مشروع الحكومة الذي لم يجد من يدافع عنه

حجم الخط
2

هذا ما حصل بالفعل منذ أسبوع تقريبا عندما اتصل بي مُعد حصة سياسية في قناة تلفزيونية أجنبية، للمشاركة في نقاش حول قرار القضاء الجزائري بحل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، لأكون الطرف المقابل لممثل الرابطة الذي كان قد قرر في وقت سابق ترك الجزائر والإقامة في فرنسا، على غرار بعض مناضلي حقوق الإنسان وقياديي الرابطة، الذين تبين لهم مع الوقت أنه لم يعد في مقدورهم النشاط بحرية في هذه الجزائر الجديدة التي يعد بها الخطاب الإعلامي -السياسي الرسمي.
بينت لمعد الحصة، أن تدخلي سيكون في صف الدفاع عن الرابطة، وضد قرار حلها وبالتالي عليه البحث عمن يمثل موقف الحكومة ويدافع عن حل الرابطة في هذه الحصة الحوارية، التي يفترض فيها وجود وجهتي نظر مختلفتين. فوجئت وأنا استمع لمعد الحصة وهو يخبرني، أنه اتصل بالكثير من الأسماء المعروفة والمتعودة على الظهور على القناة – أساتذة جامعيين ونواب برلمانيين وبعض الإعلاميين القريبين من السلطة – لكنهم تحفظوا عن المشاركة بحجج مختلفة من قبيل اتركني أفكر وأرد عليك لاحقا.. أنا مسافر خارج العاصمة.. سأكون مشغولا هذا المساء، إلخ. ليجد منشط الحصة نفسه وحيدا مع طرف واحد بدل اثنين تفترضهم فكرة الحصة الحوارية.

مواقف شعبوية يمكن أن تتغول، إذا غاب سد النقابات الذي يقف أمامها وزاد الاعتماد على الوفرة المالية المؤقتة لرشوة فئات واسعة من الجزائريين

لأول وهلة قلت لنفسي إن هذا التمنع عن المشاركة قد يكون مؤشرا إيجابيا لدى هذه النخب، التي لم تجد الشجاعة السياسية الكافية للدفاع عن حل الرابطة، وهي المتعودة على الاستماتة في الدفاع عن الحكومة ومجمل قرارات النظام، بغثها وسمينها، بما فيها التوجهات المعادية لحريات وحقوق الجزائريين، التي بدأت في البروز بقوة أكثر هذه الأيام، على غرار ما حصل مع قناة مغرب – إمرجان من غلق وسجن للصحافي قاضي إحسان، وحل الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، وما تعرضت له جمعية ـ راج – وحزب العمال الاشتراكي قبل ذلك، وما ينتظر حزب الحركة الاجتماعية والديمقراطية المهدد بالتجميد، وأخيرا محاولة تمرير تعديل القانون المنظم للعمل النقابي وحق ممارسة الإضراب، الذي قوبل برفض نقابي وعمالي واسع عند نزوله هذا الأسبوع إلى الغرفة السفلى للمصادقة عليه، بعد تأجيل مناقشته أكثر من مرة من قبل مجلس الوزراء، الذي طالب بتنقيحه وهو يرجعه للحكومة التي داخت في التعبير القانوني عن هذه التوجهات السياسية الجديدة المعادية لحقوق الجزائريين، التي يراد تكريسها داخل النص القانوني بشكل رسمي هذه المرة، لأول مرة في تاريخ البلد. رفض وصل هذه المرة إلى المركزية النقابية المتعودة على مهادنة الحكومة والقبول بسياساتها الاجتماعية، بعد أن فقدت مع الوقت حسها النقابي المطلبي، في مقابل موقف معارض عبرت عنه بشكل أكثر وضوحا، كما علمتنا ذلك التجربة النقابية الوطنية، اتحادات ولايتي منطقة القبائل – بجاية وتيزي وزو – وبعض نقابات المؤسسات الصناعية الكبرى صاحبة التقاليد النقابية المطلبية كالحجار، التي ما زالت هيكليا تابعة للاتحاد.
زيادة بالطبع على الموقف التقليدي الرافض للنقابات المستقلة، لهذا التعديل الذي عبرت عنه بشكل جماعي عن طريق كونفدرالية النقابات المستقلة، وعن طريق بيان يحمل الكثير من شرارات الغضب وتوقع المزيد من الاستقطاب في علاقات هذه النقابات التي تسيطر على قطاع التوظيف العمومي الحساس سياسيا، وهي النقابات التي ارتكزت على مبدأ الحريات النقابية والتعدد لتبرير حضورها ومنح شرعية لوجودها، الذي لم تقبل به السلطات بشكل عملي لحد الآن، رغم مرور ثلاث عقود على الاعتراف على الورق بالتعددية النقابية في البلد. يأتي مشروع التضييق على الحريات النقابية هذا، الذي استنكرته عدة جهات نقابية دولية وقوى حزبية وطنية في الداخل، في وقت تعيش فيه الحركة النقابية الوطنية بسرعات ثلاث، اختارت التعديلات المقترحة التعامل مع سرعة واحدة، ما زالت حاضرة في القطاع العمومي التي تكاد تضمحل إذا استثنيا القطاعات الريعية – بترول ونقل جوي – والنقابات المستقلة المتهمة بتسييس العمل النقابي وحتى تحزيبه، بإضراباتها الطويلة المعتمدة على مبدأ التضامن العمالي، تكاد تكون المستهدفة بهذا التعديل.
في إهمال واضح للتجربة النقابية في القطاع الخاص، التي تكاد تختفي رغم قوة حضورها العمالي الواسع، الذي أصبح من دون تمثيل نقابي فعلي، نتيجة فشل المركزية النقابية في التوسع داخل القطاع الخاص، وهي المتعودة على القطاع العام ورب عمله الدولة الوطني كمحاور وشريك، عكس رجال الأعمال المالكين للقطاع الخاص المعادين في عمقهم للعمل النقابي. على الرغم من أن عاملين من ثلاثة عمال في الجزائر يشتغلون في هذا القطاع الخاص الذي توسع بعد انطلاق الخصخصة.
تعديل مشروع نقابي يستغل الفراغ السياسي الذي تعيشه الجزائر والغلق الإعلامي الذي عملت السلطة على تكريسه، في وقت زادت فيه المواقف النقدية والمعادية للفكرة النقابية في الجزائر بين النخب السياسية والفكرية، وهي تتجه يمينا، تأكيد للتوجه العالمي السائد الذي لم يعد عالم الشغل المنظم مركز تفكيره، كما كان في السابق، مفضلا عليه توجهات شعبوية تجد من يدعمها على رأس السلطة وفي قاعدة هرم المجتمع، الذي يشترك في بعض الأحيان في الموقف النقدي من الحركة النقابية على الأقل، كما عرفها أو سمع بها في القطاع العمومي القديم في ظل الدولة – الحزب الذي عاشته الجزائر لعقود بعد استقلالها. مواقف شعبوية يمكن أن تتغول في الحالة الجزائرية، إذا غاب سد النقابات الذي يقف أمامها وزاد الاعتماد على الوفرة المالية المؤقتة لرشوة فئات واسعة من الجزائريين، لم تترسخ لديهم بشكل كاف فكرة العمل الجماعي السياسي والنقابي المنظم، بدل الحلول الفردية المقترحة عليهم، التي تروج لها الفكرة الشعبوية التي تقوم في الواقع كقرار سياسي رسمي بالتخلص من كل القوى السياسية المنظمة التي كان لها دور مؤثر اثناء الحراك الشعبي، علما بأن تقديم هذه التعديلات يحصل هذه الأيام، من دون أدنى نقاش مع النقابات، وفي غياب أي حوار اجتماعي، لم يعد ممكنا في غياب حياة إعلامية وطنية لم تعد قائمة، بعد غلق أهم الجرائد والتضييق على ما تبقى منها، ليترك المجال واسعا للذباب الإلكتروني الذي تحول إلى فاعل إعلامي أساسي، على الرغم من أهمية هذا النص المؤسس الذي يهندس للدولة الاجتماعية في الجزائر، التي يمكن أن تنتكس كفكرة وممارسة إذا سادت هذه التوجهات الاجتماعية والسياسية الثقيلة على المدى المتوسط والطويل، قد تتحول خلالها معركة التعديلات القانونية إلى مواجهة بين الحكومة والنقابات بمختلف تنظيماتها ستعيش الجزائر على وقعها في هذا الشتاء البارد والممطر.
كاتب جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صالح/الجزائر:

    1)- الحكومة ، بوسائلها المتعددة والمختلفة ، ليست في حاجة لمن يدافع عنها ، لكن لا بد أن هناك من لديه الاستعداد (الفطري) للدفاع (بدون مقابل ؟) عنها ، وعن غيرها ، وخاصة إذا كان الظهور على الشاشة مضمونا .
    منقسمة لعدة أجنحة وملغمة بالصراعات الحزبية والمعوقات الإدارية ، فإن أقدم منظمة حقوقية في الجزائر (LADDH) للراحل ، علي يحيى عبد النور ، والتي اعترفت بها السُلطات الجزائرية رسميا سنة 1989 ، تمر بأزمة داخلية لا نهاية لها. هناك على الأقل ثلاثة أجنحة تستغل شعار “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” (LADDH) ، جناح زهوان وجناح بوشاشي (بن يسعد) وجناح دبوز .. ، فعن أية منها يدور الحديث ؟ .
    ممثل الرابطة (LADDH) قرر في وقت سابق ، “على غرار بعض مناضلي حقوق الإنسان وقياديي الرابطة” ، “ترك الجزائر والإقامة في فرنسا” ، ل”أنه لم يعد في مقدورهم النشاط بحرية في هذه الجزائر الجديدة” ، أي أن بعض “المنظمات” و”الأحزاب” و”المعارضات” .. تُستغل كطائرة أو باخرة .. ل”ترك الجزائر والإقامة” هناك ، (مثل الجندي الذي لم يقتنع بقائده ويقرر ترك المعركة ويهرب)

  2. يقول صالح/الجزائر:

    2)- الجزائري بحل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” ولكنه لم يقرر “ترك الجزائر والإقامة” هناك ، لأن الجزائر ليست حكرا على “الحكومة” فقط .
    لماذا الاندهاش إن كانت كثير من الأسماء المعروفة والمتعودة على الظهور على القناة – أساتذة جامعيين ونواب برلمانيين وبعض الإعلاميين القريبين من السلطة – تحفظوا عن المشاركة في الحصة السياسية ؟ إن كانوا ربما يعرفون ماهية القناة ونواياها ولذلك رفضوا المشاركة لاستغلالهم للحديث عن “الانهيارات” المتبادلة بين الجزائر وفرنسا ، والحديث عن الهاجس الوحيد ل 45 مليون جزائري : المغادرة والفرار و“الذهاب إلى أين؟ إن لم يكن إلى فرنسا ..” .
    كل دولة تطبق قوانينها وليست قوانين دولة أخرى . على الصحفيين الجزائريين أن يمتثلوا لقوانين الجزائر ، حتى ولو كانت تجبرهم على رفض المساعدات الأجنبية .
    صحيفة ليبيرتي (“Liberté”) ، التي يملكها أغنى مستثمر في الجزائر ، توقفت عن الصدور بسبب “الضائقة المالية؟” ، فمن أين تأتي أموال راديو م وقناة مغرب – إمرجان ؟ .
    هل الإضراب الأخير مثلا ، في بعض مراكز البريد ، بعد قرار “الحكومة” رفع الأجور من 4500 إلى 8500 د ج ، منطقي ومقبول ، ولا علاقة له بالصراع السياسي والحزبي و.. الجهوي ؟ .

إشترك في قائمتنا البريدية