“موائد الأرحام” في الأردن.. عادة ترجعها الظروف المادية خطوة للوراء

حجم الخط
0

عمان- ليث الجنيدي: يُعد رمضان فرصة لتعزيز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، لاسيما عبر أنشطة موسمية تميز هذا الشهر المبارك، وكغيرهم في العالمين العربي والإسلامي، يحرص الأردنيون خلاله على الالتزام بعادات وتقاليد.

لكن الظروف الاقتصادية الصعبة هذا العام أدت إلى تراجع هذه العادات، مدفوعة بمشاعر الحزن والألم على وقع حرب دموية ومدمرة تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ومن أبرز هذه العادات “موائد الأرحام”، التي يقيمها أردنيون، خاصة في مناطق الأرياف والقرى، بهدف جمع أرحامهم على مائدة رمضانية، ابتغاءً للأجر والثواب وتعزيز الروابط الاجتماعية.

إلا أن الحالة الاقتصادية الصعبة في المملكة، ضمن أزمات عامة إقليمية ودولية، تسببت في تراجع ملحوظ لموائد الأرحام”، كما أثقلت أحداث غزة كثيرا على الأردنيين.

وثمة ترابط ديموغرافي بين الأردن وغزة، فالحزن والمصاب واحد، إذ تتفاوت نسبة الأردنيين من أصول فلسطينية في المملكة بين 40 و60 بالمئة من إجمالي نحو 11 مليون نسمة، وفق إحصاءات غير حكومية.

إطعام جياع غزة

أستاذ العقيدة الإسلامية في الجامعة الأردنية محمد الخطيب قال للأناضول إن “صلة الأرحام ليس لها وقت وزمان، ولكن الناس اعتادت في شهر رمضان أن يقيموا هذه الموائد للأرحام؛ زيادةً في الأجر”.

واستدرك: “لكن في وقتنا الحاضر، يبدو أن الناس ترى فيما يجري في غزة من جوع وقتل وتدمير، فرصةً لتوجيه نفقات هذه الموائد إلى الجياع من أهلنا في القطاع”.

وإلى جانب مجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، خلفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة عشرات آلاف الضحايا المدنيين، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا، حسب بيانات فلسطينية وأممية.

وأضاف الخطيب: “يجب على الإنسان أن يقتصد في نفقاته، ولكن ليس على حساب صلة الأرحام”.

وأوضح أنه “يجب أن لا نقطع عادةً طيبةً، وأن نجتهد في هذا الشهر لزيادة الأجر والثواب، وأن نقيم الموائد لأرحامنا، وهذا لا يعني أن تكون بإسراف”.

و”المقصد من إقامة تلك الموائد هو الجمع الجيد والطيب للأقارب والأرحام؛ ليستأنسوا ببعضهم، وليس المقصود الأرحام بقدر ما هو زيادة الألفة والمحبة”، وفق الخطيب.

ورأى أن ذلك “يعطي أجرين: الأول أننا لم نقطع أرحامنا، والثاني الاقتصاد وتوجيه الأموال إلى الجياع في غزة”.

ضرورة تعديل السلوك

“من حيث المبدأ، صلة الرحم هي فريضة مستدامة من منظور ديني”.. هكذا بدأ أستاذ علم الاجتماع بجامعة مؤتة (رسمية) حسين محادين حديثه للأناضول.

غير أنه استدرك: “لكن التعبير عن هذه الفريضة بالسنوات السابقة أخذ مظاهر استهلاكية مبالغ جدا فيها”.

وأضاف أن “الناس أصبحوا يربطون بين ضرورة تفعيل صلة الرحم والمبالغة في التعبير عنها، دون مراعاةٍ للظروف الاقتصادية الضاغطة على معظم شرائح مجتمعنا، والذين جلهم يحتاج إلى إعطاء هذه النفقات لأبنائهم وأسرهم”.

وأكد أنه “يمكن أن نحافظ على هذه القيمة النبيلة بشكل متوازن، بحيث أن الداعي لولائم رمضان يتصرف بمعقولية في تقديم ما يود تقديمه للمستضافين. وعلى الضيوف أن يدركوا إمكانات مضيفهم”.

محادين أردف: “علينا أن نعمل لتعديل كثير من سلوكياتنا المرتبطة بصلة الرحم، سواء في رمضان أو الأعياد، بأن نلجأ إلى رمزية التعبير عن فضائل هذه القيمة”.

وشدد على ضرورة أن “تتعاون كل الأطراف لإنضاج مثل هذا الموقف الحضاري، وسندنا في ذلك أن الإسراف مرفوض في قيمنا الإسلامية”.

ورأى أن “حرب غزة والمقاومة مثّلا أنموذجا مميزا عبر التاريخ بأن بإمكان الإنسان أن يتخلى جزئيا عن المظاهر والموجودات المادية لصالح قيم الإسلام العظيمة القائمة على القناعة وإيثار الآخرين على أنفسنا”.

وأضاف أن ذلك يتمثل في “ما نشاهده من حرب إبادة ضد أهلنا في غزة (نحو 2.3 مليون فلسطيني) تشمل الطعام وأسباب العيش الأساسية”.

صعوبات اقتصادية

المحلل الاقتصادي مازن مرجي قال للأناضول إن “الموضوع يتكرر في كل رمضان؛ لأن البعد الاقتصادي والكلف التي تفرض على المسلمين تأخذ بعد يتعلق بالواقع الاقتصادي”.

وتابع: “بالنسبة للأردن، فالمعاناة مستمرة من حيث الصعوبات الاقتصادية، الأجور لم ترتفع، والقوة الشرائية هبطت، ومستويات الأسعار مرتفعة، وكل ذلك له علاقة بظروف داخلية وخارجية، وهي اقتصادية بحتة إلى جانب ظروف سياسية”.

وزاد بأن “رمضان بالذات؛ ونتيجة للمتطلبات الاقتصادية الكبيرة، يتحول إلى عبء اقتصادي على الصائمين؛ بسبب مجموعة من العوامل الاجتماعية”.

مرجي أضاف أن “التجار تحاول استغلال الشهر، وهذا من أسوأ ما يُمارس في الأردن، فبدل التخفيف عن الناس، فإنهم يحاولون استغلال الظروف رغم تأكيد الحكومة على تشديد الرقابة، وفي الواقع ليس لإجراءاتها أي تأثير”.

ولكنه اعتبر أن “تراجع الحضور بالنسبة لموائد الأرحام الرمضانية ليس له علاقة بالوضع الاقتصادي؛ لأنه ليس للأردن بالقطاع (غزة) أي ارتباطات تجارية، والتأثر طال السياحة في المنطقة بشكل عام، ولكن تأثير ما يجري هناك اجتماعي على الأردنيين”.

وأكد على أن “المواطن الأردني مجبور على تلك الموائد تحت ضغوط العادات والتقاليد، مدفوعة بالبعد الديني الذي يؤكد على صلة الأرحام بالدرجة الأولى”.

وتأثرت العديد من القطاعات الاقتصادية الأردنية بالحرب على غزة، وخاصة السياحة، إذ تفيد البيانات إلى إلغاء نحو 50% من الحجوزات السياحية.

وتبلغ إيرادات الخزينة العامة من قطاع السياحة 15% من الناتج المحلي الإجمالي، بنحو 4.8 مليارات دينار سنويا.

كما تأثر الأردن بتداعيات ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين في البحر الأحمر، وبالتالي زيادة أسعار السلع؛ جراء الهجمات التي يشنها الحوثيون من اليمن، “تضامنا مع غزة”، على سفن مرتبطة بإسرائيل.

وتواصل إسرائيل الحرب على قطاع غزة رغم صدور قرار من مجلس الأمن، في 25 مارس/ آذار الماضي، بوقف فوري لإطلاق النار خلال رمضان، ورغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب “إبادة جماعية”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية