هل يُسقط صوت «طفلة الخبيزة» حكومة «بيبي»… ومَن ينقذ نساء غزة من الاغتصاب؟

وجوه الناس في غزة، أصواتهم، حكاياتهم، أوجاعهم، موتهم اليومي، جوعهم وتشردهم وأكفانهم كلها حاضرة أمامنا.. ترافقنا على مدار الساعة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول ونحن في عجز معيب.. نقف أمام آلامهم ودمائهم وصور أشلائهم المنتشرة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات الكبيرة والصغيرة والمواقع الإخبارية، والوهن يأكلنا.. لا شيء نقدر عليه سوى الانخراط في المظاهرات ومقاطعة المنتوجات الداعمة للمُحتل المجرم القاتل وتوثيق أفعاله في مقالاتنا.. فيما العدو الإسرائيلي مستمر ومنهمك في تطوير مهاراته في قتل الأبرياء والرضع… لقد مرت أشهر بساعاتها وأيامها وأسابيعها، والجيش «الأكثر أخلاقية في العالم» لم يشبع من سفك الدماء والقتل والتعذيب؟!
بتنا نخاف من مواجهة الأسابيع، التي نكتب فيها لما تحمله من ألم ترتبك الكلمات لشدة ثقله وجبروته ووحشيته.
من أين نبدأ؟ وما هو الوجه العالق في ضمائرنا لهذا الأسبوع، وما هو الصوت الذي يقتحم وجداننا ويعذبنا نحن الضعفاء أمام موت إخواننا وأخواتنا وأبنائنا في غزة؟

صوت من تحت الأنقاض

إنه صوت عميق لامرأة عالقة مع ابنها تحت ركام المنزل.. تتصل بزوجها كل دقيقة أو دقيقتين وهي تتوسل إليه أن ينتشلهما قبل أن يلفظا أنفاسهما الأخيرة.. يحاول الزوج رفع الحجارة بمفرده، رغم الصواريخ المتطايرة من حوله وتعثر وصول الإسعاف وانعدام المعدات اللازمة لإنقاذهما.. يحاول بمفرده، وهو يعلم بأنها مهمة مستحيلة.. ينهار باكياً أمام كثرة الحجارة وأمام ضعفه.. وأمام اتصالات زوجته المتكررة وهو يطمئنها كاذباً بأنه على وشك أن يصل إليهما ويخرجهما إلى الحياة.. ولكن بعد ساعات يصمت الهاتف.. يحاول الرجل الاتصال بزوجته فلا ترد عليه.. يناديها بكل ما أوتي من قوة ولا أحد يجيب.. يعم الصمت والفراغ والموت.. لقد ماتت الزوجة ومات الابن وما زال الزوج يرفع الحجارة بيديه المرتعشتين والمشققتين والمصبوغتين بالدماء.. وما زال ينادي زوجته وابنه ولا أحد يجيب.
يقول الزوج، علاء عساف، بحرقة: بعد ما دفنا الشهداء ما لقينا الجثث..
وهو لا يعني بذلك أفراد أسرته فقط، بل جثث الأقارب والجيران التي تمكنوا بصعوبة من انتشالهم ودفنها.. لقد قام جيش الاحتلال بجرفهم كلهم.. وأخذ من الجثث «القطع» التي أعجبته.. نعم القطع.. فالجيش الأكثر أخلاقية في العالم متخصص أيضاً بسرقة الجثث واستخدام الأعضاء البشرية والمتاجرة بها. والتعامل معها وكأنها قطع سيارات!
أما بالنسبة للزوج المنكوب، فهو لم يتمكن حتى الساعة من إخراج جثتي زوجته وابنه من تحت الأنقاض.

صوت «طفلة الخبيزة»

«يما اشتقت لك لو أنت عندي، كنت عملت لك اللي بدك ياه.. لو أنتِ عندي كنت خدمتك وكل إشي بدك ياه.. كان ما سبتك لحالك.. آخ يمّا توجعت كتير أنا بحياتي.. قلبي صار يوجعني بدونك».
هل هناك قصيدة ألم أعمق من تلك الكلمات البسيطة التي رددتها الطفلة لينا علاء عساف؟ تلك الكلمات حامل، رغم عمرها الصغير بسنوات حافلة بالألم والنزوح والدمار والموت.. طفلة شاخت كثيراً قبل أن تَكبُرَ… تشعر بأنها عجوز بعمر الاحتلال الطويل، بعمر جرائمه الممتدة لأكثر من 75 سنة.
إنه صوت لينا، طفلة صغيرة كبيرة، في العاشرة من عمرها.. تهتم بمن تبقى من أسرتها بعد رحيل أمها وشقيقها و35 شخصاً من عائلتها.. دُفِن معظمهم في مقبرة جماعية خلال استهداف الاحتلال لمخيم جباليا في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.. تمشي وكأنها على وشك أن تهوي لشدة ضعفها.. لقد هجرت التعابير وجهها بفعل الوجع والفراق والصدمات.. وهي اليوم تمضي، ولأول مرة، شهر رمضان من دون والدتها وشقيقها.. تحاول تلك الصغيرة أن تستجمع من ضعفها قوة لتطبخ لأسرتها الجائعة الوجبة اليتيمة نفسها.. إنها «الخبيزة « ولا شيء يتوفر سواها بعد أن جوّع المحتل أهالي غزة.. تطبخها من داخل بقايا بيت أحد الجيران في منطقتهم التي استفحل الجيش الإسرائيلي المجرم بتدميرها:
تعال يا مهند استوت الطبخة.
هكذا يأكلان وهما يتذكران مع كل لقمة مغمسة بالدموع وجه أمهما الغائبة وصوتها وحنانها.

صوت نساء مُغتصبات

لم يكتف الجيش الأكثر أخلاقية في العالم بالتجويع وقتل الشباب والمسنين والأطفال والرضع وسرقة ألعابهم وثيابهم ونبش قبورهم وسرقة أشلائهم وتقديم الجثث وجبات لكلابهم، بل أيضاً كان اغتصاب النساء وتعذيبهن وإهانتهن من هوايات جنوده المفضلة التي مارسوها بحرية مطلقة، فيما العالم يحتج مطالباً بوقف إطلاق النار.. وهم ما زالوا يمارسون هواياتهم الوحشية الدنيئة على الرغم من إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً يطالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار.. قرار تأخر طويلاً جدا، وجاء بعد نحو ستة أشهر من بداية الحرب على غزة. ولكنه كالحبر على الورق.. لم تكترث له إسرائيل ولن يتحقق إلا بمعجزة سقوط حكومة بيبي المجرم.
تقول إحدى النساء في شهادة عن الفظائع التي يرتكبها جيش الاحتلال في مستشفى الشفاء ومحيطه: «سمعنا أصوات النساء وهن يصرخن ويطلبن النجدة، فيما العدو يهرش أجسادهن ولم نتمكن من الوصول إليهن لأن الجنود كانوا يطلقون النار علينا في كل محاولة لإنقاذهن.. إن كل المشاهد التي تصل إليكم عبر وسائل الإعلام لا تعكس كم الإجرام والتعذيب والبشاعة التي يمارسها العدو في حق سكان القطاع!

*كاتبة لبنانيّة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية