مع سورية وضدها

حجم الخط
0

مع سورية وضدها

عبد الباري عطوانمع سورية وضدهاتتناسخ القرارات الصادرة عن مجلس الامن الدولي ضد سورية بشكل لافت للنظر هذه الايام، وبات يصعب علي المرء حفظ ارقامها، ناهيك عن مضامينها، وكأن هذه المنظمة الدولية تأسست من اجل فرض العقوبات علي العرب دون غيرهم، وإلحاق اكبر قدر من الاذي بشعوبهم قبل انظمتهم.نفهم ان يصدر مجلس الامن الدولي قرارات بفرض الحرب ضد دولة غزت اخري، ولكن ان يصدر قرارا باجبار دولة علي اقامة علاقات وترسيم الحدود مع دولة اخري، فهذا هو قمة الاستفزاز، والاستخدام المفرط للمنظمة الدولية في امور لا تحفظ السلم والامن العالميين، بل وتؤدي الي صدام الحضارات، وتفجير الحروب، واتساع دوائر العنف والارهاب.نحن لا نتحدث بلغة الالغاز، وانما نشير الي قرار مجلس الامن الدولي الذي اخذ رقم 1680 وصدر يوم الاربعاء الماضي وحث سورية علي تبادل التمثيل الدبلوماسي مع لبنان وترسيم الحدود المشتركة.فهذه هي المرة الاولي التي تتدخل فيها الامم المتحدة ومجلس امنها لفرض اقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وبين دولتين عربيتين علي وجه التحديد.ولن نفاجأ ان يجري تطوير هذه السابقة، او البناء عليها، في المستقبل القريب، بمطالبة جميع الدول العربية بتبادل دبلوماسي كامل مع الدولة العبرية. لان قرار اقامة العلاقات الدبلوماسية لم يعد قرارا سياديا، مثلما كنا نعتقد سابقا، وانما قرار دولي تفرضه الولايات المتحدة علي من تشاء، وفي اي وقت تشاء.المعيار واضح، وهو مدي اقتراب الدول من المخططات الامريكية في الهيمنة، او الابتعاد عنها، ولا نقول معارضتها او التصدي لها، لانه لا يجرؤ اي نظام رسمي عربي علي هذه المعارضة ولو بقلبه، ناهيك عن لسانه.فعندما كانت القوات السورية تنتشر في لبنان من اقصاه الي اقصاه، جاءتها مباركة واشنطن، مقترنة بكل انواع الاطراء والمديح، والسبب بسيط وهو صمت حكومة دمشق الايجابي علي وجود نصف مليون جندي امريكي علي ارض الجزيرة العربية لـ تحرير الكويت، ولكن عندما رفضت الحكومة السورية المشاركة في حرب تدمير العراق الاخيرة، وتسخير اجهزة مخابراتها في التجسس علي المقاومة العراقية ومطاردتها بطريقة بشعة مفضوحة، جري اجبارها، ومن خلال قرار من مجلس الامن نفسه، علي سحب قواتها بطريقة مهينة من لبنان، والآن تطالب بالتبادل الدبلوماسي معه بقرار دولي.لا نستطيع ان نتكهن بمضمون قرار مجلس الامن المقبل ضد سورية، ولا بالرقم الذي سيحمله، ولكنه قادم لا محالة، هو وغيره، وقد يضع حزمة من المواصفات حول كيفية اختيار السفراء السوريين، ولون بشرتهم او عيونهم، والدول التي يجب ان يتمركزوا فيها، والسيارات التي يسمح لهم باقتنائها، وربما نوعية الملابس، داخلية كانت او خارجية.سورية مستهدفة من قبل القوة الاعظم في التاريخ، لانها الوحيدة التي بقيت في المنطقة العربية، تقول لا للغطرسة الامريكية، وتفتح ابواب عاصمتها لحركات المقاومة الاسلامية، ولا تحاضر علي وزير خارجية حماس اثناء زيارته لها حول فضائل الاعتراف بالدولة العبرية، وتطبيع العلاقات معها، والقبول باتفاقات اوسلو، وادانة العمليات الفدائية.نحن مع سورية في رفضها لهذا القرار الدولي المهين، مثلما نحن معها في كل مواقفها الرافضة للهيمنة الامريكية، ومشاريع الرئيس بوش الإذلالية للعرب والمسلمين، ودعم المقاومة الفلسطينية بكل الوان طيفها، والتمسك بسيادتها الكاملة في مسألة تبادل العلاقات الدبلوماسية مع اي دولة كانت، لبنان او غيره. ولكننا لسنا معها في حملة الاعتقالات التي شنتها ضد بعض رموز المجتمع المدني الذين وقعوا وثيقة مع زملائهم اللبنانيين تطالب بتصويب العلاقة، وتبادل السفراء بين الدولتين الجارتين.فالذين وقعوا علي اعلان بيروت دمشق لم يرتكبوا اثما عندما طالبوا باحترام وتمتين سيادة واستقلال البلدين في اطار علاقات ممأسسة وشفافة تخدم مصالح الشعبين وتعزز مواجهتهما المشتركة للعدوانية الاسرائيلية ومحاولة الهيمنة الامريكية. فجميع هؤلاء، من امثال رياض الترك، وميشيل كيلو، وحسن عبد العظيم، وانور البني وصدر الدين البيانوني، من الشخصيات الوطنية السورية التي رفضت ان تكون ادوات في ايدي رجال المخابرات الامريكية لتخريب بلدها وتمزيق وحدته الوطنية والترابية.مشكلة النظام السوري الاساسية انه يفكر بعقله الامني، وليس بالحس السياسي، ولهذا يواصل مسلسل اخطائه، وهي اخطاء غالبا ما يتراجع عنها في مرحلة لاحقة ولكن بعد فوات الأوان.فعندما كان الناصحون المخلصون يطالبونه بالانسحاب الفوري وغير المشروط من لبنان، لتفويت الفرصة علي المشاريع الامريكية في هذا الاطار، كانت الاتهامات جاهزة بالخيانة والعمالة لهؤلاء. وانسحبت القوات السورية في بضعة اسابيع، وبقي الناصحون انفسهم في خانة الخيانة والعمالة.في زمن الاستهدافات الاجنبية، يفترض ان تلجأ الحكومات الي جبهتها الداخلية لتعزيز تماسكها وتلاحمها، ومنع اي اختراق لها، وبما يؤدي الي ترسيخ الصمود، وتصليب حصون الدفاع والمواجهة، ولكن من المؤسف ان الحكومة السورية تفعل عكس ذلك تماما، فتضيف لنفسها عزلة داخلية الي جانب عزلتها الخارجية المتصاعدة.فماذا يضير النظام السوري لو بقي هؤلاء طلقاء لمدة ستة اشهر او عام حتي تتضح طبيعة المؤامرة، خاصة ان هؤلاء ليسوا قادة فرق او الوية في الجيش السوري، وبالكاد يملكون لقمة العيش او ثمن علبة السجائر التي يدخنونها في المقاهي طوال يومهم.النظام السوري بحاجة الي من ينقذه من نفسه، قبل انقاذه من الاستهداف الامريكي. انقاذه من عقلية الحرب الباردة التي ما زالت تعشش في اوساط بعض قادة الاجهزة الامنية الذين يشكلون العصب الاساسي في دائرة سلطة القرار في البلاد.نكرر مرة اخري بان العرب جميعا، والشرفاء منهم علي وجه الخصوص، وهم الغالبية الساحقة، يقفون في الخندق السوري في مواجهة الهجمة الامريكية، لانهم يكرهون من تحبه امريكا، ويحبون من تكرهه، وبوصلتهم دائما صحيحة. ولكن المطلوب من النظام ان لا يحرج اصدقاءه، والمتعاطفين معه، بالإقدام علي سياسات تذكر بالقمع ومصادرة الحريات لأناس لا يقلون وطنية وحبا لبلادهم عنه، ان لم يكونوا اكثر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية