هل ينهي التعديل الحكومي مشكلة الرؤوس الثلاثة؟

تسربت في الآونة الأخيرة لوائح عديدة لما يسمى بالتعديل الحكومي المرتقب، وهي ظاهرة جديرة بالمتابعة من ثلاثة جوانب، أولها، دواعي التسريبات في هذا التوقيت والرسالة السياسية.. والثاني، دلالة الأسماء التي يتم وضعها في هذه اللوائح.. والثالث، جدية هذه التسريبات، وما إذا كانت في الجوهر تعكس واقع قرب الإعلان عن هذا التعديل.
في البدء، ينبغي أن نسجل أن مجلة «جون أفريك» سبق أن كشفت قبل ستة أشهر عن قرب إجراء تعديل حكومي، وتحدثت عن رحيل وشيك لقيادات في حزب «البام» من هذه الحكومة، لكن شيئا من ذلك لم يقع على الأقل إلى اليوم، بل عين لوزير العدل في اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، مع أن حكاية التعديل الحكومي، كما كشفت عنه المجلة الفرنسية، كانت تدور حول إخراج عبد اللطيف وهبي أو حزبه من الحكومة.
الواقع، أن كل هذه المؤشرات، لا تعني بالضرورة أن المجلة الفرنسية قدمت معطيات خاطئة، فوجود مبرر للتعديل، لا يعني ضرورة حصوله، دون توفير شروطه، أو على الأقل تجنب بعض تداعياته، فإخراج عبد اللطيف وهبي من الحكومة، بصفته أمينا عاما للحزب، يعني قرارا بإخراج «البام» من الحكومة، ودخول حزب آخر بديل، وفي هذه الحالة، فإن رئيس الحكومة سيكون أمام تعديل هيكلي وسياسي لحكومته، ربما يمس بجزء من التوازنات الموجودة، إذ يصعب أن يتم إلحاق حزب من مكونات ما يعرف بالكتلة، فيجد رئيس الحكومة نفسه أمام حليفين تقليديين فرقتهما السياسة، لكن لا تزال تجمعهما نوستالجيا الماضي.

الواضح أن بعض التسريبات أخرجت أسماء، وأدخلت أخرى، حتى يتم إعطاء الانطباع بوجود حالة عدم رضا من فوق، على تدبير قطاعات كان يرجى أن يقدم الوزراء فيها الكثير

لنتفق ابتداء، حتى دون وجود معطيات عن الجهات المسربة، أن فعل التسريب في هذا الموضوع هو شيء ملازم للعملية السياسية في المغرب، وهو جزء من بالون الاختبار، الذي يتم إطلاقه في كل مكان ومن كل الزوايا، لاستمزاج الرأي وقياس الأثر، وليس من المستبعد أن يكون عملية موجهة. عمليا، يصعب أن نقرأ كثافة هذه التسريبات من غير وجود ظرف سياسي يبرر قرب الإعلان عن تعديل حكومي، فالحكومة تعيش حالة من التيه السياسي، وتعيش على إيقاع انقسام كبير بين مكونات التحالف الحكومي، وربما بعثت إشارة إلى من يهمهم الأمر، بأن استمرار الوضع على ما هو عليه صار من باب المستحيل، كما أن الوتيرة التي تشتغل بها الحكومة، لم تعد تستجيب للتحديات الكبيرة، خاصة ما يتعلق بتعاظم الاحتقان الاجتماعي، وضعف أحزاب الحكومة في تملك رؤية شمولية لحوار اجتماعي، يستجيب لتطلعات القطاعات المختلفة، دون أن يبعثر التوازنات المالية للدولة. من جهة تعدد الأسماء الواردة في هذه اللوائح المسربة، فثمة أعراف جار بها العمل، أو على الأقل يتم تداولها بكثافة داخل أوساط السياسيين، أنه عند كل تعديل حكومي، تتكثف عملية «إحراق» عدد من الأسماء، عبر تسريبها ضمن لوائح التعديلات الحكومية، لكن، في الجوهر، ليس المهم الأسماء الجديدة التي يتم ذكرها في هذه اللوائح، بل الأهم الأسماء التي يتم استبقاؤها، والأسماء التي تحذف إشعارا بقرب رحيلها. الثابت في اللوائح المسربة، أن المستهدف الأول من التعديل، هو حزب «البام»، وبشكل خاص، أمينه العام عبد اللطيف وهبي، وفي بعض اللوائح، يتم تغييب اسم الأمين العام لحزب الاستقلال، وبعض الأسماء التي تحملت مهمات استراتيجية. الرسالة المشتركة التي تُقرأ من هذه التسريبات، لا تمس ضرورة بحزب «البام»، ولا بأي مكون حزبي ضمن مكونات التحالف الحكومي، بل تمس الأمناء العامين للحزبين، الحليفين لحزب الأحرار، وفي هذه الحالة فإن القراءة السياسية، تؤشر إلى رغبة رئيس الحكومة، في حكومة برأس واحد، بما يمكن من تضييق مجال الانقسام بإخراجه من الجسم الحكومي، وإبقائه فقط ضمن مربع اجتماع رؤساء التحالف الحكومي.
من زاوية الكفاءة والنجاعة، فالواضح أن بعض التسريبات أخرجت أسماء، وأدخلت أخرى، حتى يتم إعطاء الانطباع بوجود حالة عدم رضا من فوق، على تدبير قطاعات كان يرجى أن يقدم الوزراء فيها الكثير، ويمكن قراءة الأسماء الجديدة أيضا من هذه الزاوية. ضمن هذا الإطار يمكن أن يكون متفهما إخراج أسماء من قبيل وزير التعليم العالي، وتحويل وزير التربية الوطنية لقطاع آخر، وتقليص حقائب وزير الفلاحة الحالي، بسبب عدم الإقناع وضعف المردودية، وإنهاء مهمة أسماء أخرى، لم تقدم أي شيء. الظرفية السياسية وشروط الفعل الحكومي، والتحديات التي تفجرت في الشهور الأخيرة، تبعث على الاعتقاد بأن تعديلا حكوميا، توفرت شروطه، وأصبح قضية وقت ليس إلا، لكن، من المهم أن ندرك أن تصرف الدولة يجري وفق نسق مختلف، تتم فيه مراعاة مختلف السياقات، السياسية الداخلية، والإقليمية والدولية، فلكل تعديل رسالته، والمغرب لا يمكن أن يتحمل أن يبعث برسالة سلبية في ظرفية جد متقلبة، ولذلك، إن كان التعديل الحكومي خيارا مطروحا ومرجحا، فإنه لن يكون تعديلا هيكليا سياسيا، فالظرفية السياسية لا تتحمله، والرسائل التي يمكن أن يبعث بها قد تكون مضرة. فالأقرب إلى التصديق أن يبقى التحالف الحكومي محافظا على تركيبته، مع تغيير جزئي، يشمل الأسماء، بل قد يشمل بعض الأسماء الكبيرة.
الأنسب أن يكون توقيت التعديل الحكومي بعد مؤتمر «البام»، فخروج عبد اللطيف وهبي المرتقب من الأمانة العامة يسهل مرور التعديل الحكومي بسلاسة، بل قد يصير مبررا واقعيا وسياسيا له، وخروج الأمين العام لحزب الاستقلال من الحكومة، لا يمكن قياسه بخروج الأمين العام لحزب البام، فالوجود مثل الخروج بالنسبة لنزار بركة، لا يطرح مشكلا سياسيا كبيرا داخل حزب لا يعرف انعقاد هياكله التنفيذية لحوالي سنتين تقريبا. الضربات الثقيلة التي تلقاها حزب «البام» جراء ذكر أسماء كبيرة من أعضائه ومسؤوليه في ملفات تحقيق مخدرات دولية واختلاس أموال عامة وعبث بالمال العام، تدعم فكرة نهاية عبد اللطيف وهبي من على رأس حزب «البام»، وخروجه من الحكومة، فلا يمكن أن يتحمل المغرب، أن يكون وزير العدل أمينا عاما على حزب تورط بعض مسؤوليه وبشكل متواتر في جرائم دولية وجرائم مال عام. وفي المقابل، فإن رئيس الحكومة، سيكون الرابح الأكبر من تعديل حكومي ينهي ارتهان الحكومة لثلاثة رؤوس، بدلا عن رئاسته لها، وسينهي بشكل كامل حركة التمرد السري التي يقودها عبد اللطيف وهبي داخل الحكومة والإعلام، ويمكن أن يضمن إدخال أسماء جديدة لامتصاص الاحتقان الاجتماعي، الذي غذته بعض السياسات القطاعية المرتبكة، ويضيف أسماء أخرى تزيد من فاعلية ونجاعة العمل الحكومي في بعض القطاعات الحيوية..

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية