مسلسل «فراولة»: كوميديا خفيفة بعيداً عن الرثاء والدموع

من بين المُسلسلات التي دخلت سباق المنافسة في النصف الثاني من شهر رمضان، مسلسل «فراولة» بطولة نيللي كريم وشيماء سيف وأحمد فهيم وحجاج عبد العظيم وصدقي صخر وعُلا رشدي ودنيا سامي، وهو حالة كوميدية مُختلفة يحاول من خلالها المخرج محمد علي استغلال قُدرات البطلة على نحو مُغاير لأدوارها التراجيدية السابقة، التي اشتهرت بها طوال السنوات الماضية كمسلسل «ذات» ومسلسل «سجن النساء» ومسلسل «الحارة» و»هدوء نسبي» و»سقوط حُر» و»اختفاء» وغيرها، حيث أجادت التعبير عن هموم الطبقة الكادحة والطبقة المتوسطة ومعاناتهما، فصُنفت بموجب النجاح الكبير الذي حققته كمُمثلة جادة تفصلها مسافة شاسعة عن الأدوار الكوميدية الخفيفة، التي تُثير الضحك وتبعث المرح، باستثناء دورها الوحيد في المسلسل الكوميدي «بـ 100 وش».
لذلك يُعد توظيف المخرج محمد علي لها بمثابة إعادة اكتشاف ومحاولة للتجديد بشكل مُطلق في مسيرتها الفنية، وإضافة نوعية لرصيدها الإبداعي، وبالطبع كان للنص الدرامي، الذي كتبه محمد سليمان عبد المالك تأثير مهم في تفعيل طاقات نيللي كريم الكامنة، فمن خلال ما يُكتب للمُمثل من أدوار مناسبة وملائمة يتم الوصول إلى النتائج الأفضل في الأداء وهو الشيء المُنتظر دائماً من الفنان الموهوب، الذي يعي طبيعة ما يقدمه للجمهور وما يستطيع إقناعه به.
«فراولة» هو عنوان المُسلسل الذي تقوم فكرته على الإيهام واستغلال القُدرات الخاصة في اللعب على مشاعر العامة والبسطاء من الناس، كي يتغلبوا على مخاوفهم ووساوسهم وقلقهم تجاه المُستقبل، وهذه الإشكالية عادة ما ترتبط بالمستوى الاجتماعي المُتدني، والجهل الذي يسهل على المُحتال أو الدجال مهمته في المُتاجرة بهموم زبائنه ومريديه، وقد تم مُعالجة هذه القضية بأشكال عديدة في السينما، وهناك أعمال شهيرة لنجوم كبار مثل فيلم «البيضة والحجر» لأحمد زكي و»يا أنا يا خالتي» لمحمد هنيدي. ولأن حكايات الدجل والنصب مُتكررة وثرية درامياً وإبداعياً، يجري دائماً التنويع عليها بوصفها من الأعمال الفاتحة للشهية، والمُثيرة للاهتمام، لذلك لا غرابة في أن تُعاد صياغتها في شكل حلقات مُسلسلة مع إدخال بعض التعديلات والتطويرات على النص ليُصبح أكثر براحاً في تناوله لمشكلة الدجل والشعوذة وما يُسمى بنظرية تفعيل الطاقة الإيجابية. وتنتقل أكثر الفنانات تراجيدية من مربعها الأصلي لتُصبح بطلة لعمل خفيف يُعالج الظاهرة بطريقة تمتزج فيها الكوميديا بالهم الاجتماعي، ويتم رصد أوجه التحايل والانتهازية، والوصول عبر قراءة الفنجان وادعاء الإحاطة بالأسرار الكونية إلى أعلى درجات السُلم الاجتماعي، هروباً من الفقر والعوز وضيق ذات اليد وتعويض الحرمان.
في مسلسل «فراولة» يُدلل الكاتب على انطلاء خدع النصب والاحتيال على المجتمع ويُبرز دور الدجالة فريدة أو فراولة «نيللي كريم» كعنصر نسائي نشيط شديد الذكاء تمتلك مقومات الاستمرار والصعود، وتنجح في التكسب من مهنة قراءة الفنجان والمراوغة والنصب، إلى أن تصل بفضل استجابة السُذج والمُنقادين للوهم إلى مكانة اجتماعية مرموقة، فتصير فريال ابنة حارس العقار البسيط، واحدة من علية القوم لها حيثية ويُحسب لها ألف حساب في ظل استغراق السواد الأعظم من الناس في المشاكل وعدم قدرتهم على حلها بالطُرق المنطقية السليمة. ويهدف الكاتب محمد سليمان عبد المالك من الفكرة، حسب ما تنبئ به الأحداث، الإشارة إلى الفوضى وانعدام ثقة الفرد في الحصول على حقه في الترقي والحياة الكريمة، إلا بالفهلوة وإعمال الذكاء الفطري، في ما يُدر عليه المال ويُحقق له الشهرة والثراء بأسرع الوسائل ولو كانت غير مشروعه. وهذا هو المُنعطف الخطر الذي يقف فيه الكثيرون من أصحاب المواهب والمهارات والطموح الجامح الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الدخول في النفق المُظلم وخسارة ما تم الحصول عليه من مُكتسبات في رحلة الضياع البادئة من نقطة الصفر والمُنتهية عند النقطة نفسها!
وبعيداً عن الحدوتة الدرامية وتفاصيلها المشوقة، نجد أن اللافت في المُسلسل برمته هو ذلك التعميق الإنساني لمأساة البطلة، التي تداعبها أحلام الشهرة والنجومية فتدمن النصب وتحترفه، وتُصبح بين عشية وضُحاها إحدى الشخصيات المؤثرة بقوة في تسيير حياة بعض المُنخدعين فيها الواثقين في مهاراتها الوهمية، وأكاذيبها ومُعجزاتها المُلفقة تحت تأثير شهرتها الطاغية، وذيوع صيتها في السوشيال ميديا، تلك التي أصابت نماذج كثيرة من المُستسلمين للغواية بالخلل وفقدان البوصلة جراء تأثرهم المرضي بجنون الترند.
لقد انتقلت نيللي كريم بفضل شخصية فراولة أو فريال من مستواها التقليدي في الأداء التراجيدي والنفسي إلى مستوى آخر أكثر أريحية، رغم أنها ليست الكوميديانة المناسبة تماماً للدور، وإنما يُمكن قبولها في إطار التنوع والاجتهاد واحتواء الشخصية التي تقوم بتجسيدها على مزايا إنسانية أكثر منها كوميدية في كثير من المواقف، وهذا ما يغفر لها بعض الهنات إذا ما فلت منها مشهد ما أو عدة مشاهد. لقد نجح المخرج محمد علي في الاستفادة من قُدرات بقية الأبطال والمُمثلين المساعدين السابق ذكرهم، شيماء سيف وأحمد فهيم وحجاج عبد العظيم وعُلا رشدي وصدقي صخر ودنيا سامي وتمكن فعلياً من إحداث التوازن المطلوب، بين الأدوار المُختلفة كي لا تُصبح فراولة فقط هي محور الأحداث ومحل الأنظار.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية