مصر تنتظر صرف «روشتة» صندوق النقد فهل تنخفض أسعار السلع مع انخفاض الدولار؟

إبراهيم نوار
حجم الخط
0

الدولار هو نجم الأحاديث العامة والخاصة بين الأفراد في مصر، منذ أصبحت كل شؤون الحياة مرتبطة به، من رغيف الخبز وكوب الشاي إلى أسعار السيارات والأجهزة المنزلية. بعض الشركات العقارية لكي تستريح من دوار الدولار قررت إعلان أسعار بيع وحداتها العقارية بالدولار الأمريكي، حيث أن أسعار الحديد ومواد التشطيبات تمثل ظلا لأسعار الجنيه مقابل الدولار. ومع أن هذا مخالف للقانون، فإن الإعلانات المنشورة في أجهزة الإعلام الرسمية وكل أجهزة الدولة تغض النظر عن ذلك. ونظرا للعشوائية الشديدة في السوق، فإن التجار في كافة المجالات يستطيعون بسهولة تحقيق أرباح استثنائية على حساب المستهلكين حتى مع تراجع قيمة الدولار. على سبيل المثال فإن شعبة المخابز في اتحاد الغرف التجارية تلقت في الأيام الأخيرة أنباء عن أن المخابز ستحافظ على سعر الرغيف كما هو، رغم انخفاض سعر الطن من الدقيق بحوالي 2000 جنيه أي بنسبة 12 في المئة تقريبا عما كان عليه في الأسبوع الماضي، مع زيادة وزنه. وتعاني سوق الأدوية من نقص يصل إلى 40 في المئة، بسبب نقص تمويل الخامات ومستلزمات الإنتاج. وتقدر غرفة الأدوية في اتحاد الصناعات أن الدولة لا توفر إلا في حدود 30 في المئة من احتياجات تمويل الصناعة. وقد تسبب هذا النقص في توقف العلاج لبعض المرضى وكذلك وقف إجراء بعض أنواع العمليات الجراحية ومنها عمليات القلب.
الدولار لا يسبب صداعا يوميا للأفراد فقط، بل انه يسبب صداعا للحكومة أيضا، منذ أن أصبح عملة نادرة، واضطرت أمام ذلك إلى تخفيضه عدة مرات بناء على نصيحة صندوق النقد الدولي، ومن المرجح تخفيضه من جديد وتغيير طريقة إدارة سعر الصرف ليصبح أكثر مرونة. ومنذ أن تبنت الدولة منذ عام 2016 سياسة الاعتماد على صندوق النقد الدولي لتوفير موارد تمويلية لاحتياجات التنمية ضعفت قدرة الاقتصاد على توفير قوة الدفع اللازمة لمحركات التنمية الرئيسية، مثل التصدير والاستثمار، وهو ما انعكس على ضعف صافي معدلات النمو الحقيقي، خصوصا في قطاعات الإنتاج السلعي، وأهمها الصناعات التحويلية غير النفطية. في الربع الأول من السنة المالية الأخيرة حقق الاقتصاد نموا بمعدل 4.4 في المئة في حين بلغ معدل نمو قطاع الصناعة التحويلية 1.3 في المئة. وعلى العكس من ذلك فإن صناعة تكرير البترول حققت نموا بمعدل 5.4 في المئة. حسب بيانات وزارة المالية. ويشير تقرير مؤسسة ستاندرد أند بورز بشأن قياس قوة النشاط الاقتصادي إلى استمرار الانكماش في قطاعات النشاط الاقتصادي الخاص غير النفطي في الشهر الماضي للشهر الـ 38 على التوالي، لأسباب تعود إلى عوامل سلبية محلية أهمها التضخم، وعوامل خارجية أهمها حرب غزة وتداعياتها.
في البدء كانت جائحة كوفيد عام 2020 ثم جاءت حرب أوكرانيا عام 2022 وبعدها طوفان غزة في أكتوبر من العام الحالي. وعلى الرغم من المساعدات التي حصلت عليها مصر من صندوق النقد الدولي، والتمويل الخارجي المتزايد من خلال عمليات الخصخصة، فإن تدهور مؤشرات الأداء الاقتصادي كان مقدمة لطلب مساعدة رسمية جديدة من الصندوق عام 2022 تمت الموافقة عليه في أواخر العام، لتحصل مصر على قرض تسهيلات ائتمانية ممددة بقيمة 3 مليارات دولار، حصلت على الشريحة الأولى منه بقيمة 347 مليون دولار في بداية العام التالي، ثم توقف بسبب فشل إجراء مراجعة الأداء الاقتصادي للتأكد من أن مصر تلتزم لتطبيق السياسة المالية والتقدير والتجارية المتفق عليها. وأدت الضغوط الاقتصادية الناتجة عن موقف الصندوق إلى فرض قيود شديدة على الاستيراد، وتدهورت بسرعة الموارد المالية بالعملات الصعبة، وأهمها تحويلات المصريين العاملين في الخارج، كما هبطت قيمة الجنيه رسميا، وزاد معدل هبوطها في السوق السوداء التي أصبحت الملاذ الوحيد تقريبا للحصول على الدولار لتمويل النشاط الاقتصادي الخاص. ومع أن سعر الدولار في السوق السوداء يعكس عامل المضاربة بما يعادل 30 في المئة من سعر السوق، فإن أسعار السلع في الأسواق كانت ترتفع بمعدلات أكبر وأسرع من سعر الدولار في السوق السوداء. وقد تجلى ذلك بصورة كبيرة في أسواق الذهب والسيارات والأجهزة المنزلية الكهربائية. وقد أدت تداعيات حرب غزة، وامتداد الصراع إلى جنوب البحر الأحمر، صدمة قناة السويس إلى تعميق أزمة شحة الموارد الدولارية وارتفاع الأسعار. وتقدر هيئة قناة السويس أن إيرادات مرور السفن هبطت في الشهر الماضي بنسبة النصف تقريبا، كما استمر ضعف حصيلة التحويلات عن طريق الجهاز المصرفي، وتراجع معدل نمو الصادرات بسبب تدهور أسعار الغاز وانخفاض كميات التصدير. وعلى الرغم من أن غرفة السياحة تتوقع تراجع معدل النمو في العام الحالي فإن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن إيرادات مصر من السياحة في العام الماضي زادت بنسبة 8 في المئة لتصل إلى 13.2 مليار جنيه، وذلك على الرغم من تداعيات زيادة حدة التوتر في المنطقة بسبب حرب غزة والحرب على اليمن.

غزة طوق النجاة

بسبب المديونية فإن الكلمة الأخيرة بشأن السياسة الاقتصادية هي لصندوق النقد الدولي، فهو أهم الدائنين، وهو الذي يمنح أو يمنع مصر من الحصول على شهادة صلاحية للاقتراض من أسواق المال العالمية. ويعترف الصندوق حاليا أن قوة الصدمات الخارجية زادت عن قدرة الاقتصاد المصري على التحمل، وأنه من الضروري أن يحصل على حزمة تمويلية بما يكفي لتحقيق الصمود الاقتصادي ومواصلة «الإصلاحات» المتفق عليها بين الطرفين في كانون الأول/ديسمبر عام 2022. وقالت كريستالينا غورغييفا المدير التنفيذي للصندوق في أول الشهر الحالي أن حصول مصر على قرض تمويل جديد من الصندوق أصبح «قريبا جدا» بعد نجاح المفاوضات بشأن إطار للسياسة الاقتصادية والمالية يضمن تحقيق الاستقرار والنمو. مديرة صندوق النقد الدولي أوضحت أن حرب غزة كانت السبب الرئيسي وراء تحفيز الصندوق إلى الدفع باتجاه حصول مصر على قرض ممدد على الرغم من وقف صرف مستحقاتها من قرض الـ 3 مليارات دولار. وقالت إن الحكومة المصرية لم تلتزم بنظام صرف مرن، ولا بتقليل دور الدولة والجيش في الاقتصاد. وذكرت أن فجوة النقد الأجنبي في مصر زادت بسبب حرب غزة وتأثر المرور في قناة السويس بالتوتر العسكري جنوب البحر الأحمر، وهو ما يستوجب تقديم حزمة تمويلية أكبر للمساعدة على سد الفجوة.

اتفاق على برنامج للسياسة الاقتصادية

وتجري حاليا مراجعة المذكرة التي أعدتها بعثة الصندوق في هذا الخصوص، ثم ستعرض على مجلس المديرين للموافقة عليها، وتحديد الإجراءات التالية. ومن المتوقع أن يكون القرار الأول للصندوق هو الإفراج عن الدفعتين المتأخرتين من قرض التسهيلات المادة بقيمة 700 مليون دولار تقريبا. ومن المرجح أن يوافق مجلس المديرين أيضا على حزمة تمويلية إضافية تشمل التزامات بواسطة دول ومنظمات دولية منها الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي إضافة إلى دول الخليج التي تتسابق على امتلاك أصول استثمارية ذات ربحية عالية.
هذه التدفقات المرتقبة تركت أثرا إيجابيا قويا على سعر الجنيه في السوق السوداء، بعد قرار رفع أسعار الفائدة بنسبة 2 في المئة إلى 22.25 في المئة بواسطة البنك المركزي، وإعلان صندوق النقد والاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات عزم كل منهم على تقديم مساعدات مالية في أشكال مختلفة إلى مصر في الفترة المقبلة. وفي هذا السياق هبطت قيمة الدولار في السوق السوداء إلى ما يتراوح بين 52 إلى 55 جنيها، مقابل ما يتراوح بين 72 إلى 75 دولارا في الأسبوع الماضي، أي بنسبة 28.5 في المئة، وهو ما يؤكد أن سعر السوق السوداء كان يعكس في جزء منه قوة المضاربات. وما يزال من المبكر أن نتوقع استقرار قيمة الجنيه حول متوسط سعر معين، نظرا لأن كل أطراف السوق، تعيش حالة من الترقب انتظارا لمعرفة قيمة التمويل الذي ستحصل عليه مصر من القنوات المختلفة، وما تقرره الحكومة بشأن سعر الدولار في الجهاز المصرفي، وما إذا كانت البنوك ستوفر الدولار بالسعر الجديد لرجال الأعمال أم لا. ونظرا لأن المخزون الحالي من السلع لدى التجار محسوب على أساس أسعار السوق السوداء حتى نهاية الشهر الماضي، فليس من المتوقع انخفاض الأسعار فورا إلا في قليل منها مثل الذهب وحديد التسليح، التي تعكس تحركات الأسعار اليومية في السوق. لكن الأسعار على المدى المتوسط ستحافظ على معظم الزيادات التي حدثت خلال الفترة الماضية، وإن كان معدل زيادة الأسعار سيقل في حال تمت إتاحة الدولار في المصارف، وإدارة سوق الصرف الأجنبي بمرونة كافية. وقد طلبت شركات الأدوية بالفعل زيادة الأسعار الرسمية للأدوية المنتجة محليا بنسب تتراوح بين 20 إلى 25 في المئة. وعلى العكس من ذلك فإن الجمعيات والاتحادات الزراعية تطالب بتخفيض أسعار الأسمدة والمبيدات والمستلزمات اللازمة للزراعة بعد أن قفزت أسعار بعضها بنسبة تزيد على مئة في المئة.

سياسة بديلة

بالأرقام لم يثمر تخفيض قيمة الجنيه المصري في حقل الصادرات. نشرة «عدسة» الصادرة عن الجامعة الأمريكية في القاهرة تابعت تأثير تخفيض الجنيه على الصادرات على مدى فترة 7 سنوات من عام 2016 إلى نهاية عام 2023 فوجدت ان السعر الرسمي للجنيه انخفض بنسبة 248 في المئة في حين أن قيمة الصادرات خلال الفترة نفسها زادت بنسبة 116 في المئة فقط. معظم الزيادة في قيمة الصادرات جاءت من تصدير الغاز الطبيعي، والزيادة الكبيرة في كميات وأسعار التصدير بسبب حرب أوكرانيا وفرض حظر أوروبي على استيراد الغاز من روسيا. هذه الحقيقة تترك تخفيض الجنيه بدون أثر تقريبا على الصادرات، حيث يتكون معظمها من سلع منخفضة القيمة المضافة مثل البرتقال والبطاطس والبصل. من ذلك يتضح أن أثر تخفيض قيمة الجنيه على تنافسية الصادرات منعدم تقريبا، بينما هو في الوقت نفسه يسهم مباشرة في رفع قيمة الواردات.
وبسبب شحة الدولار، وفي محاولة من الدولة للمحافظة على مستوى منخفض من العجز في الحساب الجاري، فإنها لجأت إلى تخفيض الواردات عن طريق فرض قيود إدارية على الاستيراد، بدءا من التحكم في منشأ السلع المستوردة والشركات المؤهلة للتوريد، إلى فرض قيود على الموافقات الاستيرادية. هذا أدى عمليا إلى تعثر الإنتاج، وركود القطاع الصناعي عموما، وارتفاع الأسعار في السوق بصورة مضاعفة نتيجة محصلة التفاعل بين شحة السلع في السوق وارتفاع سعر الدولار. وعلى الرغم من تقييد الاستيراد فإن قيمة الواردات زادت بنسبة 23.5 في المئة. وفسرت «عدسة» انخفاض قيمة الواردات في السنتين الأخيرتين بشحة الدولار في السوق المصرفية، وعدم قدرة المستوردين على تدبير النقد الأجنبي اللازم من خارجها. ومن ثم فإن الحجة التي يدفع بها صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة المصرية من أجل تخفيض الجنيه على اعتبار أن ذلك سيساعد على زيادة تنافسية السلع ذات المنشأ المحلي هي حجة فاسدة في جوهرها من الناحية العملية في مصر، حتى وإن احتفظت بوجاهتها النظرية.
الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة ووزير التموين الأسبق هاجم بشدة سياسة الصندوق نظرا لتداعياتها السلبية على مدار السنوات السبع الأخيرة، واقترح خطة للخروج من النفق الاقتصادي المظلم الذي تمر به مصر تقوم على تخفيض الطلب على الدولار عن طريق تخفيض الواردات بنسبة 20 في المئة وقال إن تخفيض قيمة الواردات بهذه النسبة يوفر لمصر حوالي 12 مليار دولار سنويا، وهو ما يتجاوز قيمة ما تطمح الحكومة المصرية من اقتراضه من الصندوق ومصادر التمويل الأخرى في المفاوضات التي اختتمت جولتها الأولى في نهاية كانون الثاني/يناير وما تزال جارية بين القاهرة وواشنطن. الأكثر من ذلك أن مصر تستطيع الحصول على ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في 3 سنوات إذا تم اعتماد النموذج الذي يدعو إليه الدكتور جودة عبد الخالق، أي 36 مليار دولار، وهو مبلغ يزيد عن قيمة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي المصري. كما تتضمن الخطة التي يدعو إليها وزير التموين الأسبق تخفيض العجز في الموازنة العامة للدولة إلى المستوى الآمن عالميا الذي يقدر بنحو 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عن طريق تخفيض الانفاق الحكومي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تقليل قيمة الاقتراض المحلي، والحد من ارتفاع سعر الفائدة على الجنيه. وانتقد الدكتور جودة عبد الخالق الإسراف الحكومي، والانفاق البذخي، وغرق الدولة في تنفيذ مشروعات لا تضيف شيئا إلى الجهاز الإنتاجي السلعي.
وعلى الرغم من أن هذه الأفكار طرحت في الحوار الوطني والمؤتمر الاقتصادي، فإن الدولة مضت في تنفيذ مشروعات مظهرية تفاخرية، أو من النوع الذي يطلق عليه البنك الدولي «مشروعات البرستيج» التي ترتبط على الأرجح باسم رئيس الدولة، أو تخدم الدعاية والتعبئة السياسية لصالح الحكومة الحالية لا أكثر. وقد طرح صندوق النقد الدولي خلال جولة المفاوضات الأخيرة التي جرت في القاهرة ضرورة إبطاء تنفيذ ما يسمى «المشروعات القومية» لتوفير السيولة الضرورية لتمويل احتياجات الجهاز الإنتاجي السلعي. وقد اتفقت الحكومة مع الصندوق على وقف إعلان أي مشروعات جديدة من هذا النوع، وإبطاء تنفيذ المشروعات التي لم تصل نسبة التنفيذ فيها إلى 70 في المئة وذلك خلال الفترة حتى نهاية السنة المالية الحالية، على أن يتم أخذ ذلك في الاعتبار في الموازنة العامة الجديدة للدولة 2024/2025 التي سيتم العمل بها اعتبارا من أول تموز/يوليو المقبل. إذا التزمت الحكومة بذلك وتم فعلا تخفيض الإنفاق على المشروعات المظهرية، فإن فعالية مثل هذا الإجراء ستتوقف على عاملين: الأول هو قيمة الوفر الناتج عن تخفيض الانفاق. والثاني هو كيف ستتصرف الحكومة في استخدام هذا الوفر. بمعنى آخر فإن الحكومة في حاجة إلى سيولة كبيرة خلال السنة المالية الحالية والسنة المقبلة لسداد أعباء الديون، بينما تشغيل القطاع الإنتاجي وتمويل الواردات الضرورية يحتاج أيضا إلى سيولة كبيرة. وسيكون هناك تنافس حاد بينهما على السيولة المتوفرة خلال الـ 17 شهرا المقبلة، سوف تحسمه الحكومة بقراراتها، وهو ما يعيد المسؤولية إلى ملعب الحكومة وتفضيلاتها في توجيه السيولة إلى قنوات الانفاق المختلفة.

تخفيض الاستثمارات العامة

وافق مجلس الوزراء المصري في نهاية الشهر الماضي على مشروع قرار لترشيد الانفاق الاستثماري وفق ضوابط منها خفض تمويل الخزانة العامة بالخطة الاستثمارية للسنة المالية الحالية بنسبة 15 في المئة من الاعتمادات المستهدفة. وجاء في البيان الصادر عن الاجتماع أن الضوابط تتضمن أيضا تأجيل تنفيذ المشروعات المدرجة بالخطة خلال العام السابق أو العام الجاري، وذلك بحظر إبرام أية تعاقدات على تلك المشروعات سواء بالأمر المباشر أو المناقصات العامة حتى نهاية السنة المالية الحالية. كما تضمنت الإجراءات التي تمت الموافقة عليها عدم البدء في أية مشروعات جديدة في العام الحالي، وإعطاء الأولوية لاستكمال المشروعات المكتملة بنسبة 70 في المئة أو أكثر والمتوقع تنفيذها خلال السنة المالية الحالية، وذلك في ضوء الالتزام بالتوجيهات الخاصة بترشيد الانفاق وخفض سقف الدين الخارجي، وحظر التعاقد على أي تمويل خارجي، أو البدء في أي مشروع حتى من خلال مكون محلي يترتب عليه قرض أو مكون أجنبي إضافي.
كما وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار بإلغاء الإعفاءات من الضرائب والرسوم المقررة لجهات الدولة في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية. هذه القرارات تتعلق بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة، وقد لا تنطبق على الجهات خارجها، وهو ما يطرح علامات استفهام حول جدوى القرارات بالنسبة للمشروعات المركزية خارج موازنة الدولة، ومنها على سبيل المثال مشروع العاصمة الإدارية. وإذا أردنا تحديد مفاتيح السياسة الاقتصادية منذ عام 2016 في كلمات قليلة فهي تخفيض الجنيه، ورفع سعر الفائدة، وزيادة الاقتراض، وكثرة اللجوء لطلب الودائع الخليجية وتجديدها، وتقديم كل المزايا لشركات النفط الغاز للتنقيب في امتيازات واسعة، وتحويل الأملاك العامة إلى أملاك خاصة للدولة ونقلها إلى تبعية الصندوق السيادي، وخلق سيولة مصطنعة بزيادة كمية النقود المتداولة في السوق، الأمر الذي يسفر عن زيادة كبيرة في معدل التضخم، والتوسع في خصخصة المشروعات بالبيع لمستثمرين أجانب للحصول على سيولة أجنبية.
ومع أن الحكومة أعلنت انها تلتزم سياسة تخفيض الاستثمارات العامة، فإنها قررت في اجتماع يوم الأربعاء الماضي زيادة الانفاق على الأجور والمعاشات والمرايا الاجتماعية لمساعدة أصحاب الدخل المحدود والدخل الثابت على مواجهة ارتفاع الأسعار. وسوف تؤدي هذه الزيادات إلى إشعال موجة تضخم جديد، خصوصا وان التمويل يتم بزيادة العجز في الموازنة وليس باستخدام موارد حقيقية.
سوق الدولار يسجل تراجعا مثيرا وسريعا في الوقت الحاضر لثلاثة أسباب: الأول الحملات الأمنية التي تستهدف تجار العملة، والثاني هو اتجاه المضاربين إلى التخلص مما في حوزتهم من دولارات خشية انحسار السوق السوداء في حال تطبيق نظام صرف مرن، والثالث هو أن القفزات السريعة في سعر الدولار في الأسابيع الأخيرة كانت تحمل بصمات المضاربة أكثر من التعبير عن الأسعار الحقيقية. ومع ذلك فإننا يجب أن نقول في الوقت نفسه أن السوق ما تزال تعاني من القلق وعدم اليقين بشأن السياسات المقبلة التي ستتبعها الدولة، وكمية ونوع المساعدات المالية التي ستحصل عليها مصر من الصندوق والشركاء. كما أن انخفاض أسعار الدولار لن ينتقل بسهولة إلى أسعار السلع الاستهلاكية. أخطر ما يهدد الوضع الاقتصادي في أي بلد هو أزمة الثقة في السياسات الحكومية من جانب القطاع الخاص والأفراد؛ فالثقة أهم العوامل غير الاقتصادية التي تؤثر بقوة على النشاط الاقتصادي. وسيكون سلوك الحكومة المصرية في إدارة السيولة الجديدة التي ستحصل عليها من الخارج خلال الأسابيع والأشهر المقبلة معيارا أساسيا في الحكم عليها ومدى الثقة في حسن إدارتها للاقتصاد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية