إسرائيل ترش الماء البارد على ردّ حماس.. ونتنياهو يناور من جديد وغانتس ما زال صامتا

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

فور إعلان حركة حماس عن قبولها المقترح المصري- القطري لوقف إطلاق النار، سارعت إسرائيل لرشّ الماء البارد، مشككة بها، واتهمت حماس بالتضليل. لكن ذلك لم يحجب نوعا من الارتباك الذي اعترى موقف حكومة الاحتلال التي واصلت مهاجمة رفح والتقدّم نحو المعبر، وسط تصعيد عائلات المحتجزين لاحتجاجاتهم.

ومما أتاح لحماس التوافق مع الوسطاء، هو نص خلّاق يتيح للطرفين التعايش معه كل وفق احتياجاته وروايته، يتحّدث عن وقف الحرب بشكل غير مباشر: “العودة إلى الهدوء المستدام وبما يحقّق وقف إطلاق النار الدائم”.

وبعد ساعة من رد حماس، نشرت وسائل إعلام عبرية تعقيبا من جهة الاحتلال: “جاء من مكتب رئيس الحكومة أن مجلس الحرب قرّر بالإجماع أن إسرائيل تواصل العملية في رفح من أجل الضغط العسكري على حماس بهدف الدفع لتحرير المخطوفين”.

في المقابل، ورغم أن رد حماس بعيد عن المطالب الحيوية لإسرائيل، سترسل تل أبيب وفدا مهنيا للقاهرة من أجل استنفاد احتمال التوصل لاتفاق بشروط مقبولة لدولة الاحتلال.

وفي المرات السابقة، عمل نتنياهو بشكل منهجي على تخريب مداولات الصفقة بخلاف معظم أعضاء مجلس الحرب والمؤسسة الأمنية الراغبين بصفقة الآن، كما فعل يوم السبت الماضي ببلاغين اختبأ فيهما خلف “مصدر سياسي” وأكد في ذروة المداولات، أنه ذاهب لاجتياح رفح، وأنه لن يوقف الحرب. وفي اليوم التالي بادر للمصادقة على إغلاق مكاتب الجزيرة ليس انتقاما منها على فضحها جرائم الحرب في غزة، بل لمحاولة المساس مجددا بالمفاوضات عبر استفزاز قطر.

لكن هذه المرة، يبدو أن الدائرة تضيق على نتنياهو، وهامش مناورته ليس كما كان في اليوم الثالث عشر بعد المئتين للحرب على غزة، في ظل تصريحات وتسريبات أمريكية، لا مصرية وقطرية فحسب، تؤكد أن حماس فعلا سجلت ليونة، وقبلت بما كانت ترفضه في السابق، خاصة اشتراط موافقتها على صفقة بوقف فوري للحرب وانسحاب كامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة.

واشنطن تدرس رد حماس وشكوك بنوايا نتنياهو

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تحدث هاتفيا مع نتنياهو ليلة أمس، قبيل إعلان حماس موافقتها على مقترح الصفقة. وحسب بيان البيت الأبيض، فقد كرر الرئيس الأمريكي موقفه المتحفظ من اجتياح رفح، وأن صفقة تبادل هي أفضل طريق لاستعادة المحتجزين.

ولاحقا قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، إن واشنطن لم تر خطة إسرائيلية حقيقية واضحة تكفل عدم المساس بالمدنيين في رفح. وفي أعقاب إعلان حماس، قالت مصادر أمريكية لصحيفة نيويورك تايمز، إنها عاينت نص المقترح الذي وافقت عليه حماس، وإن الحديث يدور عن نص يشبه جدا النص الذي قدمته الولايات المتحدة وإسرائيل في الآونة الأخيرة عدا بعض التعديلات الطفيفة. وقالت هذه المصادر أيضا إن لديها انطباعا مفاده أن رد حماس يدلل على جديتها.

كذلك نقلت “رويترز” وكالة رويترز عن مصدر أمريكي آخر مطلع، انتقاده لإسرائيل. وقال إن نتنياهو وأعضاء مجلس الحرب لم يديروا بـ”نيّة طيبة” جولة المداولات الأخيرة.

وعلى خلفية رسالة مكتب نتنياهو أن مجلس الحرب قرّر بالإجماع مواصلة العملية العسكرية في رفح، والتشكيك بنوايا حماس، وإرسال بعثة أمنية للقاهرة اليوم، لابد من السؤال: ماذا مع غانتس وآيزنكوت اللذين شكّكا بنوايا نتنياهو حيال كل صفقة؟

ويبدو أن هناك توافقا إسرائيليا على ضرورة القيام بأي خطوة عسكرية ممكنة في رفح للقول للإسرائيليين وللعالم إننا قصفنا وسيطرنا على كل موقع داخل القطاع ومحاولة السيطرة على معبر رفح، ورفع علم إسرائيلي بدلا من الفلسطيني هناك، باعتباره شريان حياة بالنسبة لحماس.

ومن خلال صمتهما الحالي، رغم تحول دراماتيكي في موقف حماس، ربما يرغب غانتس وآيزنكوت بتأييد تحرك تكتيكي يهدف لتخفيف الضغوط الداخلية الرافضة لأي صفقة ولوقف الحرب، مثلما يهدفات لمنح إسرائيل صورة إيجابية “صورة انتصار” كما فعلت في حرب لبنان الثانية عام 2006، عندما أرسلت في اليوم الأخير من وقف النار عددا من الجنود لرفع رايات إسرائيلية على أسقف بعض بيوت بلدة بنت جبيل الحدودية طمعا بـ”صورة انتصار” ترمّم وعي الإسرائييليين بعد حرب فشلت فيها بكسر شوكة حزب الله، وتعرضت فيها جبهتهم الداخلية لخسائر بشرية ومادية غير مسبوقة.

وربما تريد إسرائيل مثل هذه الصورة من خلال “عملية محدودة ورمزية” قبل الذهاب لصفقة جديدة بعدما فقد نتنياهو القدرة على المناورة أكثر، وليس عملية واسعة تتدحرج نحو قلب رفح. ولكن من غير المستبعد أن يواصل نتنياهو التغرير بغانتس وآيزنكوت أيضا من خلال استفزاز حماس، ومحاولة تخريب الصفقة المطروحة الآن عبر احتلال معبر رفح.

رد حماس يفخّخ نتنياهو

وبقدر التشكيك أو محاولة فهم وهضم خطوة حماس ليلة أمس، فإن عددا كبيرا من المراقبين في إسرائيل يواصلون التشكيك بنتنياهو، ويذهب بعضهم لاتهامه بمواصلة محاولات تعطيل الصفقة لحساباته الخاصة.

ويوضح المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، أن رد حماس قوبل في إسرائيل بالمفاجأة على خلفية الأزمة في المداولات التي بدت قد انهارت. منوها أن المستوى السياسي يطلق مزاعم فارغة ضد بايدن حول إهماله لإسرائيل.

ويضيف: “فيما ترسل إسرائيل وفدا إلى القاهرة، يصعّد الجيش ضغطه العسكري، وينشط في شرق رفح ويطلب من السكان الإخلاء. عندئذ جاء رد حماس بأنها تقبل عرض مصر وقطر، فباغتت به إسرائيل، ونجحت في إنتاج شرخ بين تل أبيب وواشنطن”.

موافقة أم مناورة

 بدوره، يتساءل المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور: كيف ينبغي على إسرائيل الرد؟ وعن ذلك يجيب: “بالقول: نعم. في حال كانت مناورة من حماس، فيجب فضحها. وفي حال كانت موافقة، فيجب استغلالها لخدمة مصالح إسرائيل. نحن بحالة “مينوس استراتيجي” ولكن يمكن تغيير الوضع من خلال وقف النار في الشمال والجنوب”.

مناورة من الأفلام

يتفق معهما المعلق السياسي بن كاسبيت ضمن مقال في صحيفة “معاريف” يقول فيه إن يحيى السنوار انتظر حتى اللحظة الأخيرة من أجل “افتراس كل أوراق اللعب”، منبّها أن إسرائيل تدخل رفح بينما العالم كله مقتنع أنها تتجاهل موافقة حماس لعرض هي (إسرائيل) قدّمته.

ويضيف: “الأمريكيون غاضبون وكذلك المصريون والأوروبيون… فاذهب وفسّر لهم أننا أمام قتلة باردين وكاذبين. مناورة السنوار أدّت لبلبلة في الجيش، فالقوات تلّقت تعليمات بالتوقف في رفح، ثم تلقت أوامر باستمرار عملياتها، وأدت لصخب عالمي، والكل مقتنع أن هناك انقلابا في الدقيقة الأخيرة فيما لا أحد يعرف حقا ماذا يوجد هنا. المشكلة عدم وجود علاقة ثقة بين رئيس حكومة إسرائيل والرئيس الأمريكي. حاليا، قامت إسرائيل بما يبدو الأمر العقلاني الوحيد بمواصلة الضغط العسكري مع إرسال طاقم مفاوض”.

بيد أن بن كاسبيت يشكّك بقيمة اجتياح رفح بتساؤله وإجابته إنه “حتى لو قمنا باحتلالها وقتلنا 500 من المخربين، فهل حققنا النصر المطلق؟ طبعا لا. تدمير كل قوة حماس أمر يحتاج سنوات. رفح ليست مهمة عسكريا لنا. هدف الحرب الحالية هو خلق حالة يستطيع فيها الجيش دخول القطاع والخروج منه بحرية نسبيا وإنزال كل رأس إرهابي متى شئنا، وهذا هدف أكثر أو أقل قد حققناه. ما تبقى هو السيطرة على معبر رفح وهذا هو الأهم، لكن نتنياهو يحتاج لمناورة، يحتاج لرمز. رد حماس المتأخّر ينقل الضغط على إسرائيل، وهذا سيستمر لعدة أيام. هكذا تبدو الصورة حينما يكون صناع القرار في الجانبين غير راغبين بصفقة، ويبحثون عن كسب الوقت”.

عندما يقول السنوار نعم

أبرز المعلقين السياسيين في إسرائيل ناحوم بارنياع، يرجّح أن يحيى السنوار يغرّر بالإسرائيليين، وهو يعلم أن الحكومة الحالية عاجزة عن الموافقة على ردّه. وفي مقاله بصحيفة “يديعوت أحرونوت” يقول بارنياع إنه من أجل مسايرة واشنطن، قررت إسرائيل إرسال وفد إلى القاهرة، ويضيف مجددّا حملته: “هذا مهم لنتنياهو حتى في الجبهة الداخلية: في الحالة الناشئة لا يستطيع السماح لنفسه بالظهور كمن يخرّب اتفاقا ويهمل المحتجزين، مثلما لا يسمح لنفسه بالظهور بأنه مستعد لاتفاق ويخون شركاءه في اليمين”.

قبل الهاوية

وكرّس يتسحاق بريك، الجنرال في الاحتياط والمعروف بـ”نبي الغضب” الإسرائيلي، مقاله في “معاريف” اليوم لحملة شعواء على قائد جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، حيث قال: “لم يعد الجيش للحرب ولم يدرها بشكل سليم، وضرب الميثاق الأخلاقي الذي تربت عليه أجيال من العساكر. أمام إسرائيل طريق واحدة لوقف ذاتها قبل المنزلق الأملس إلى الهاوية: إنهاء الحرب، استعادة المخطوفين وترميم الجيش والاقتصاد والعلاقات الدولية والمجتمع، وإقالة كل الزمرة المسؤولة عن كارثة السابع من أكتوبر. هذه هي الطريق الوحيدة لإنقاذ إسرائيل من خراب ثالث للهيكل”.

ويتقاطع معه الجنرال في الاحتياط نوعم تيفون، الذي قال للإذاعة العبرية اليوم، إن جهد استعادة المحتجزين هو الأهم، فلم يعد لديهم وقت، ولدينا التزام حيالهم. حماس قبلت شيئا، والوسطاء معنيون، والفرصة مفتوحة لاستعادة المحتجزين. تبدو فرصة أخيرة”.

كما قال تيفون إنه ينبغي إرسال وفد إلى القاهرة لفهم التفاصيل، واعتبر مجددا أن عملية رفح “محدودة ومن الصعب تقييم نتائجها”، وتساءل مشككّا بها: “إذا كانت رفح مهمة من الناحية العسكرية، لماذا لم ندخلها من قبل؟”، وتابع مستغربا: “لا يوجد قدرة على المباغتة في رفح، والعدو يمكن أن يندس بين الناس ويعدّ لنا مفاجئات ميدانية. الأهم من رفح هو محور فيلادلفيا”.

ومن هنا، قال إن هناك شعورا يلازمه: “كلما نتقدم في مداولات الصفقة، فإن نتنياهو يحاول تخريبها”. ويمضي محذّرا: “علينا عدم كسر العلاقات مع مصر والأهم مع أمريكا. أخشى أن نرتكب حماقة: أن نسيء للعلاقات مع مصر دون استعادة المحتجزين. ودون دعم أمريكي ستكون حالتنا مختلفة هنا في الشرق الأوسط”.

وتعقيبا على مَن يحذّر من خطورة وقف الحرب، واعتبار ذلك انتصارا لحماس، قال تيفون: “في الشهور الثلاثة الأخيرة، الجيش لا يقاتل في غزة، ولذا الحديث عن أربع كتائب لحماس، وعن عدم وقف الحرب هو تغرير من نتنياهو، وحاليا يقتل ويصاب جنودنا. استعادة المحتجزين أحياء في لحظة الحقيقة هي الأهم، والباقي ثرثرة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية