مفكر إسرائيلي يحذّر من هزيمة تاريخية في غزة

وديع عووادة
حجم الخط
0

الناصرة- «القدس العربي»: فيما يتَّهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو «حماس» برفض جميع المقترحات لإبرام صفقة تبادل أسرى، ويهدد، هو والوزير عضو مجلس الحرب بيني غانتس بزيادة الضغوط العسكرية والسياسية عليها، تحذّر أوساط إسرائيلية متزايدة من هزيمة كبيرة لإسرائيل، نظراً للإدارة الفاشلة للحرب على غزة، بعد 200 يوم من شنّها.
وعلى غرار نتنياهو، قال غانتس إنه لا بدّ من تحقيق أهداف الحرب، وفي مقدمتها إعادة المخطوفين الإسرائيليين، وكذلك إيجاد بديل من سلطة حركة «حماس»، كما أكد أن الحكومة ستزيد الضغط الممارس على قطاع غزة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، من أجل إعادتهم.
في المقابل، وتزامناً مع اليوم الـ200 للحرب المتوحشة على غزة، ومع عيد الفصح اليهودي، تشهد إسرائيل ارتفاعاً في منسوب الإحباط والغضب، وفي الدعوات لاستبدال حكومة نتنياهو كمخرج وحيد للمأزق الخطير الراهن.
ومن الأصوات الواضحة العالية صوت المفكر الإسرائيلي يوفال نوح هراري، الذي يحذّر الإسرائيليين من هزيمة تاريخية، في حال لم يبادر الإسرائيليون لتغيير دراماتيكي، ويستخلصون الدروس من «حرب الشهور الستة».

شهوة الانتقام

وفي مقال نشره ملحق «هآرتس»، يوضح هراري أن القيادة الإسرائيلية لم تتحمل بعد مسؤولية عن الفشل، ولم تُبدِ الندم على أخطائها.
ويمضي قارعاً جرس الإنذار: «في حال استمرت قيادتنا هذه باتخاذ القرارات سنتورط في كارثة قومية».
ويوضح أن إسرائيل وبدلاً من البحث عن سبل تعزيز علاقاتها مع دول الغرب ودول عربية معتدلة، فإنها تنقاد خلف شهوة الانتقام والغطرسة، رغم فشلها في الحرب على غزة، كما يتجلّى في عدم استعادة المخطوفين، وفي عدم الإجهاز على «حماس».
ويقول إن نتنياهو وشركاءه السياسيين طوّروا رؤية عنصرية تستخفّ بقيمة حياة الفلسطينيين، ويشير لوجود خيط مباشر بين الاعتداءات على حوارة، في شباط / فبراير 2023، وبين الكارثة الإنسانية الحالية داخل غزة.
ويضيف: «الذين اعتادوا على إمكانية حرق بلدة فلسطينية انتقاماً لقتل إسرائيليين اثنين يرون إمكانية تدمير كل القطاع انتقاماً للسابع من أكتوبر أمراً مفروغاً منه».
بيد أن هراري لا يتردّد في توصيف الحقيقة كما هي، بعيداً عن حصر الإشكالية في شخص نتنياهو أو حكومته فحسب، فيوجّه انتقادات لاذعة للإسرائيليين أيضاً بقوله: «لقد أوقعت الحكومة عمداً كارثة إنسانية داخل قطاع غزة، ما يزعزع الأساس الأخلاقي السياسي لإسرائيل كدولة. كثير من الإسرائيليين يتنكّرون للواقع الناتج، ويتجاهلون العوامل التي دفعتنا إلى هنا، مثلما ينكرون قسوة الكارثة الإنسانية داخل غزة، ولذا فهم عاجزون عن فهم الأزمة الدبلوماسية التي تورطنا بها».

«إذا لم تُستخلص الدروس من حرب الشهور الستة»

ويضيف: “عندما يصطدم الإسرائيليون بتقارير عن القتل والهدم والتجويع داخل غزة، فإنهم يعتبرونها تقارير كاذبة، أو أنهم يبحثون عن مبررات أخلاقية وعسكرية لسلوك إسرائيل».
ويذكّر بأصحاب مزاعم اللاسامية بتذكيرهم أن إسرائيل، خلال الأسابيع الأولى بعد السابع من تشرين الأول / أكتوبر، حظيت بدعم دولي غير مسبوق.
ويتساءل: «حتى متى تستطيع إسرائيل الاعتماد في بقائها وفي حروبها على دعم الغرب؟ وكم من الوقت تستطيع أن تبقى دولة منبوذة؟».
ويؤكد أن إسرائيل دولة صغيرة تخلو من الموارد الموجودة في روسيا، منبهاً إلى أنه من دون علاقات تجارية وعلمية وثقافية مع بقية العالم، ومن دون سلاح ومال أمريكيين، فإن السيناريو الأكثر تفاؤلاً الذي نستطيع التطلع له عندئذ هو أن تكون إسرائيل كوريا الشمالية الشرق الأوسط. وعلى غرار هراري، يحذر الكاتب الصحافي في “هآرتس” أوري مسغاف من هزيمة كبيرة لإسرائيل في حال لم يسقط الإسرائيليون حكومتهم. ويقول إن عيد الفصح، اليوم، «هو الأكثر حزناً من بين الأعياد التي يذكرها، فلا حرية، بل عبودية، فيما بقي 133 إسرائيلياً في الأسر، وهزيمة في كل الجبهات».
ويمضي في توصيف الواقع الإسرائيلي المأزوم: «رجعت من زيارة للجليل، وقد اهتزت كل مشاعري، فالشمال، كما في جنوب البلاد، مهجور، ويتعرّض للهجمات والإهمال، وتحولت مدينة كريات شمونة الى مدينة أشباح».
ويدعو مسغاف الإسرائيليين للتحرر النهائي من أوهام يسوقها نتنياهو عن النصر المطلق، مشدّداً على أن مفتاح الفرج يكمن باستبدال حكومته، ويدعو الإسرائيليين للخروج الى الشوارع، مرجحاً أن ينفجر كل شيء قريباً، عشية يوم الاستقلال الوشيك، بعدما تبيّنت الصورة للواقع المأزوم بعد 200 يوم من الحرب على غزة دون تحقيق أي من أهدافها.

«عالقون في طريق مسدود»

وهكذا يرى محلل الشؤون العسكرية في موقع «واينت» رون بن يشاي، الذي يرسم صورة قاتمة لإسرائيل في هذه المرحلة، بقوله إن الفصح اليهودي هذا العام هو أحد الأعياد المصيرية في تاريخ إسرائيل، فهي تجد نفسها في ذروة حرب وجودية متعددة الجبهات، وفي الوقت نفسه عالقة ومتعثرة، وتواجه طريقاً مسدوداً في كل جبهة من الجبهات الست المهمة بالنسبة إليها.
ويوضح أن جهود إسرائيل المبذولة لتحرير المحتجزين عالقة لأنها فقدت، بمبادرة من إسرائيل، كل أوراق الضغط الفعالة ضد قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار.
أما الجيش فقد خرج، تقريباً، من كافة مناطق القطاع، وسلطة «حماس» لم تتفكك، والأمريكيون لا يسمحون لنا بالدخول إلى رفح وإنهاء المهمة.
وينضم رون بن يشاي الى عدد كبير من المراقبين الإسرائيليين ممن يؤكّدون خطورة عدم وجود إستراتيجية لدى إسرائيل، فيقول إن هذه الطريق المسدودة في جميع الجبهات لها ميزتان مركزيتان؛ الأولى أن كل شيء مرتبط ببعضه، وحل أي قضية مرتبط بما سيحدث في القضايا الأُخرى.
ويضيف: «لذلك، المطلوب إستراتيجية شاملة تحرّك الحزمة برمتها في الاتجاه المطلوب. لا يوجد لدى حكومة إسرائيل، ومن يترأسها أيّ إستراتيجيا كهذه الآن. إنهم يديرون المفاوضات والحرب في كل واحدة من الجبهات بشكل منفصل، من دون رؤية الصورة الشاملة غير المشجعة التي تنعكس منها. الميزة الأُخرى هي أن كل المحاور، أيّ المفتاح لحل كل ما يحدث وتحريكه في كل الجبهات، هو التعاون الوطيد مع الولايات المتحدة، وممنوع إلحاق الضرر بالتعاون معها في القضايا الإستراتيجية الضرورية والوجودية بالنسبة إلى إسرائيل، إلا أن استمرار هذا التنسيق في جميع الجبهات مشروط بالتنازل الإسرائيلي في المجال الفلسطيني، بما معناه موافقة إسرائيلية مبدئية من طرف نتنياهو على رؤية حل الدولتين لشعبين، واستعداد لدمج السلطة الفلسطينية التابعة لأبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس)، بالحكم المدني، وفرض القانون في غزة. هذا المطلب غير حصري فقط في الإدارة الأمريكية، بل أيضاً في جميع دول المنطقة المشارِكة، أو التي يمكن أن تشارك في حلف إقليمي».
ويخلص للاستنتاج أنه «على إسرائيل التنازل عن موقفها الحازم والرافض في الشأن الفلسطيني، والاستجابة للطلب الأمريكي بالعمل كقبضة واحدة عسكرية وسياسية مع حلفائنا. هذا صعب جداً على حكومة “اليمين الكامل” ومَن يترأسها، لكن من دون تعاوُن فوري وإستراتيجي مع إدارة بايدن، فإننا لن نبقى فقط عالقين في طريق من دون مخرج وقتاً طويلاً، بل أيضاً سنُهزم في الحرب».

«الاختيار ما بين المخطوفين أو الحرب»

وسبقه بذلك محرر الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يقول إنه قبيل اليوم الـ 200 للحرب ضد «حماس»، والتي تمدّدت إلى جبهات أُخرى، لا مفرّ من الحديث عن إخفاق خطِر في وضع الأمن القومي.
ويكرر «نبي الغضب» الإسرائيلي، الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، تحذيراته من بقاء المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل في أداء مهامهما، داعياً لإسقاطهما.
ويقول في مقال جديد تنشره صحيفة «معاريف»، إنه على إسرائيل الإعلان عن وقف الحرب، فقد خسرتها، وسبق أن سحبت قواتها منها، ولا توجد لديها القدرة على إبادتهم نهائياً، منبهاً إلى أن اجتياح رفح لن يسعف الموقف.
ويتابع: «الحقيقة أننا خسرنا هذه الحرب، مثلما أنه على الإسرائيليين بذل الجهود للتخلص من هذه القيادة التي تقودهم وتضعهم على متن سفينة تايتانيك إسرائيلية».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية