أبعاد براءة مبارك على مستقبل مصر… الخاسرون والرابحون

حجم الخط
1

براءة الرئيس المصري المخلوع مبارك ورموز نظامه، من التهم الموجهة إليه «التحريض على قتل المتظاهرين، الفساد المالي عبر تصدير الغاز بأسعار زهيدة جدا إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي عدو الأمة العربية، واستغلال المنصب والحصول على رشاوى له ولنجليه»، هو انقلاب على الثورة المصرية الشعبية، وإضاعة لدماء الشهداء الذين سقطوا واعتداء على العدالة، وتلاعب بمشاعر وتطلعات الشعب للتغيير؛ والحكم القضائي هو مثابة شهادة وفاة رسمية للثورة المصرية الشعبية من قبل السلطة المصرية العسكرية، فقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد اصدار الحكم ببراءة الرئيس المخلوع مبارك: «مصر الجديدة لا يمكن أن تعود أبدا للوراء»، أي لأيام الثورة ولشعار الشعب يريد تغيير النظام.
ما حدث كان متوقعا منذ سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم في مصر، وهو دليل على عودة مصر إلى ما قبل اندلاع ثورة الشعب المصري، التي أدت إلى تنازل الرئيس مبارك عن السلطة في 25 يناير/كانون الثاني 2011، وفشل الثورة الشعبية الشاملة.
براءة الرئيس مبارك من التهم على أساس أنه غير مذنب، تمثل إدانة لكافة الشعب المصري الذي قام بثورة شعبية تمثل كافة المواطنين من جميع التيارات والأحزاب والتوجهات والمناطق، قدم خلالها المصريون أروع الصور في التحرك وإسقاط النظام، وأجبر الأحرار وعشاق الإصلاح والتغيير في العالم العربي والعالم على التفاعل ومتابعة أحداثها لحظة بلحظة، لأن انتصار الثورة في مصر هو انتصار لكل الشعوب العربية ولراية «الشعب يريد إسقاط النظام» القائم في الدول العربية.
وفي ليلة تنحي مبارك عن السلطة أقيم حفل في منطقتنا بهذه المناسبة التاريخية.. أكثر ما كنا نخاف منه هو اختطاف الثورة وقد تم التحذير منه عبر العديد من المقالات، لعدم وجود قائد وقيادة قادرة على جذب الشعب المصري الثائر الطيب، وأن يلتف الجميع حولها أثناء الثورة الشعبية الغاضبة على فساد سياسة نظام مبارك الظالمة والمستبدة وأعوانه، التي دمرت الهوية المصرية لمدة ثلاثة عقود من الزمن، كانت نتائجها كارثية على الشعب وأدت إلى نزول الملايين إلى الشوارع والميادين لاسقاطه.
فما هي أسباب تبرئة مبارك ورموزه من التهم والجرائم؟ لعل من أهم الأسباب التي أدت إلى تبرئة الرئيس المخلوع مبارك هو دور من كانوا شركاء له في تدمير مصر كدولة مؤثرة في المنطقة العربية، وتحويلها إلى دولة مترهلة وإلى شبه مملكة، وقد شجعوا مبارك على تعيين ابنه جمال وريثا لمملكته مصر، ونقلوا إلى سلطة مبارك أسلوبهم في الحكم، بأن الارض وما عليها ملك لهم، جهات دعمت بقاء مبارك على كرسي الحكم ورفضوا أن يتنازل للشعب، جهات غضبت من سياسة واشنطن بترك حسني مبارك وحيدا يترنح ويسقط، جهات عملت كل ما تستطيع للانقلاب على الثورة الشعبية، وقد كانت خائفة من وصول حكومة تمثل الشعب وتحكم باسم الديمقراطية الحقيقية وتؤمن بتبادل السلطة والحرية، وتملك فكرا جديدا وإرادة حديدية لبناء دولة حديثة لتكون أنموذجا للحكم الديمقراطي الناجح في المنطقة.
مجيء الإخوان المسلمون للحكم في تلك المرحلة الصعبة، كان فرصة ذهبية لأعداء الثورة المصرية، فقد تم استغلال وجودهم في الحكم وتم حفر الحفر أمامهم ما أدى إلى سقوطهم المكرر في إدارة السلطة، نتيجة نقص التجربة والثقة في بعض الأنظمة التي أظهرت لهم عكس ما كانت تخفيه من نيات، للانقضاض عليهم وعلى الثورة، فقد كانت متمسكة بنظام مبارك إلى آخر لحظة. ومع ظهور الضعف في إدارة الإخوان وتململ الشعب منهم، ومحاولتهم إرضاء دول محددة عبر تقاربهم مع السلفيين وتعيينهم قيادات جديدة في الجيش، قامت هذه الأنظمة بوضع الخطط المناسبة والحاسمة للقضاء بشكل نهائي عليهم وعلى الثورة، بعودة النظام العسكري وتقديم الإخوان بصورة مرعبة أمام الشعب المصري والعالم على أساس أنه نموذج فاشل، كل ذلك تم من خلال الامبراطورية الإعلامية الهائلة، فسقط الإخوان من الحكم بعد سقوطهم الشعبي داخل مصر، وتبخر التعاطف العربي والعالمي بسبب فشلهم في إدارة السلطة، ما أدى إلى استعادة المؤسسة العسكرية زمام الأمور والعودة لكرسي الحكم من جديد وباسم صناديق الانتخابات مستغلة حالة الاحباط الشعبي من نظام الإخوان.
مصر الثورة والتغيير والشعب المصري والشعوب العربية الراغبة بالتغيير للأنظمة القائمة على الإرادة الشعبية هم الخاسرون، والرابحون هم الأنظمة التي رفضت الثورة الشعبية المصرية لتحتل مصر المكانة المناسبة كزعيمة في المنطقة، ورحبت بعودة النظام العسكري، وقدمت 11 مليار دولار هذا العام للحكومة المصرية بقيادة السيسي.. عودة المؤسسة العسكرية للحكم في مصر، يعني عودة مصر إلى حضن النظام العربي العليل المريض الرافض للإصلاح والتغيير، والفاشل في بناء أمة قادرة على البناء والتطوير، أنظمة فشلت في بناء دول حضارية رغم العقود الطويلة من الحكم والاستقرار والسلام والأمن والأمان والطفرة المالية الهائلة.
الشعب المصري بعد اعلان حكم البراءة للرئيس مبارك وأعوانه نزل إلى الشارع وردد شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» لأول مرة منذ وصول العسكر للحكم، ما يعني بداية مرحلة جديدة للثورة التي لم تمت، ومحاولة بعض الشخصيات السياسية والثورية للعودة للساحة من جديد للاستفادة من الغضب الشعبي، وهذه فرصة لجماعة الإخوان أو غيرهم المناوئين للعسكر للخروج من العزلة وإبراز قوتهم.
وهكذا يتبين أن براءة مبارك فتحت على سلطة السيسي أبوابا هي في غنى عنها من التأزيم والتوتر في بلاد تفتقد الاستقرار الحقيقي لغاية الان، في ظل وجود جماعات إرهابية تعبث بالأمن وتهدد الوطن. وحتما خروج مبارك كبطل وقائد نظيف ونزيه وشريف من خلال وسائل الإعلام الرسمية وإعلام بعض الدول العربية التي دعمت مبارك ربما يمثل خطرا على مستقبل السيسي ومصر والمصريين.
مصر ليست بحاجة إلى مثل هذه الصدمة في ظل هذه الظروف الراهنة، والأيام القادمة ستكشف لنا المزيد حول أبعاد براءة مبارك وآثارها على مستقبل مصر وحجم الخسائر الفادحة، ودور أعداء ثورة الشعب المصري، ودور البترودولار؛ على مصر المحروسة.

٭ كاتب سعودي

علي آل غراش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Alaa:

    لآ تستهينوا بشعبنا.. هو يصبر وصبور ولكنه ينتففض وحتما سيحدث تغيير .. الثورة كانت شعبية دون رأس.. ولذلك سوف تقوم قيامة أعتي حاكم يفكر في تزييف إرادة هذا الشعب المكلوم.وهو حتمآ سيثور علي أي ظاالم حتي يحقق أهدافه.

إشترك في قائمتنا البريدية