موريتانيا ومالي: الأزمة الحدودية على حالها وتحذيرات من الانجرار لحرب بالوكالة والتركيز على الردع والتحالف مع الجزائر

عبد الله مولود
حجم الخط
0

نواكشوط -«القدس العربي»: تؤكد الأخبار الواردة من المنطقة الحدودية بين مالي وموريتانيا، استمرار الأزمة الحدودية التي سببها مقتل عدة موريتانيين قبل أسبوع على يد مجموعة فاغنر الروسية المؤجرة من طرف نظام باماكو لمهام دفاعية وأمنية في إطار شراكة أوسع بين موسكو وباماكو.
فرغم تبادل الوفود والرسائل بين الرئيسين الموريتاني والمالي، ورغم التصريحات الرسمية الحاثة على حسن الجوار، لم يعلن حتى الآن عن “آلية مشتركة بين مالي وموريتانيا تحفظ لموريتانيا أمن سكانها واستقرار حدودها”، طبقاً لما أشار له وزير الدفاع الموريتاني الجنرال حننه سيدي بعد خروجه، الجمعة، من مقابلة الرئيس العسكري الانتقالي عاصيمي أغويتا في باماكو.
وأمام هذا التأزم، انشغل ساسة موريتانيا ومدونوها بحالة التوتر على الحدود مع مالي بين من يدعو لتلقين النظام العسكري المالي درساً قاسياً ذوداً عن الحمى، مطالباً باستخدام ورقة ميناء نواكشوط الذي تعبر منه واردات مالي وصادراتها، وبين من يحذر ويدعو للتريث.
ومن أبرز من تناول هذا الموضوع بالتحليل المعمق، السياسي الموريتاني البارز الحسن آبه المقيم في بلجيكا، فقد حذر في مقال له من انجرار موريتانيا لحرب بالوكالة ضد مالي تحقيقاً لرغبات أمريكية ضد روسيا حليفة النظام المالي، العازف عن أي تعاون مع الدول الغربية.
وأكد المحلل السياسي “أن ما يجري في المنطقة من صراع دولي حولها، وصراع بيني داخلها، يتطلب من موريتانيا عقد شراكة وتحالف استراتيجي مع دولة الجزائر الشقيقة وتسريع وتيرة تحسين العلاقات معها؛ مضيفاً “أن هذا لا يجعل من المغرب أو السنغال عدواً، ولكن الجزائر -يقول الحسن آبه- أصدق في علاقاتها وأكثر التزاماً بها على المدى البعيد كما أثبت التاريخ ذلك، وكما أكدته أحداث سابقة كانت موريتانيا طرفاً فيها”.
وأضاف: حكام مالي الجدد قادوا “ثورة عصيان” ضد التبعية لفرنسا، أثمرت حتى الآن طرداً للقوات الفرنسية من مالي، وإحلال روسيا مكانها، وانقلابات في دول إفريقية أخرى تتبنى نفس الفكر مع “صحوة” للقومية الإفريقية عند شعوب دول المنطقة، وبخاصة لدى شعوب الدول التي فرضت الحصار على مالي والتي اعتبرت أن حكوماتها “خائنة وعميلة”.
وفي سياق تحذيرات وجهها في مقاله، أضاف الحسن آبه: “هناك دول تسعى جاهدة لإشعال حرب بالمنطقة أي حروب بالوكالة، ولم تقبل دول كالجزائر والسنغال الانجرار لها أو لعب دور فيها، وموريتانيا وحدها في المنطقة مرشحة لفعل ذلك”.
وقال: “يتمتع عاصيمي اغويتا بشعبية كبيرة لدى شعوب دول المنطقة التي ترى فيه توماس سان كارا جديداً، فهو شاب من مواليد 1983 (41 سنة)، وهو من جيل النخبة الإفريقية الصاعد، ووالده كان ضابطاً في الجيش المالي، وتلقى تكويناً عسكرياً بمالي ورواندا وأمريكا وفرنسا وألمانيا، وشارك في عدة مهام عسكرية خارج بلده قبل أن تسند إليه قيادة لواء النخبة العسكرية الذي قاد به حرباً ضد الحركات المسلحة، ثم قاد به انقلاباً عسكرياً؛ ويصفه المقربون منه بأنه يهتم كثيراً بتفاصيل الأمور قبل اتخاذ أي قرار”.
وزاد: “مالي تعيش حرباً داخلية متعددة الأطراف، وحتى إنها شهدت مذابح بشعة عدة مرات على أساس عرقي، فضلاً عن حرب وجود وتحرر من التبعية لفرنسا؛ كما أن روسيا على الخط وعلى الأرض، والأحداث تقول إنها لا تُسلِم من والاها ولا تتخلى عنه تحت أي ظرف؛ وقد زارها قبل أشهر وزير الدفاع وقائد الأركان الماليين، ولم تبخل على “حليفتها الجديدة” بأي دعم عسكري واقتصادي”.
وعن الحلول التي يجب أن تتبعها موريتانيا إزاء الأزمة، أكد المحلل السياسي أنها يجب أن تشمل، بين أمور أخرى، عدة جوانب بينها “ردع عسكري واقتصادي وتثبيت للثروة الحيوانية الموريتانية”.
وزاد: “بخصوص الردع العسكري، فأنا لا أعني توجيه ضربة عسكرية أو ما شابه، بل إعادة تموقع وانتشار للجيش الموريتاني وإظهار وجوده واستعداده للحرب، كما حصل إبان الأزمة مع السنغال؛ إلى جانب إعادة هيكلة الجيش الموريتاني فهيكلته الحالية وعتاده تجاوزهما الزمن ولم يعودا مناسبين لتحديات الحاضر”.
وعن الردع الاقتصادي الذي يقترحه، أكد الخبير الحسن آبه “أنه يتمثل في إرسال رسالة واضحة للسلطات المالية مفادها أنه من غير الوارد الإبقاء والمحافظة على قرار موريتانيا بعدم الانخراط في أي حصار على مالي ومواصلة تزويد مالي بكل حاجياتها عبر ميناء نواكشوط، مع تكرار قتل الجيش المالي لمواطنيها ونهب ممتلكاتهم؛ ففي بعض الأحيان، يضيف المحلل، تجد الدبلوماسية نفسها مجبرة على انتهاج أسلوب خشن من باب الردع”.
وتابع: “على الحكومة الموريتانية كذلك، وضع خطة لجعل الثروة الحيوانية للبلد ثابتة بدل متنقلة على المدى المتوسط وبالتدرج منعاً لاحتكاك المنمين بالجيش المالي، وفي انتظار تحقيق ذلك يجب التوصل لاتفاق جديد مع السلطات المالية يضمن سلامة المنمين الموريتانيين بأراضيها بتحديد مناطق رعوية لهم تتواجد فيها دوريات عسكرية مالية مكلفة بحمايتهم ولو تطلب الأمر تكفل الحكومة الموريتانية بتكاليف تلك الدوريات”.
وتحدث الحسن آبه عما سمّاه “دور المخابرات الغائب”، مؤكداً “أن وزير الدفاع حننه ولد سيدي واللواء حننا ولد هنون المدير العام السابق للأمن الخارجي والتوثيق) فشلا فشلاً ذريعاً في حماية المواطنين بالحدود المالية، وهما أعرف الناس بالمنطقة، وكان يفترض أن تكون للمخابرات عيون في كل شبر من المنطقة الشرقية خاصة داخل الأراضي المالية، ترصد وتبلغ وتوثق كل تحرك أو وجود مشبوه للجيش المالي أو فاغنر أو الجماعات المسلحة بالمنطقة”.
وتوصل المحلل في آخر مقاله لخلاصة مفادها “أن الحروب ليست أنسب حل للخلافات، وأن الحروب بالوكالة هي أخطر الحروب من حيث التداعيات والانعكاسات”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية