لقاء المأزومين في نيوم السعودية الأسباب والأهداف

علي آل غراش
حجم الخط
0

شهدت المنطقة العربية حدثا كبيرا له أبعاد إستراتيجية في لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيلين بالإضافة إلى وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو على الأراضي السعودية في مدينة نيوم السعودية في 22 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. والمثير أن كل واحد منهم يعيش في محيط من الأزمات والمشاكل والقلق من المستقبل.

اللقاء تم نشر تفاصيله مباشرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية، باسم مصدر مسؤول من الحكومة الإسرائيلية أي مكتب رئيس الوزراء نتنياهو، نوع الطائرة الخاصة ومالكها اودي انجل، ومطار وساعة المغادرة، ومسار الطائرة في الأجواء، وساعة الوصول إلى نيوم، ومكان اللقاء وساعة المغادرة من المدينة السعودية ثم الوصول الى المطار الإسرائيلي، الزيارة امتدت نحو 5 ساعات. الرياض التزمت الصمت في البداية وبعد انتشار الخبر غرد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود على تويتر نافيا الخبر ولكنه لم يقنع أحدا، في ظل التفاصيل الدقيقة التي نشرت عبر الإعلام الإسرائيلي.

الزيارة تم الإعداد لها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بالتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية السافاك والسلطات السعودية مكتب ولي العهد، رئيس الوزراء الإسرائيلي أخفى أمر اللقاء عن إدارته وبالخصوص وزير الدفاع والخارجية، والذي نسق اللقاء والتواصل مع وزير خارجية أمريكا ماك بومبيو هو رئيس الموساد يوسي كوهين، والأكثر إثارة ان مكتب نتنياهو هو الذي سرب خبر اللقاء بعد عودته مباشرة لتسجيل نقاط له على حساب آل سعود الذين كانوا يريدون أن يبقى اللقاء سريا كاللقاءات السابقة.

اللقاء بين مسؤولين من الرياض وتل أبيب ليس جديدا، وإنما الجديد أن يقع على الأراضي السعودية على أعلى مستوى بين البلدين، قبل استلام الرئيس الجديد جو بايدن مهامه الرئاسية في العشرين من كانون الأول/يناير 2021.

**

واجهة التطبيع والتغيير

موقع اللقاء والاجتماع بين بن سلمان ونتنياهو، لم يأتِ اعتباطًا بل له دلالة، فهذه المدينة الحديثة والمشاريع التي ستقام فيها هي من الأهم التي يفتخر بها بن سلمان والمسجلة باسمه وتأتي ضمن سياسة التغيير والانفتاح والحرية وإقامة مدينة عصرية كمدن أوروبا الحديثة، مدينة ذات قوانين تختلف عن بقية المدن السعودية. وتقع نيوم في شمال غرب المملكة على خليج العقبة، بالقرب من الأردن ومصر وفلسطين، بمحاذاة جزر صنافير وتيران التي تنازل عنها الرئيس المصري السيسي للسعودية مؤخرا، مدينة ستقام فيها مشاريع ضخمة سياحية واقتصادية وترفيهية ورقمية، والملفت ان أراضي هذه المنطقة كانت طوال التاريخ خاضعة لأبناء قبيلة الحويطات، وقبائل أخرى من أهل الشمال، وهي مناطق مهمشة من قبل دولة آل سعود، وتم طرد وتهجير سكانها بالقوة العسكرية لإقامة مشروع ولي العهد نيوم، وقد رفض عدد كبير من أفراد القبيلة الترحيل القسري، فتعرضوا للاعتقال التعسفي ومنهم نساء، بل وصل الأمر إلى القتل كما حدث مع عبدالرحيم الحويطي الذي قتل داخل منزله برصاص القوات الأمنية نتيجة رفضه أمر الإخلاء، وكان ذلك بمثابة رسالة لكل غير متعاون مع الأجهزة الأمنية بالرحيل من المنطقة فمصيره القتل، وما زالت الاعتقالات مستمرة في المنطقة لغاية اليوم. وبعد زيارة نتنياهو تعرض عدد من أبناء قبائلها للاعتقال بسبب رفضهم زيارة رئيس الاحتلال الإسرائيلي والتطبيع. وانتشرت على برامج التواصل هاشتاغات باسم “#الحويطات ضد الترحيل” و”#الحرية لمعتقلي الحويطات” و”#نتنياهو يدنس أرض الحرمين”. وطالب أهالي قبيلة الحويطات الأمم المتحدة التحقيق في محنتهم وترحيلهم قسرا من أراضيهم لإقامة مشروع نيوم.

 تقاطع مصالح بين السعودية وإسرائيل

العلاقة بين السعودية وإسرائيل شهدت تطورا كبيرا على جميع الأصعدة ومنها الأمنية وبالخصوص في عهد الملك سلمان وابنه ولي العهد إلى درجة الحديث عن التطبيع بشكل علني، ويأتي هذا التطور السريع في ظل وجود عامل مشترك بينهما وهو العداء لإيران وللحلف المدعوم من قبلها كالحركات الرافضة لوجود إسرائيل. والتعاون بين الرياض وتل أبيب كان يحصل تحت الطاولة عبر التعاون والتنسيق رغم عدم إشهاره لغاية اليوم. الرياض ليست لديها مشكلة في التطبيع بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي الذي يغتصب ويحتل الأراضي العربية، فالسعودية أول من طرحت فكرة السلام مع الكيان الصهيوني المغتصب للأراضي الفلسطينية خلال المؤتمرات والقمم العربية، وهي رائدة التطبيع والمشجعة للدول الخليجية مثل الإمارات والبحرين إذا لا يمكنها أن تطبع بدون ضوء أخضر من الرياض.

رسالة الأمير إلى الإدارة الأمريكية الجديدة

من أهداف هذا الاجتماع إيصال رسالة إلى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن للاعتراف بوجود تحالف إستراتيجي سعودي إسرائيلي، من أهم أهدافه العداء لإيران، وهذا التحالف يرفض أي تفاهم جديد مع طهران لا يصب في مصلحته، وان على الإدارة الأمريكية مساندة ودعم هذا التحالف كدولة صديقة وحليفة. وكما هو معروف فإن كافة الرؤساء الأمريكيين يسعون لخدمة تل أبيب وجعلها القوة الأكبر في المنطقة.

لماذا استعجل بن سلمان بعقد هذا اللقاء في هذا الوقت الضائع في الأيام الأخيرة من أيام ترامب؟

بن سلمان قلق جدا من بايدن، وهو يريد دعم ومساندة من إسرائيل ومن آلياتها المؤثرة داخل دوائر صناعة القرار في أمريكا، والاستفادة من دعم أغلبية مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون ليكون صمام أمان ودفاع عن الرياض حتى اعتلاء عرش الحكم كملك بشكل هادئ.

الأمير محمد بن سلمان ليست لديه مشكلة في التطبيع، فهو في الحقيقة مطبع ينفذ أكثر مما هو مطلوب، وقدم الكثير من الخدمات المجانية وبدون مقابل لإسرائيل بتشجيع أبو ظبي والمنامة للتطبيع وكذلك السودان، فقد دفعت الرياض 335 مليون دولار عن السودان قيمة التعويضات المفروضة من قبل أمريكا من أجل تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب. وفتح الأجواء السعودية أمام رحلات الطيران التجاري من وإلى إسرائيل، واستغلال مكانة السعودية الدينية والمادية والإعلامية للترويج لمشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي والترويج للتطبيع باسم الدين، وظهور الأمير بندر بن سلطان على وسائل الإعلام السعودية الرسمية للترويج للتطبيع مع الكيان الذي يغتصب أرض فلسطين وتحميل الفلسطينيين المسؤولية عن ضياع فلسطين، واللقاء الأخير في نيوم رسالة من بن سلمان لإسرائيل وأمريكا بأنه مستعد لتقديم المزيد من التنازلات وكل ما يمكن للمشروع الإسرائيلي والأمريكي، إذا وصل إلى عرش الحكم.

المثير في اللقاء أن كل من بن سلمان ونتنياهو بومبيو يجمعهم الشعور بالهزيمة بسبب خسارة ترامب والقلق من سياسة إدارة جو بايدن.

فالأمير محمد بن سلمان، يعيش أزمة وعزلة دولية بسبب مسؤوليته المباشرة عن الملفات السوداء؛ منها السجل السيء لحقوق الإنسان في المملكة باعتقال الآلاف بسبب التعبير عن الرأي والعمل الحقوقي، ومنهم نساء لهن حضور ونشاط في مجال المطالبة بالحقوق كالناشطة لجين الهذلول ونسيمة السادة وسمر بدوي وغيرهن، وتعرض المعتقلات للتعذيب والتحرش، وتحول قضيتهن إلى قضية دولية، وقد طالبت العديد من الجمعيات والهيئات الحقوقية الدولية والأهلية وكذلك بعض الحكومات في العالم بالإفراج عنهن.

ملف قضية اغتيال الإعلامي جمال خاشقجي على أيدي الاستخبارات السعودية وبإشراف من مكتب ولي العهد بطريقة بشعة تقطيع وإخفاء الجثة لغاية اليوم وهي القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام دولية، وتم تحميل المسؤولية لولي العهد السعودي.

ملف شن الحرب على اليمن منذ أكثر من أربع سنوات والتسبب بسقوط ملايين الضحايا وتدمير البلاد ووقوع أعظم مجاعة في العالم بسبب الحرب والحصار الذي تفرضه الرياض ضد الشعب اليميني.

كما ان الأمير لديه قلق وخوف من القوة الإيرانية المتصاعدة، ويتعامل مع طهران بعداوة شخصية، وفتح جبهة عداء له مع تركيا المنافسة له في قيادة العالم السني، وتحول العداء إلى شخصي بعد اغتيال جمال خاشقجي على أراضيها وتحميل الحكومة التركية بن سلمان المسؤولية ومطالبتها بمحاكمة دولية للمتهمين ومنهم محمد بن سلمان، أي عداء مع أقوى الدول الإقليمية في المنطقة.

ساهم الأمير بن سلمان في أزمة حصار قطر لاخضاعها وتغيير الحاكم، حيث ان السعودية هي الدولة الوحيدة المجاورة لقطر، أزمة سببت شرخا كبيرا ومشاكل بين أهالي دول الخليج الذين هو بمثابة شعب واحد، وشككت في أصل بقاء مجلس التعاون الخليجي.

الأمير الشاب ورغم انه يحتل منصب ولي العهد ويمسك بكل مفاصل البلد، وقيامه باعتقال عدد من الأمراء باسم الفساد، وإضعاف كل الأمراء المنافسين وتجريدهم من أي مناصب أو قوة، إلا انه يشعر بالخوف من المنافسين له في العائلة ومن تفاقم حالة الغضب وسط العائلة التي تهابه.

وهو يشعر بالقلق والخوف من عدم تمكنه من الجلوس على عرش الحكم، ومن قيام إدارة بايدن بدعم أحد المنافسين له في العائلة ذات العدد الكبير. وهو بذلك بحاجة للدعم من إسرائيل التي تملك القدرة على التأثير داخل المؤسسات الأمريكية، في مواجهة الأعداء في الداخل والخارج.

نتنياهو المأزوم

يعاني رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو من أزمات، فهو ملاحق بقضايا عديدة باتهامات تتعلق بالفساد، وهناك موجة غضب عارمة من الشعب الإسرائيلي ضد حكومته وفشله في إدارة أزمة جائحة كورونا، وهو بحاجة لتسجيل أي انجاز باسمه الشخصي وليس للحكومة، لتعزيز حظوظه للفوز بالانتخابات المقبلة وتشكيل حكومة قوية يسيطر حزبه عليها بدون منافسة للمعارضة.

بومبيو والبحث عن انجاز

بومبيو يلعب في الوقت الضائع لتسجيل إنجازات تسجل باسمه لتحقيق طموحاته للدخول في الانتخابات الأمريكية المقبلة، فهو بحاجة للدعم من اللوبي الإسرائيلي داخل أمريكا، ولفوز الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس المقبلة.

من المستفيد؟

كالعادة إسرائيل هي المستفيدة من اللقاء ومن التطبيع حيث حصلت على كل ما تريد وما كانت تحلم به وبالمجان، أي بدون أن تطلق رصاصة أو تدفع دولارا واحدا، حتى قيمة الرحلات المكوكية مدفوعة الثمن على حساب الدول الخليجية، كما ان التطبيع جلب المليارات من الدولارات لخزينة تل أبيب والحصول على دعم لإقامة مشاريع بالمليارات من جيب دول الخليج، وبيع دول الخليج الأجهزة الأمنية والتجسس وغيرها، وفتح البلدان الخليجية أمام الإسرائيليين والبضائع الإسرائيلية، وبناء تحالف عسكري لمواجهة إيران، عبر فتح هذه البلدان أمام الاستخبارات والقوات العسكرية الإسرائيلية التي ستكون على الحدود الإيرانية. حتما ما يحدث يدعم الاقتصاد الإسرائيلي ومكانتها العسكرية لتصبح قوة مسيطرة على المنطقة، في ظل الضعف والانهزام والانبطاح الرسمي العربي، وأكبر الخاسرين هم العرب والقضية الفلسطينية، التي وصل الأمر إلى محاولة قتلها في وجدان الأمة بأيدي الأنظمة العربية!

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية