سيتبعه لا محالة استمرار الصراع بين العراقيين أنفسهم. فما الفائدة إذن، وما هي الحاجة إلى هذه الأموال، خصوصاً إذا ما رجعنا للنتائج السلبية التي أفرزتها عمليات ضخ الإدارات الأمريكية للعديد من مليارات الدولارات، لإعادة إعمار العراق منذ احتلاله. وهذا ما قد يدعونا للتساؤل، عما إذا كان مبلغ الثلاثين مليار دولار الذي تم جمعه في مؤتمر الكويت، سيكون له أي تأثير على مستقبل العراق، حيث من المرجح ألا تتغلب هذه المليارات من الدولارات لإعادة بناء العراق وحدها على مصاعب العراقيين، في غياب استراتيجية سياسية مدروسة لإعادة اللحمة الوطنية، تعزز السلام الدائم وتدفع من أجل ذلك إلى الاستثمار.
وهنا لا بد من التأكيد على أن تركيز مؤتمر الدول المانحة على الاستثمار الاقتصادي فقط، وفي غياب الجهود والحلول التي تركز على منع الصراعات الدينية، والقضاء على الفساد من خلال تعزيز قيام نظام وطني عابر للطوائف، سوف لا يكفي لإعادة بناء العراق وتصحيح مسار دولته الوطنية. فثمة خشية من أن تعزيز الانتصار العسكري على تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال دعم مؤتمر الدول المانحة لإعادة المدن المدمرة، في ظل الفساد المستشري على نطاق واسع، قد يبتلع العديد من الاستثمارات في البلاد، حيث يعد الفساد أحد أكبر التحديات التي تواجه المدن المدمرة، بعد أن أصبح أحد أهم مميزات العراق التي حملتها لائحة الدول العشر الأكثر فسادا في العالم.
وكما يخشى العراقيون أنفسهم، من أن انعدام الأمن وعجز النظام في بغـداد من حصر السلاح بيد الدولة مع وجود المليشيات المسلحة التي تسرح وتمرح بغياب القانون، قد لا يسمح بتوزيع استثمارات وأموال الدول المانحة بشكل منصف بين العراقيين، باعتباره يمثل نظام محاصصة طائفية غير مؤهل لإعادة إعمار العراق لضمان استثمار أموال الدول المانحة بدون اللجوء إلى التخندق الفئوي.
لا شك بأن مضمون مؤتمر الدول المانحة قد حمل في طياته صدق وحُسن النية الدولية والخليجية لمساعدة العراق للخروج من محنته، إلا أنه في الوقت نفسه أخفى هذا التجمع الدولي في طياته عن رؤى عبرت عن شكوكها في جدوى بذل توظيف هذه الأموال في بلد كان من الأجدر البدء في إصلاحات جوهرية، تشمل طبيعة النظام السياسي الطائفي الذي يتحمل المسؤولية الأولى في وجود «داعش» والمليشيات وعما أصاب العراق والعراقيين. يبقى الخوف من أن يقوم الفاسدون بسرقة أموال الدول المانحة، كما سُرقت من قبلها أموال نفط العراقيين من أجل أن تبقى طائفية الدولة ملازمة للفقر، لتكون بالتالي سلاح بقائهم في الكرسي وتربة خصبة للعنف، ونمو طراز آخر من الإرهابيين.
كاتب عراقي

إعادة تأهيل العراق تفاؤل لم يكتمل بعد

أمير المفرجي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية