وطن على ورق

حجم الخط
0

سألتك مرة وأنا متشبثة أمام شاشة التلفزيون، أرى وطنا برائحة دخان ودماء… كيف يكون لنا وطن يُغتال في المخيلة؟ كيف تكون لنا هوية على ورق نكتبها بمداد قلم، وهناك من يكتبون أوطانهم بشرايين ودم؟
أجبتني يومها وأنت تقف على ناصية قلم، وكأن الصرير الذي يجر قدماه على الورق ليس قلماً يكتب، وإنما كان حرفا يحفر ما أرد قوله على ذاكرة وطن قبل أن يصل ذاكرتي…. قلت حينها الأوطان مرة تحملنا ومرة نحملها.. الأوطان لا تقبل بمهر قليل..
قلت: متعجبة وأنا أنظر إليك من خلف زجاج الورق
كيف؟
أجبتني إما أن يكون مهرها دمك، أو استقيل من هويتها وهويتك وأمزق كل شعار غير مغروس في لحمك، وتربتك..
هل تعلم أن تلك الكلمات التي أجبتني بها الآن تتردد كأجراس الكنائس في ذاكرتي.. والمهر المدفوع ينضح في وجه الطفولة وسقوف المنازل وعلى ملامح الأحلام.. وإن كل الشعارات التي صمت بها الآذان خفت صوتها وابتل حبرها.. أتعلم إننا الآن نعيش على صفيح وطن ساخن نحاول أن نمسك به لا بأقلامنا كما كنا نفعل ونحن نتبادل رسائلنا وأبجديتنا التي تهطل بغزارة قلم.. الآن نمسك به ببحيرة دم واكتضاظ مقابر.. سنعود يوماً إلى تلك المواعيد الوهمية على مقاهي الورق نزرع مشاتل.. حرفاً على ضوء الشمس.. سنعود إلى طرقاتنا وشرفاتنا ومواقدنا ونحن نطعم النيران مآسينا واصفرار أوراقنا..

كاتبة من سلطنة عُمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية