عاشوراء في قاموس أحزاب المشروع القومي الإيراني

أحيى العراقيون شيعة وسنة قبل أيام مراسم فاجعة عاشوراء، كل على طريقته الخاصة، من خلال تنظيم المسيرات والندوات، إجلالاً لذكرى هذا الحدث المهم في التاريخ العراقي بصورة خاصة، والعربي والإسلامي بصورة عامة.
وعلى الرغم من ان أهمية هذه الذكرى وعمق دوافعها الإنسانية والدينية، التي ترجمت بامتياز، صراع الحق ضد الباطل وثورة الإنسان ضد الظلم، بيد أن استغلالها وتجييرها بالشكل السياسي القائم في العراق، وحصرها في إطار إشكالية الخلافة، ومن له الأحقية في القيادة والحكم السياسي، غيّر من مجراها التاريخي والإنساني، الذي كان من المفروض أن يجعل من الرسالة المحمدية، نبراساً مضيئاً، مكملاً للرسائل الإنسانية التي جاءت بها الأديان السماوية، بدلا من أن تكون عاملا للتناحر السياسي والانتقام الطائفي، ووسيلة لخداع الإنسان المؤمن البسيط بعقيدته، وكما يحدث اليوم في العراق، إذا أخذنا بعين الاعتبار نتائج الانقسامات الخطيرة التي أفرزتها تفسيرات الأحزاب الطائفية لهذه الواقعة على وحدة المجتمع العراقي واستغلالها بالتالي من الآخرين كوسيلة مارقة للتدخل في النظام السياسي في العراق، وإن اختلفت وتعددت طرقها وأسبابها.
من هنا تأتي الأهمية الكبيرة للدروس والعبر التي تحملها هذه الواقعة للعراق وللعراقيين، سنة وشيعة وأقليات، انطلاقا من شموليتها للواقع الإنساني، كثورة على الظلم والاضطهاد والفساد، وليس كأداة ووسيلة للوصول للحكم، من خلال إعطائها الصبغة الطائفية، وإدخال الشعائر والطقوس بهذا الشكل المُفرط المُتعمد والخطير على مستقبل العراق، خدمة للفاسدين وتجار الدين السياسي المرتبط بالمشروع القومي الإيراني، على عكس ما تحمله هذه الذاكرة من دروس وعبر، والقدرة في ان تصبح عامل وحدة العراقيين لإيقاف خطر الطائفية الذي بات يهدد بلدهم.
وفي ضوء ما تقدم، تم إرساء ثقافة الانتقام والتمييز بين العراقيين عن طريق دفع المجتمع للعودة إلى خلافات الماضي، بعد أن طغت على هذه الذكرى صفة التحيز والتعصب والانتقام من الآخر، من خلال ممارسة الأحزاب الحاكمة، وتبني المؤسسات الأمنية الرسمية والمليشيات التي شكلتها هذه الأحزاب، للتمييز الطائفي، الذي أضحى طابعا لهيكلية الدولة، ما أدى إلى تغذية سلوك العنف المقابل، إلى درجة أصبحت ممارسة التمييز نوعا من أنواع الانتقام، وتهيئة التربة الخصبة لولادة تنظيم دولة الخلافة «داعش»، الذي أرجع العراق إلى دائرة صراع الخلفاء بنسخة القرن الواحد والعشرين.

كرّس السياسيون العراقيون مناسبة عاشوراء لتمرير أجنداتهم السياسية لخدمة ومصلحة النظام الطائفي القادر على حمايتهم

وفي هذا الصدد أيضا، ونتيجة لتأجيج المشاعر الدينية المتعصبة، كرّس السياسيون هذه المناسبة لتمرير أجنداتهم السياسية لخدمة ومصلحة النظام الطائفي القادر على حمايتهم، وبالتالي تحويل مناسبة عاشوراء إلى تظاهرات سياسية للتحريض والدفع في اتجاه التعصب الشيعي، لمواجهة أخوتهم من المسلمين. كما أن الاستغلال الفاضح للنظام الإيراني لهذه الواقعة المؤلمة، التي لم ترتبط بالثقافة الفارسية، ولم تمت بصلة مع تاريخ إيران، يمكن اعتباره بمثابة الإساءة المعلنة للدين الإسلامي الحنيف، إذا أخذنا بعين الاعتبار، حقيقة التغير المستمر في الاعتقاد الديني لبلاد فارس على مر العصور، والقابلية السياسية في تكييف قادتها المستمر لهذا التغير الثيوقراطي، لخدمة الأهداف الفارسية الثابتة كقوة مهيمنة، والتي لا تمت بصلة مع الأهداف الثورية لملحمة عاشوراء، التي سجلت في ثناياها واحدة من أعظم الوقائع الإنسانية المرتبطة بالمجتمع والإنسان، وتطلعاته في الحرية والإصلاح الاجتماعي والديني.
وفي خضم الصراعات والحروب التي تنفذها الأذرع الإيرانية، التي نشهدها اليوم في منطقة الشرق الأوسط، ترجمت الأحداث الأخيرة في منطقة الخليج العربي استفزازا جديدا لاستقرار النظام الإقليمي، وخطراً على مستقبل السلام المجتمعي في الدول العربية المتعددة الطوائف. وفي ظل الأحداث والتطورات التي تتوالى وتتسع في المنطقة، أضحى خطاب النظام الإيراني الرسمي وأحزابه في العراق في مناسبة عاشوراء، خطاب الكراهية والتحريض، وإثارة الخلافات الطائفية، بدلا من ان يكون خطاب الرسائل السماوية التي تحمل قيم العدل والرحمة ووحدة جميع المؤمنين. إن تحريف الأهداف الإنسانية لفاجعة عاشوراء وتحويلها إلى وسيلة للتسلط على رقاب العراقيين، كما ان مقارنة الأهداف المستوحاة من هذه الذكرى الأليمة، مع أهداف الاستراتيجية القومية الفارسية المبطنة بالعباءة الإسلامية، هو إساءة للعراقيين ومعتقداتهم المقدسة. كما إنها تمثل انحرافا عن أهداف ثورة العراقيين في طرد الاحتلال، ونبذ التفرقة والانقسام، التي تروج لها الأحزاب الطائفية الحاكمة في بغداد، لتجييش الخلافات المذهبية، خدمة للمشروع القومي الإيراني، وأحلام ملالي قم وطهران التوسعية التي لا ناقة للعراقيين فيها ولا جمل.
كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    التعصب المذهبي هو سمة النظام الإيراني! لا يُسمح لأهل السُنة والجماعة ببناء مسجد لهم بطهران!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    ” أحيى العراقيون شيعة وسنة قبل أيام مراسم فاجعة عاشوراء، كل على طريقته الخاصة ” إهـ .
    الصواب هو أحيا بدلاً من أحيى .
    و من موقع المعاني إليك ما يلي :
    ” أحْيَا الشَّعْبُ ذِكْرَى مُرُورِ ألْفِ سَنَةٍ عَلَى تَأْسِيسِ الْمَدِينَةِ : اِحْتَفلَ بِهَذِهِ الذِّكْرَى ” .
    كما أن الصواب القول كلاً على طريقته بدلاً من كلٌ على طريقته ، لأنها حال .

  3. يقول علي حسين أبو طالب / السويد:

    ” عاشوراء في قاموس أحزاب المشروع القومي الإيراني ” إهـ .
    الكاتب الكريم , كلمتنا عن عاشوراء في قاموس أحزاب المشروع القومي الإيراني ,
    فهلاَّ تكلمنا عن عاشوراء في القاموس الأموي , فهو يوم فرح عندهم و لا زال هناك
    و حتى اليوم قوم يحتفل بعاشوراء كيوم فرح و سرور .

  4. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    ” بيد أن استغلالها وتجييرها بالشكل السياسي القائم في العراق، وحصرها في إطار إشكالية الخلافة، ومن له الأحقية في القيادة والحكم السياسي، غيّر من مجراها التاريخي والإنساني ” إهـ .
    هذا غير صحيح ، فإحياء هذه الذكرى الأليمة لا ينحصر في إشكالية الخلافة أبداً و إنما يرتبط الأمر بالفاجعة ذاتها ، أداءً لشيء من الدين في رقاب الناس للنبي الأكرم جد صاحب المصيبة و تربية الناس على التمسك بدينه الحنيف ، كذلك هو مصداقاً لقول عقيلة بني هاشم زينب عليها السلام في محلس الطاغية يزيد بن معاوية عندما أعرب عن فرحه و شماتته في ما أصاب الحسين و أهله و أنصاره
    ” … فكدْ كيدك ، واسعُ سعيَك ، وناصبْ جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميتُ وحينا ، ولا يرحضُ عنك عارها ، وهل رأيك الا فنَد وأيامك الا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين . ”
    و على الهامش ، لقد تأسس مقتل الحسين يوم السقيفة ، يوم خرج الحق عن أهله ، و في مجلس قاتل الحسين ، عبيد الله ابن زياد رآه أحد صحابة النبي الأكرم و هو ينكث بقضيبه في ثنايا ثغر الحسين الموضوع رأسه أمامه فقال ” يا معشر العرب ، أنتم بعد اليوم عبيد ، قتلتم إبن بنت رسول الله و أمَّرتم عليكم إبن مرجانة ” .

  5. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    ربما أنت تعلم أن أول من بكى على الامام الحسين و أول من أقام عزاءً له هو جده النبي محمد عليه الصلاة و السلام ، فقد دخل الحسين بن علي على جده رسول الله و هو يُوحىَ اليه ، فبرك عل ظهره و هو منكب و لعب على ظهره . فقال جبرئيل : يا محمد ، إن أمتك ستُفتن بعدك و تقتل ابنك هذا من بعدك ، و مدَّ يده فأتاه بتربة بيضاء ، و قال : في هذه الأرض يُقتل ابنك ـ اسمها الطف ـ . فلما ذهب جبرئيل خرج رسول الله الى أصحابه و التربة في يده ، و فيهم أبو بكر و عمر و علي و حذيفة و عمار و أبو ذر و هو يبكي . فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطف ، و جاءني بهذه التربة ، فأخبرني أن فيها مضجعه ، فبكى الصحابة لبكائه فكان هذا أول مأتم يقام للحسين يقيمه جده مع صحابته قبل استشهاده ، فلماذا لا نتأسى بالنبي الأكرم و نحزن لفاجعة كربلاء و نحيي ذكراها الأليمة مع رفض ممارسات بعض الجهلاء في هذه المناسبة التي تتعارض مع الدين و الذوق العام مثل جرح و إيذاء الجسد بالأدوات الجارحة و كذلك منع التطاول على بعض الصحابة .

  6. يقول أبو دجلة الفراتي:

    جزاك الله ألف خير على هذه القراءة الموضوعية والوطنية التي تفرح العراقي الوطني الشريف والحريص على مستقبل بلده وتغيظ كل من له حقد وكراهية للعراق من أتباع المشروع القومي الفارسي بعباءته المذهبية. فالعدالة الإلهية ستنتصر في النهاية في بلاد الرافدين بلد الأنبياء ومهد الحضارات. لنا ثقة باالشعب العراقي بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى.

  7. يقول الكروي داود النرويج:

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية :” والحسين – رضي الله عنه – ما خرج يريد القتال، ولكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه، أو الذهاب إلى الثَّغْر، أو إتيان يزيد. فلم يُمَكِّنْه أولئك الظلمة لا من هذا، ولا من هذا، ولا من هذا، وطلبوا أن يأخذوه أسيرا إلى يزيد، فامتنع من ذلك، وقاتل حتى قُتِل مظلوما شهيداً، لم يكن قصده ابتداء أن يُقاتِل”.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:” وأما من قتل ” الحسين”، أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صَرْفا ولا عَدْلا.

إشترك في قائمتنا البريدية