معرض «إنها إيزيس» لـجيهان سعودي… لمحات من حياة المرأة المصرية وتاريخها

القاهرة ــ «القدس العربي»: تستضيف حالياً «القاعة المسديرة» بـ (نقابة الفنانين التشكيليين) بدار الأوبرا المصرية، معرض الفنانة جيهان سعودي، والذي جاء بعنوان «إنها إيزيس». ويبدو أن المعرض الذي يستعرض مسيرة المرأة المصرية، أراد التأكيد على الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في الحياة المصرية، الأمر الذي جعل منها معبودة في الديانة المصرية القديمة. وحاولت الفنانة عبر لوحاتها أن تؤصل لوجود المرأة ودورها دينياً ودنيوياً، مروراً بثقلها الاجتماعي والتاريخي، ووصولاً إلى اللحظة الراهنة، التي تمثل (مصر) بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وحالات الزيف والنفاق السياسي التي أحاطت بها من كل جانب، وهي لم تزل تنتظر، وتسخر في سرّها، وتترك المُشاهِد أن يلحظ ذلك أو يلمحه. يُذكر أن هذا هو المعرض الرابع لـ سعودي، والتي بدأت معرضها الخاص الأول في العام 2002، والذي جاء بعنوان .. مشاهد ريفية.
التكرارات
هناك حالة من التواجد الأنثوي على مر العصور، نلحظ ذلك في لوحة تجمع الوجوه نفسها لعدة نساء من عصور مختلفة، وكأنهن استنساخ من الرمز المصري الأعلى (إيزيس)، يؤكد ذلك اختلاف الملابس التي تدل على اختلاف كل عصر عن سابقه، فهي ذات الملامح الفرعونية نفسها، التي تميل إلى السُمرة، وتكاد تتقاطع ملامحها مع ملامح فتيات أعالي النيل، مع اختلاف ملابس كل فتاة دلالة على العصر الذي تنتمي إليه، بداية من التاج الفرعوني الذي يعلو رأسها وصولاً إلى الملابس الحديثة، التي تعبّر عن وقتنا الحالي. حتى أن الفنانة تجعل من وجهها وجهاً في إحدى اللوحات، مُحافظة على طريقة الرسم الجداري، الذي اشتهرت به الرسومات الفرعونية، وهنا تجعل من الاحتفاء بالمرأة يبدو وكأنه احتفاءً بتفاصيل الجسد وتكويناته، في لقطة شِبه كاملة لهذا الجسد، الذي اتخذ صفة القداسة والتبجيل من أنوثته المفرطة، رغم القوة والصلابة في الحركة. ملمح آخر من ملامح تمجيد الجسد وتبجيله يبدو في الإيماء أو لفتة من وجه، بخلاف نظرات العين التي تحمل رغم قوتها، حالة لا تنكر من الإغواء. وهناك مُفارقة مثيرة تخص الجسد وعبادته لدى المصري القديم ــ وقد كان يُقسم بإيزيس، قبل أن تتشكل الآلهة وفق المفهوم الذكوري ــ المُفارقة هنا في اللوحة شِبه الجدارية، التي تبدو ملامح من وجه الفنانة نفسها بها، فهي تقف ساخرة، وتجعل ما يُشبه الغلالة التي تغطي نهديها ــ كناية عن الجسد الذي دخل بكامله الآن في نفق العورة المُظلم ــ وهو ما كان محل التقديس والعبادة من قبل، وهذه لفتة في غاية الذكاء والحِرفية.
الحركة
تبدو الحركة في اللوحات، خاصة في اللقطات القريبة، نابعة من اتجاه حركة العين، حيث كل شخصية تكمل نظرة عين الأخرى، وكأنها تلتفت، فنستشعر الحركة في اللوحة عبر نظرة العين فقط، دون الجسد. كما تبدو الحركة من خلال وضعيات الجسد المختلفة، خاصة في لوحة النساء المُطلات من الشرفة، نساء من عصور مختلفة تجمعهن شرفة واحدة، وكل منهن تنظر في اتجاه حركة دائرية، تبدأ بأولهن وتنتهي بالأخيرة. على النقيض من اللوحات ذات اللقطات العامة، التي تبدو الحركة آتية من خلفية اللوحة، بعكس مقدمتها التي تتميز بسكون وثقة كبيرين، هذا التناقض لطبيعة الحركة تأثيرها الأكبر، بخلاف دلالتها بين ثقة المرأة في جِلستها، والتوتر الذي تعاني منه باقي شخصيات اللوحة ــ المهرجون الأقزام ــ وهذه الحالة مُتكررة في العديد من اللوحات.
الترميز
احتل الرمز مساحة من اللوحات المعروضة، خاصة عند الوصول إلى إيزيس عصرنا الحالي، الجالسة إلى كُرسي كبير، وحولها المهرجون الأقزام من كل صوب، يحاولون الوصول إليها. كل ذلك وإن كان تشكيلاً بصرياً جميلاً، إلا أنه لم ينج من السقوط في المُباشرة، التي تحيل إلى ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فـ (المرأة/إيزيس/مصر) التي تنتظر وتنظر أمامها غير مُبالية ــ عن ثقة ــ بما يفعله الآخرون، آملة في مستقبل أفضل. الأمر نفسه يتكرر في المرأة التي تحمل عصا مُعلق بها العديد من المهرجين، وكأنها تعرف تماماً أفكارهم، وما هم إلا دُمى في يدها، هي التي تقوم باستعراضهم أمام المُشاهِد.
الألوان
تنوعت الألوان في اللوحات لتصبح من درجات الألوان الحارة ــ بداية من الأحمر وحتى الأصفر ــ للتدليل على ما تحمله من معاني العاطفة والخصوبة، كأم ومعشوقة وأنثى في المقام الأول، خالقة مساحة للاحتفاء بوجودها. وفي لوحة أخرى نرى المرأة وقد احتل جسدها وفستانها الأحمر الجزء الكبير من اللوحة، بينما اللون الأزرق ــ البارد ــ يصبح كخلفية لبعض المخلوقات (الأراجوزات) وكأنهم يدبرون مؤامرة او ما شابه. هذه العلاقة اللونية بين مقدمة الصورة وخلفيتها تخلق حالة من الجدل اللوني، عبّرت عن مضمون اللوحة ــ رغم المباشرة ــ بأنها تمثل مصر في الوقت الراهن، وهؤلاء الأقزام ــ لاحظ حجمها مُقارنة بهم ــ يخططون للنيل منها.

محمد عبد الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول AL NASHASHIBI:

    نعم. ندعم حق المراًه بالرقي والتقدم والعلم ..وحقها بالمساهمه في الحياه الاجتماعه ..ولها نفس الحقوق مع الرجل في بناً المجتمع ولهذا نقول المراًه نصف المجتمع. فعلاً وليس فقط قولاً …ولكن للأسف حتي نصل الي هذا علينا بنشر التوعيه اي العلم بين ابناً المجتمع ذكراً او اونثي ……لان الوطن العربي للأسف يغلب عليه مجتمع الرجولي وهذا خطاً كبير ..لان عقل الانسان وتفكيره لا يحدده الجنس…بل يحدده كم هذا العقل مليً بالعلم الذي هو شبه معدم في الوطن العربي ..وذلك يصب من مصلحه الحكام والانذال…حقيقه وواقع

    النشاشيبي …نأمل باعطاً المراًه حقها في النضال الاجتماعي والانساني ..من اجل الانسانيه جمعاً …..لانها في كثير من الحالات لها كفاًه. اكثر من الرجال ..اي من الناحيه الفكريه….حيث هناك زعماً دول مثل انديرا غاندي ..وتاتشر .و و و و و.ولكن المرض النفسي في الرجل العربي ….يشعر بانه فقد شخصيته حينما. تاخذ المراًه بقياده الامور ..وهذا طبعاً خطاً في الفكر العربي الضعيف
    ..العلم هو العامل الاساسي في سلوك الانسان …فل ندعم بنشر العلم بدل من سياده الجهل في الوطن العربي
    AL NASHASHIBI …

إشترك في قائمتنا البريدية