“نقطة غليان”.. لماذا تحذر قطر من انسحابها من دور الوسيط ومَن المستفيد؟

حجم الخط
0

 تسفي برئيل

 الحوار العلني الذي تجريه قطر مع الكونغرس الأمريكي والحكومة الإسرائيلية، وصل الأسبوع الماضي إلى نقطة غليان. رئيس الحكومة القطري ووزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أعلن بأن “قطر تفحص استمرار دورها في الوساطة حول صفقة المخطوفين” إزاء الانتقادات الموجهة ضدها، وبعد “أن شاهدنا للأسف، بأن هناك أشخاصاً يستخدمون جهود الوساطة لمصالح سياسية ضيقة”.

 إذا طبقت قطر هذا التحذير فسيشكل ضربة شديدة لجهود الوساطة واحتمالات عقد صفقة للمخطوفين. ليس لأن لدى قطر أداة ضغط مهمة على حماس، بل لأنها نجحت في خلق ديناميكية خاصة في المفاوضات التي فيها لممثلي إسرائيل (وإن كان ليس لحكومة إسرائيل) مكانة الشركاء. وحسب مصدر إسرائيلي مقرب من المفاوضات، “تولد لدى قطر معرفة شخصية بين الطرفين، طورت شعوراً بالتقدير المتبادل، الذي هو حيوي جداً لنجاح المفاوضات”.

  من السابق لأوانه الإعلان عن انتهاء دور قطر في الوساطة. ولكن لا يجب تجاهل التخوف من أن هذه الجهود، ما لم تثمر أي نتائج، فإنها تعرض مكانتها وعلاقتها مع الولايات المتحدة. هذا تخوف وجد رداً قطرياً على دعوة عضو الكونغرس الأمريكي ستني هوير، الذي طلب استخدام الضغط على قطر كي تزيد ضغطها على حماس، سواء من خلال تقليص تمويلها لحماس أو وقف إعطاء ملجأ لقيادتها في أراضيها.

 “إذا لم تستخدم قطر هذا الضغط فعلى الولايات المتحدة إعادة تقدير علاقتها معها”، كتب عضو الكونغرس الديمقراطي في بيان نشر الإثنين الماضي. ورداً على ذلك، نشرت السفارة القطرية في واشنطن بياناً مطولاً ومفصلاً جاء فيه: “قطر وسيطة فقط، وإسرائيل وحماس هما المسؤولتان عن التوصل إلى الاتفاق بينهما”. وبخصوص اقتراح هوير بشأن إبعاد قيادة حماس من قطر، قالت السفارة: “هذا في الحقيقة أمر يغري عمله كما يقترح، والتخلي عن الطرفين اللذين لا يتنازلان. في نهاية المطاف لا يقدم أي طرف منهما أي شيء لقطر. ولكن سيكون من المفيد التذكر بأننا ننشغل بهذا الأمر لأن الولايات المتحدة طلبت ذلك في العام 2012، ولأن إسرائيل وحماس ترفضان، للأسف الشديد، التحدث معاً”.

 قبل عشرة أيام من ذلك، طلب من السفارة القطرية الرد على اقتراح قانون قدمه السناتور تيد باد، الذي يطالب بإلغاء مكانة قطر كحليفة كبيرة ليست عضوة في الناتو. وقد حصلت قطر على هذه المكانة الخاصة من الرئيس بايدن في 2022 بعد وساطتها بنجاح بين الإدارة الأمريكية وطالبان بصورة أثمرت الاتفاق الذي مكن من الانسحاب الهادئ نسبياً للقوات الأمريكية من أفغانستان. واستوعبت قطر أيضاً آلاف الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية وبذلك أنقذت حياة الكثيرين. وأوضحت قطر للولايات المتحدة بأنها على استعداد لإعادة النظر في علاقتها مع حماس بعد استكمال صفقة المخطوفين. هذه الأقوال نشرت في “واشنطن بوست”، لكن لم يشر لما إذا كانت “إعادة النظر” هذه ستشمل إبعاد قيادة حماس من قطر.

 ليس بالصدفة أن أعلن آل ثاني عن نية قطر في مؤتمر صحافي عقده هو ونظيره التركي هاكان فيدان، الذي زار الدوحة الأربعاء، والتقى إسماعيل هنية. لقد كان لفيدان “بشرى” خاصة به، وهي أن حماس ستكون على استعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 (أي الاعتراف بدولة إسرائيل)، وأنه بعد إقامة هذه الدولة الفلسطينية، ستكون حماس على استعداد للتنازل عن الذراع العسكرية وتصبح حزباً سياسياً.

 أمس، هبط هنية في إسطنبول للمرة الأولى منذ تموز 2023، والتقى مع الرئيس التركي اردوغان. جرت هذه الزيارة في ظل تقرير “وول ستريت جورنال” الذي بحسبه، تفحص حماس احتمالية مغادرة قطر وإيجاد دولة لجوء جديدة لنفسها، والاحتمالية حسب التقرير هي سلطنة عمان أو دولة عربية أخرى لم يذكر اسمها.

 هل وجدت تركيا لنفسها هذا الملاذ للانضمام إلى نادي دول الوساطة، وهل بدأت قيادة حماس في حزم الحقائب؟ ستجد تركيا صعوبة في ملء مكان قطر والتحول إلى دولة لجوء، ليس فقط بسبب التداعيات التي قد تكون لمثل هذه الخطوة من قبل واشنطن. أمام تركيا، نجحت قطر في ترسيخ مكانتها كوسيطة ناجعة، في البداية النجاح مع مصر في التوصل إلى إطلاق سراح أربع نساء في يومين، ثم عند توقيع اتفاق التبادل الأول في تشرين الثاني. إضافة إلى ذلك، رغم أنه لا توجد لها أي علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإنها تجري مفاوضات مع مبعوثيها على أراضيها.

لقطر مكانة خاصة أيضاً في نظر حماس، حيث قيادة حماس الخارج نقلت مقرها إلى الدوحة في العام 2012 بعد أن قررت قطع علاقاتها مع سوريا، ونتيجة لذلك مع إيران، على خلفية المذبحة التي نفذها نظام الأسد ضد المدنيين السوريين. هذا الانتقال حدث بالاتفاق بين قطر والولايات المتحدة التي أرادت أن تقيم مع المنظمة قناة وساطة تخدمها وتخدم إسرائيل.

 عملياً، في 2006، بعد أن فازت حماس في انتخابات السلطة الفلسطينية، توجهت الولايات المتحدة إلى قطر وطلبت منها العمل كحلقة وصل غير رسمية مع حماس. في تشرين الأول 2012 زار غزة حاكم قطر حمد بن خليفة آل ثاني، والد حاكم قطر الحالي الشيخ تميم، وتعهد باعطاء حماس 400 مليون دولار لبناء وحدات سكنية وتعبيد شوارع وإقامة مركز تأهيل طبي. كان حمد آل ثاني الزعيم العربي الأول الذي زار القطاع بعد سيطرة حماس في 2007. ومنذ ذلك الحين، منحت قطر حماس مساعدات بالمليارات، جزء منها بموافقة وتشجيع من إسرائيل.

لا تحوز تركيا سجلاً مثل هذا. المساعدات التي منحتها أنقرة لحماس بعيدة عن حجم المساعدات التي حصلت عليها حماس من قطر. إضافة إلى ذلك، تم “تشويهها” عندما طلبت من قيادة حماس مغادرة أراضيها عندما كانت المحادثات حول استئناف علاقاتها مع إسرائيل قريبة من الانتهاء، وهكذا أيضاً في بداية تشرين الأول بعد اندلاع الحرب. لكن تركيا دولة مستبعدة من الوساطة بالنسبة لإسرائيل.

 حسب موقف أردوغان الذي يطمح إلى الحصول على مكانة محترمة في كل أزمة تتطور في الشرق الأوسط، فإن شروط هذه البداية لا يجب أن تشكل عائقاً أمام جهوده لوضع نفسه كبديل لقطر إذا قررت الأخيرة الانسحاب من جهود الوساطة. هذه المكانة مهمة لأردوغان قبل اللقاء المتوقع مع الرئيس الأمريكي بايدن، في البيت الأبيض في 8 أيار القادم. بسبب ذلك، فحص وزير الخارجية التركي فيدان أمس في لقاء في أنقرة مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، إمكانية التعاون بين الدولتين، سواء في قضية الوساطة أمام حماس ووضع خطة للسيطرة المدنية في غزة بعد الحرب. الدولتان اللتان كانتا عدوتين قبل سنة تقريبا، أعلنتا عن استئناف العلاقات بينهما في شباط، وتتحدثان الآن عن حجم تجارة بينهما بمبلغ 15 مليار دولار، ستشمل شراء مسيرات تركية للجيش المصري. يبدو أن انتقاد رئيس حكومة قطر لمن يستغلون صفقة المخطوفين لتحقيق مكاسب سياسية، ينطبق أيضاً على صديقه وحليفه أردوغان.

 هآرتس 21/4/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية