معرض «سينما مصر»: لقطات حيّة من أفلام شكّلت ذاكرة المصريين

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: ما بين السينما والفن التشكيلي علاقة وثيقة، ربما أقرب للسينما من الفنون الأخرى، فهي فن الحكي بالصورة في المقام الأول، فمن الممكن الاستغناء عن الصوت ـ فترة الأفلام الصامتة ـ لكن وجود السينما مرهون بالصورة وجمالياتها.
وبالنسبة للسينما المصرية فقد شغلت وعي وفكر وذاكرة المصريين، وفي أحيان كثيرة تصبح العبارات السينمائية هي التي يستخدمها الناس في حديثهم العادي، سواء تعليقاً على موقف، أو إبداء رأي ما، وبالتالي تحولت هذه العبارات إلى علامات اتفاقية في المجتمع.
من ناحية أخرى تناول العديد من التشكيليين المصريين، ممثلي السينما والمطربين في لوحاتهم، ومن خلال لقطات أفلامهم الشهيرة، حتى وصل الأمر أخيراً في إعادة تصميم أفيشات الأفلام القديمة بصورة حديثة، وصولاً إلى اعتماد المفارقة عن طريق الذكاء الاصطناعي، إذ يبدو الممثل أو الممثلة في شكل وملابس معاصرة على موضة هذه الأيام. وحالياً يُقام في قاعة (آرت كورنر) في القاهرة معرض بعنوان «سينما مصر» للفنان رضا خليل، يستعرض من خلاله لقطات متنوعة من أفلام شهيرة كوميدية وتراجيدية، وكذا شخصيات مؤثرة في خيال المصريين، ربما أشهرهم سعاد حسني. يُذكر أن فكرة اللوحات المستوحاة من الأفلام عالجها خليل كمثال في معارض سابقة، كمعرضه المعنون بـ(مزاج) الذي أقامه في فبراير/شباط 2022.

سعاد حسني

عدة لوحات جسدت لقطات من أفلام سعاد حسني ـ نجمة منتصف الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات ـ التي جسدت بدورها في مخيلة الجمهور مثال الحِرفية التمثيلية والأنوثة. يستعرض خليل لقطات من فيلمها الأشهر «خلّي بالك من زوزو» ـ الأشهر جماهيرياً وليس فنياً ـ ولم يكتف الفنان بلقطات من الفيلم، بل يستعرض حال الجماهير خارج باب السينما التي تعرض الفيلم، حيث الحشد الكبير وحالة السعادة التي يعيشونها، مع مراعاة تفاصيل ملابس رجال ونساء تلك الفترة. وفي لوحة لافتة أخرى تبدو سعاد حسني في عدة شخصيات أدتها على شاشة السينما، وفي الخلفية حائط قديم عليه صور الممثلين الذين شاركوها هذه الأفلام.. عادل إمام، حمدي أحمد، حسين فهمي، شكري سرحان، رشدي أباظة، وآخرين.

الكوميدي والتراجيدي

كذلك تنوعت اللوحات لتجمع عبد الفتاح القصري وتوفيق الدقن، مع بعض التحوير في فيلم «ابن حميدو» فبدلاً من المركب (نوماندي 2) تصبح طائرة، وأيضاً لوحة للفنان محمد رضا بملابسه المعهودة في المقهى، وليعلو الخيال أكثر، فيصبح (ميكي ماوس) هو صبي المقهى، ولو سارت اللوحات على هذا المنوال لكانت فارقة أكثر. لم ينس الفنان شخصية الفنان نجاح الموجي (الهرم) في فيلم «الكيت كات» لداوود عبد السيد، حتى إنه وضع في الخلفية شعار جريدة «الأهرام» الشهير، وأطلق عليه.. الهرم! وأيضاً ـ وكأنها تحية ـ استحضر لوحة للفنان زين العشماوي، في ملابسه الغريبة الذي اشتهر بها، والذي كان دوماً يقوم بأداء أدوار الشر بطريقة تميزه وحده. ومن اللوحات المعتمدة على لقطات من الأفلام أو لاستعراض الشخصيات إلى ما يقترب أكثر من إعادة إنتاج أفيشات الأفلام، وهو ما تحقق في فيلمي «المومياء» لشادي عبد السلام، و»باب الحديد» ليوسف شاهين، الذي اتخذه رضا خليل بوسترا للمعرض، حيث تتصدر هند رستم اللوحة/الأفيش.
ونأتي إلى عمل لافت وهو لوحة تمثل فيلم «ثرثرة فوق النيل» رواية نجيب محفوظ وإخراج حسين كمال 1971، وهنا لم يكتف الفنان بنقل الشخوص أو الاقتصار على جمعهم معاً في لوحة، فاللوحة وإن كانت مُستمدة من عدة لقطات من الفيلم، إلا أنها تتجاوز ذلك لتحقيق جمالياتها الخاصة، بداية من الخلفية الزرقاء وسحب دخان الحشيش، وصولاً إلى نفسيات وسلوك الشخصيات، فيمين الكادر يتصدره (أنيس زكي) عماد حمدي، حكيم الجلسة أو (القَعدَة) وفي اليسار إلى العمق بعض الشيء يُقابله (رجب القاضي) أحمد رمزي المتباهي الزائف، دون نسيان أن يتصدر اللوحة (حَجَر الجوزة) الصنم الجديد الذي أصبح تتحلق حوله آفات الستينيات ـ بإراداتهم أم دون إراداتهم ــ حسبما فهمنا من رواية محفوظ.

التقنية

بداية تبدو الشخصيات في هذا المعرض هي الأساس في أغلب اللوحات، إلا أن الشخصية لا توجد في فراغ، بل إن محيطها ـ المكان والجو العام ـ هو ما يؤكد وجودها. وبالطبع هذه الشخصيات لها وجود مسبق في مخيلة المُشاهِد ـ شخصيات سينمائية ـ وبالضرورة سيتم عقد المقارنة بين الشخصية واللوحة، إلا أن الفنان يحاول أن يضعها في مناخ مختلف، حسب رؤيته هو، وهو ما يتم التعبير عنه من خلال خلفية اللوحة، سواء كان شعار جريدة «الأهرام» أو مبنى السينما الذي يحمل أفيش (خلّي بالك من زوزو) أو حائط مقهى شعبي يحمل صور أبطال الأفلام الذين شاركوا سعاد حسني البطولة، وكلها أجواء ليست منقولة من فيلم بعينه، أو تجميع لمشاهد من عدة أفلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية