مقابل “وجبة كرامة” لكل مصري.. لنترك السيسي يتحدث إلى غزة بـ “اللغة الشرق أوسطية”

حجم الخط
0

مصر، زعيمة العالم العربي سابقاً، تعاني أزمة اقتصادية عسرة ومتواصلة. محافل اقتصادية في العالم حسبت الكلفة المالية لاستعادة قدرة مصر لرعاية سكانها بكرامة في العقد المقبل تقدر بأن 70 – 80 مليار دولار ستتيح منح وجبة لكل مواطن من 110 ملايين مصري. منذ زمن بعيد والرئيس المصري السيسي ينتظر هذه التبرعات، لكن ليس هناك من يتبرع بها. غياب السياحة في بلاده والتدخل الزائد في ليبيا، هما جزء من الأسباب التي تقتطع مزيداً من تمويل ميزانيتها الضحلة.

يعبر المصريون عن قلقهم لما يجري في قطاع غزة، مثل كل الدول العربية. يسأل صحافيون عرب رؤساء الدول بين الحين والآخر: فضلاً عن الإعراب عن القلق، هل تعملون على التغيير؟”، والأجوبة عديدة ومتنوعة، أساساً من جانب دول غير قادرة على العمل.

المملكة الأردنية مثلاً، لم تتدخل قط في المنطقة التي خارج حدودها، وهكذا أيضاً في حالة غزة. السعودية وإن كانت تشعر بمسؤولية بصفتها زعيمة للعالم السُني، لكنها تكتفي بالتبرعات المالية، ومثلها دول النفط والغاز الغنية: الإمارات والبحرين وعُمان. أما قطر، فتعتبرها إسرائيل الصديق العدو؛ فهي تتوسط بين إسرائيل وحماس التي لا تزال تتحكم بما يجري في القطاع، وفي الوقت نفسه تدعمها ككيان إرهابي وتمنح ملجأ لمسؤولي المنظمة، وعليه فهي مستبعدة من الحكم في غزة. السلطة الفلسطينية؟ نعم، لكن ليس الآن. سيتعين عليها أن تعمل بكد كي تنظم صفوفها، وتدرب كتائبها الأمنية، وتهدئ التوتر والعداء بين الفصائل المختلفة، وتغرس أنماط شفافية ونجاعة بين مؤسساتها، وأساساً الكف عن التحريض ضد إسرائيل.

بقينا مع مصر. إنه من غير المستبعد أن يكون حافز بمئات ملايين الدولارات التي هي في نظر دول عربية غنية وأخرى غربية ومؤسسات دولية “فراطة”، كفيلة بأن تدفع مصر لتبني تحدي غزة، وإن كان لفترة محدودة حتى ثلاث سنوات. في هذا الزمن، تأخذ مصر السيطرة في غزة، وتؤتمن الأعمال الأولية على مراحل، حتى تسلمه إلى أيدي “السلطة الفلسطينية المحسنة”. في إطار مقابلاتي الأخيرة مؤخراً في شبكات التلفزيون العربية، هذه الخطة تلقى رفضاً، بل وتترك مادة للتفكير يجب النظر فيها بعناية.

من بداية المعركة ومصر تلعب لعبة مزدوجة في محاولة لتبث تجاه الخارج “وحدة صف” – اصطلاح في العالم العربي أقوى من كل المصالح. من جهة، تحذر من عملية إسرائيلية في رفح وتطلق صرخات نجدة خوفاً من تدفق جماهيري للغزيين إلى شمال سيناء، ومن جهة أخرى تعمل بتعاون كامل مع إسرائيل وتحافظ بشدة على التنسيق الأمني معها. صحيح أن السيسي يستعرض العضلات، لكنه يتذكر المساعدة التي قدمتها له إسرائيل في حربه ضد “داعش” في شبه جزيرة سيناء.

من خلال الجنرال محمود السيسي ابن الرئيس، وزعيم البدو في سيناء إبراهيم العرجاني، نجحت مصر في تثبيت استقرار سيناء، بل والتنمية والازدهار الاقتصادي. النموذج الذي تخلصت فيه مصر من الإرهاب الإجرامي لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، قد يسمح بإيقاف القطاع على أرجله أيضاً.

ما كان مراقب الدولة عندنا ليشرعن الطرق والوسائل التي اتخذت هناك، لكن هذه هي المشكلة: كل الحكومات الأجنبية، ابتداء من حكومة إسرائيل في “المناطق”، والأمريكيين في العراق وأفغانستان، توجهت إلى السكان بالعبرية المحلية أو بالإنجليزية بينما تحدث المصريون مع البدو بلغة شرق أوسطية معروفة. يجب الاعتراف بأن دولة ديمقراطية لا يمكنها أن تحكم شعباً أجنبياً.

الآن، حين تكون مصر تواقة لأنبوب أكسجين اقتصادي، هناك لحظة مناسبة لمنح المصريين ما يحتاجونه، وهو ربح للجميع: منحة غير مسبوقة بسخائها، وكذلك ضمانة ألا ينتقل أي غزي إلى سيناء. على إسرائيل والأسرة الدولية أن تخرجا إلى حملة تربط بين تجنيد الأموال وتخويل المصريين لتحقيق هذا الهدف.

د. موشيه العاد

معاريف 18/3/2024

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية