المسؤول الأممي عبدالله الدردري: تكلفة إعادة إعمار غزة لن تقل عن 40 مليار دولار… واستمرار الحرب يفجر الوضع في المنطقة

سليمان حاج إبراهيم
حجم الخط
0

الدوحة- “القدس العربي”:

يؤكد عبد الله الدردري الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير الإقليمي للدول العربية في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، على خطورة ما يحدث في غزة، وتأثير ذلك على استقرار الأوضاع في المنطقة، وإمكانية تفجيره في أي لحظة، محذرا من استفحال الأزمة، مع تأكيده على أن إنهاء الصراع في فلسطين سيسهم في رخاء المنطقة، وأن يعيش الجميع في سلام.

ويشدد المسؤول الأممي على أن الوضع في غزة بسبب الحرب كارثي، والقطاع تدهور وضعه عقوداً للوراء، وهو بحاجة لنحو 40 مليار دولار لإعادة البناء وهي المهمة التي أكد على ضرورة التخطيط لها مسبقاً، توازياً والجهود الرامية لإنهاء الحرب.

واعتبر الخبير الاقتصادي الأممي أنه لو أعيد إعمار غزة بالطريقة التقليدية يستغرق الأمر مائتي عام.

وتحدث المسؤول الأممي، الذي قابلته “القدس العربي” خلال زيارة عمل لقطر، عن الوضع الكارثي في غزة مع التأكيد أن نحو 70% من سكان غزة يعانون نقصاً خطيراً في المواد الغذائية، يصل إلى مرحلة الجوع.

وحلل عبد الدردري الخبير الاقتصادي الذي عمل في دول عدة، آخرها أفغانستان قبل التوجه إلى نيويورك، مؤشرات التنمية في المنطقة العربية التي قال إنها بحاجة إلى استراتيجية شاملة وتخطيط متكامل، مع التوصية باعتماد برنامج للتعافي في مناطق الدول المجاورة لفلسطين.

عند النظر إلى خريطة المنطقة نرى بوضوح بؤر توتر عديدة، من غزة إلى السودان إلى لبنان، إلى اليمن وإيران وغير بعيد عنها أوكرانيا، كهيئة أممية، كيف تنظرون إلى هذه الأزمات؟

نحن ندرس ونتابع ونرصد هذه التوترات الشديدة وأحياناً العنيفة والدموية، لأنها أولاً تعطل التنمية في المنطقة، وثانياً هي تؤدي إلى حالات لجوء ونزوح واسعة. وثالثاً هي تسبب ضغوطاً ديمغرافية على اقتصادات المنطقة، لأنها تضعف ثقة المستثمر المحلي والدولي، وتبعد رؤوس الأموال عن المنطقة. ورابعاً هي تضعف الروابط اللوجستية والبنى التحتية الضرورية لتطوير التجارة والاستثمار. كما أنها تؤثر على النظام المالي والمصرفي وثقته بالعمل في المنطقة. فالمحصلة نجد أنه لها آثار كارثية.

ماهي مهمتكم الأساسية للتعامل مع هذا الوضع الصعب؟

مهمتنا أن نعمل من أجل تخفيف الآثار السلبية للنزاعات في المنطقة أولاً، وثانياً لضمان استمرار الحد الأدنى من الحياة بمعناها الاقتصادي والتنموي حتى تحت ظل النزاعات. فأثناء النزاعات الاتجاه الأول هو تأمين المعونات الإنسانية، لكن هذه المعونات الإنسانية غير مستدامة، ولابد من الحفاظ على حد أدنى من الإنتاج الاقتصادي والاجتماعي وفرص العمل والمعيشة.

مثلاً في السودان اليوم نعمل على إعادة إحياء الزراعة في المناطق التي بوسعنا تنفيذ ذلك، بدلاً من جلب الغذاء إلى السودان، من خلال المساعدات الإنسانية. لأن السودان بلد منتج للغذاء ولا يجب أن يعتمد على المساعدات الإنسانية، ولكن بسبب الحرب هناك حالة مجاعة لملايين السودانيين، فلابد من تقديم المعونات الإنسانية.

لكن قبل الوصول لتقديم المعونات الإنسانية هل هناك دور استباقي لحل هذه الأزمات؟ فإذا كانت الهيئات الأممية عاجزة عن تحقيق الأمان كيف يمكن تحقيق هذا الاستقرار؟

لابد أن نكون واضحين في الأدوار، أولاً مسؤولية الأمن والسلام في أي بلد تقع على عاتق حكومة هذه الدولة، والأطراف المتنازعة، فهم من يتحملون المسؤولية الأولى والأخيرة، ولا يمكن لأي طرف أن يتنصل من مسؤوليته، علماً أن مسؤولية تحقيق التنمية في هذه البلدان هي مسؤولية حكوماتها وشعوبها. ونحن نعمل ضمن الظروف المتاحة، فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي على سبيل المثال لا يمكن أن ينتظر تسوية سياسية متكاملة في السودان، حتى يشرع في العمل على تعزيز قدرة الناس على الصمود. نقول ذلك ونحن نتحسر على هذا الأمر. وكنا نتمنى أن نعمل في السودان على سبيل المثال، وغيرها من هذه الدول لإطلاق برامج تنموية واسعة في ظل السلام. وإذا لم يحصل هذا، فلا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي.

أشرت أن مسؤولية ضبط الأمان تتحمله الدول أو من يشرف عليها، لو أسقطنا الأمر على القضية التي تشغل حالياً بال العالم، وهي الصراع في فلسطين المحتلة، والحرب على غزة، كيف ترون ما يحدث في القطاع؟

ما يحدث في غزة، حرب تدميرية أوصلت 70% من سكان غزة إلى حافة الجوع، ودمرت أكثر من 70% من جميع مساكن غزة، وأعادت الاقتصاد الغزاوي عقدين إلى الوراء على الأقل، ودمرت 25% من الناتج المحلي الفلسطيني، وليس فقط الغزاوي. ومجلس الأمن الدولي أصدر قراراً يطالب فيه بوقف إطلاق النار، كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عملت على ذلك، وأصدرت ما يكفي من القرارات، ومعظم دول العالم تدعو إلى وقف إطلاق النار. ولكن الآن هذا الأمر يتجاوز صلاحيات برنامج الأمم المتحدة، أو برنامج الغذاء العالمي أو مستوى المنظمات الإنسانية، وغيرها. نحن لا نستطيع أن نتدخل في هذا الشق، رغم أننا دعونا منذ اليوم الأول للحرب، أنه أي لحظة تأخير في وقف إطلاق النار، ستكلفنا الكثير لاحقاً في إعادة الإعمار.

من الطرف المسؤول عن هذا التأخير؟

مجلس الأمن دعا إلى وقف لإطلاق النار، والجمعية العامة دعت إلى وقف إطلاق النار، ولكن لا استجابة لهذه الدعوات، وهذا هو الواقع، ونحن مؤكد لا نستسلم لهذا الواقع ولن نتوقف عن العمل. فنحن الآن نعمل في غزة على إدارة الركام وإدارة النفايات الصلبة. ونحن نعمل أيضًا على تقديم الدعم للعاملين في قطاع الصحة لكي يستمروا في تقديم الأدوية في المشافي المتبقية في غزة. نحن أيضًا نعمل على دعم الشركات الصغيرة في غزة لمساعدتها في إزالة الركام. كما أنه لدينا محطات تعمل بالطاقة الشمسية لتحليل المياه وتأمين مياه نظيفة. أنا أقول إنه يجب علينا عدم اليأس من العمل التنموي في غزة بسبب الحرب.

أنتم على مستوى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، كيف ترون وضع غزة بالأرقام؟

في مجال التنمية البشرية، فإن مؤشرات الصحة والتعليم في غزة قد انخفضت إلى مستوى الثمانينيات من القرن الماضي. إذا قررنا إعادة إعمار غزة بالطريقة التقليدية، فقد يستغرق ذلك أكثر من مائتي عام، ونحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات. لذلك، يجب أن تكون عملية إعادة إعمار غزة تحت قيادة فلسطينية وملكية فلسطينية ومن خلال المجتمعات المحلية، باستخدام تقنيات وأساليب تمويل متطورة جدًا. فلا يمكننا الانتظار لمدة أكثر من مائتي سنة لتحسين الوضع في غزة.

فحالياً نجد أنه من بين البلديات الثلاثين في غزة، تقريبًا ستة وعشرين بلدية فقدت آلياتها ومعداتها ولا يمكنها القيام بأدوارها، وما زال هناك واحد وعشرون شخصًا يعملون في البلديات الستة والعشرين الآن. لذا، فإن الخدمات البلدية تم تدميرها بشكل كبير، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليمية، وهذا ما يعكسه مؤشر التنمية البشرية الذي يشير إلى انخفاضها إلى مستوى الثمانينيات من القرن الماضي. بالإضافة إلى ذلك، هناك عشرات آلاف الضحايا والجرحى. ونحن لم نشهد هذه الأرقام من قبل. فحجم الدمار في المساكن مروع.

ما تقديراتكم الأولية لحجم الخسائر في غزة؟

تقديراتنا الأولية تشير إلى أن قيمة المدمر يعادل أكثر من 18 مليار دولار وفقًا لتقرير صدر عن الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي. ولكن هذه قيمة ما دمر بتقييمات الكلفة.

ماذا عن تقديرات إعادة الإعمار؟

تقديراتنا المبدئية، أنه إذا توقفت الحرب اليوم، فإن تكلفة إعادة الإعمار لن تقل عن 40 مليار دولار، لكن من سيؤمن 40 مليار دولار؟ وكيف سيتم تنفيذ العملية؟ وبأي سرعة؟ هذه التحديات لابد من التعامل معها، فإذا كنا نعاني من الصعوبات في إدخال حاويات القمامة، (منعنا من إدخال حاويات قمامة معدنية ومطلوب أن تكون من البلاستيك) فكيف سنعيد بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية؟ وطبعا إدخال مواد البناء، والمعدات الثقيلة للبناء، ومركبات البناء، وغيرها، لهذا لدينا تحدي أن نخطط من اللحظة لإعادة البناء، ووضع الخطط التفصيلية.

أليس هذا سابق لأوانه والحرب لم تضع أوزارها؟

أنا برأي أننا متأخرون، فنحن نحتاج إلى أشهر طويلة لاستكمال التخطيط للتعامل مع هذا الواقع، ويجب أن نكون جاهزين من اللحظة الأولى، وهناك حديث عن تأخر في الاستجابة لما يحدث في غزة. لكن لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن آلة الحرب لا تتوقف، فنحن في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لدينا 35 موظفاً في غزة، ورأينا ما جرى للأونروا، ودمر مبنى المقر الذي نعمل فيه في غزة، وهي تحديات يجب أن نواجهها.

العديد من التقارير تشير إلى انعدام الأمن الغذائي في غزة، كيف تتعاملون مع هذا الواقع؟

70% من سكان غزة يعانون نقصاً خطيراً في المواد الغذائية، يصل إلى مرحلة الجوع، ومعرضون لحالة جوع، حد المجاعة. ونحن على أبواب كارثة لم نشهدها من قبل، ومع ذلك آلة الحرب مستمرة وقدرتنا على إيصال المساعدات الإنسانية والمساعدات التي تسمح بتعزيز صمود الشعب الفلسطيني محدودة للغاية.

أشرت إلى أن سكان غزة على حافة مجاعة، كيف ترون تصريحات بعض الدول، على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزعم أنه لا توجد مؤشرات للمجاعة في غزة؟

سيدي برنامج الغذاء العالمي هو المرجعية العالمية في موضوع الأمن الغذائي في العالم، ولديه درجات لتحديد مؤشرات التغذي، (IPC-1 و IPC-2 و IPC-3 و IPC-4 و IPC-5)، وهو يتحدث عن خطر المجاعة المطلقة، لأن 70% من سكان غزة في الدرجة الرابعة، أي ما قبل الأخيرة من المجاعة المطلقة. ولا أعرف من أين يأتي البعض بهذه المعلومات، هذه المؤشرات التي أشرنا لها عن المجاعة في غزة، وثقتها الأمم المتحدة، ولا يستطيع أحد أن يخالف برنامج الغذاء العالمي في تقديراته. ومؤخراً أصدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أيضا تقريرها عن وضع الأمن الغذائي في غزة، وصنفته أنه وضع كارثي بكل المعايير.

يضاف لذلك أن 55% من الثروة الحيوانية في غزة قتلت، ومن المؤسف القول إن غزة كانت مكتفية في الأمن الغذائي، لكنهم حالياً ممنوعون من إعادة زراعة أراضيهم، ويمنعون من استيراد الأسمدة والمواد الأولية الضرورية للزراعة، يضاف لذلك أن شبكات الري وصرف المياه الزراعية دمرت تماماً وهذا أمر لم نشهده من قبل.

بالنسبة لإعادة الإعمار في غزة كيف سيتم التعامل مع ركام البنايات المهدمة وهي بملايين الأطنان في ظل الحصار على القطاع؟

هذه نقطة هامة للغاية، أولاً تقديراتنا بأن هناك 37 مليون طن من الركام في غزة اليوم فقط للمقارنة بأنه في حرب 2014 صندوق الإنمائي للأمم المتحدة، تعامل مع 1.4 مليون طن من الركام. أما اليوم فنتحدث عن 37 مليون طن، لدرجة أننا نبحث عن أماكن فارغة خالية من الركام لكي نستطيع أن نضع فيها سكناً مؤقتاً. والتحدي الأول الآن كيف تعيد الناس إلى موطنها ضمن سكنات مؤقتة. نحن لن نرسخ تهجير الناس من أماكنها، فابن شمال غزة يجب أن يسكن في شمال غزة، ولو يسكن مؤقت.

وحالياً نبحث عن المناطق الخالية لإزالة هذا الركام كي نتمكن من العمل. وهي مهمة صعبة للغاية، لكن أيضا إزالة الركام وإدارته وتدويره وإعادة استخدامه في البناء والإنشاء سيكون فرصة لخلق عشرات ألاف فرص العمل، والتي سنقوم نحن بدعم الشركات الفلسطينية، الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، لخلق وظائف للقيام بالعمل.

هل هناك محاولات مع بعض الدول للمشاركة في دعم وتمويل إعادة الإعمار في غزة؟

حواراتنا مع معظم الدول في العالم، سواء الدول العربية، أو الدول الغربية، وغيرها نتلمس دعماً وترحيباً بهذه المبادرات، والاستعداد للتمويل، وفي الدعم السياسي. ونحن دورنا أن نعد المخططات الدقيقة، وهذا ما نقوم به حالياً، ونعمل على توفير الموارد، فواجبنا أن نعمل جهة متحدة، وليس كعشرين أو ثلاثين منظمة مبعثرة، وحالياً هناك نسيق كامل تحت إشراف المنسق المقيم في فلسطين.

هل تتلقون إشارات إيجابية من الدول؟

نعم هناك إشارات جداً إيجابية من الدول وأبدت استعدادها على التمويل والدعم السياسي.

من الواضح أن الأنظار متجهة نحو غزة لفداحة الموقف، لكن ماذا عن الوضع في باقي الأراضي الفلسطينية، وهناك تقديرات عن خسارة الاقتصاد الفلسطيني ربع قيمته؟

وضع الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام كارثي، وهو يخسر حتى الآن حوالي 25% من الناتج الإجمالي، وإذا استمرت الحرب ثلاثة أشهر أخرى ستصل الخسارة إلى أكثر من 28% من الناتج. يعني للمقارنة فقط السودان خسر 25% من الناتج بعد سنتين من الحرب، وأوكرانيا خسرت بعد سنتين من الحرب 15% من الناتج وهذا يعطي فكرة عن حجم الدمار والتأثير ليس فقط في غزة، بل أيضا في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية، وفي الضفة الغربية. فمثلاً في الموسم الزراعي تقريبا معظم الفلاحين لا يستطيعون أن يصلوا إلى أراضيهم بسبب هجمات المستوطنين، وقطع الطرق والحواجز وغيرها. التجارة تراجعت بشكل كامل، ولا والنظام المصرفي على وشك الانهيار.

وهناك معضلة الديون الشخصية والتي يشك في أنها ستسدد الآن لأن نسبتها عالية جداً وتهدد المصارف واستمراريتها، والقطاع السياحي تعرض لصدمة شديدة للغاية، والقطاع التجاري، والصناعة المحلية. إضافة إلى ذلك رواتب الموظفين في السلطة الفلسطينية منذ أشهر لم تأتي، وهؤلاء الموظفون الآن يقترضون من البنوك بضمانة رواتبهم، فإذا يستلموا هذه الرواتب سوف تفلس المصارف لاحقاً. عند جمع كل هذه المعطيات، نصل لخلاصة أن الاقتصاد الفلسطيني يعاني صدمة اقتصادية خطيرة للغاية. برنامجنا للتعافي في فلسطين لا يشمل غزة فقط، بل يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية.

هل هناك تحركات أخرى ممكن القيام بها لإيجاد أي وسيلة لإنهاء هذه الحرب ووقف استنزاف الاقتصاد الفلسطيني؟

كل ما نستطيع أن نقوم به الآن هو إظهار أن هذه الحالة ليست في مصلحة العالم، وأن تعافي الاقتصاد الفلسطيني يصب في مصلحة الجميع، ويحقق أمن الجميع. كما أنه يسهم في تعافي الاقتصاد الإسرائيلي الذي تعرض لهزة شديدة، وما يزال. كما أن اقتصاد المنطقة تأثر بشكل سلبي، وأظهرت لنا الأحداث الأخيرة (بين إيران وإسرائيل)، مدى هشاشة الوضع، والذي يمكن أن يؤثر بسرعة، حيث ارتفعت أسعار النفط 4% في يوم واحد. إذن الوضع الاقتصادي الدولي معرض لهزات، بسبب استمرار هذه الحالة. وفي منطقتنا الاستثمار في الأمن والسلام والتعافي في فلسطين هو استثمار مجدي للجميع. وأشدد وأضع ثلاثة خطوط تحت الجميع، إذا فكروا بشكل استراتيجي.

نفهم من ذلك أن المقاربة التي ترونها ركيزتها تحقيق حالة أمن واستقرار في فلسطين حتى يعم السلام في كل المنطقة؟

العالم يواجه تحديات الوضع الحالي، وكنا ليلة 13 أبريل/ نيسان على وشك حدوث انفجار إقليمي خطير، وتأثيرها على الاستقرار وعلى تجارة النفط، وخطوط الإمداد والتجارة، وما يحدث في البحر الأحمر يبرز ذلك. وبما أن ألسنة الحريق لم تصل إلى كل مكان، إذن لابد من العمل على إيقاف الحرب في غزة، والبدء الفوري بالاستثمار، لأنه أيضاً لا يكفي إيقاف الحرب، مع وجود مليوني شخص في غزة، ومليونين آخرين في الضفة يعيشون مهمشين، بلا أكل، بلا عمل، وبلا رواتب، حيث لابد من الاستثمار في التعافي وإعادة الإعمار في فلسطين. وهو ما يحقق مصلحة استراتيجية لكل أطراف المنطقة، والعالم.

ما هي المقاربة التي ترونها في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لتحقيق التوازن أو حتى الاستقرار في المنطقة كلها ليس فقط في فلسطين؟

منطقتنا تواجه عوامل خطيرة، منها تراجع شديد في معدلات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن المفروض أننا في عام 2030 نكون أنجزنا أهداف التنمية المستدامة الـ17، لكننا بعيدون عن ذلك. كما أن كل مناطق العالم بدأت بالتعافي من أزمة كوفيد 19، إلا منطقتنا ما زالت لم تخرج منها، لأن معدلات مؤشر التنمية البشرية في المنطقة ما زالت متراجعة.

كما أن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، ما تزال إما سلبية، أو ضعيفة للغاية، وهذا يتزامن مع تراجع الإنتاجية في الاقتصاد العربي منذ عام 1980 حتى الآن، وهذه الإنتاجية هي المصدر الحقيقي للنمو المستدام رغم كل الاستثمارات الهائلة. كما أنه هناك تراجع في حصة المنطقة العربية في الاقتصاد العالمي، في عام 1980، كنا نشكل 9% من الاقتصاد العالمي، وحالياً نشكل 4% من الاقتصاد العالمي، رغم إيرادات النفط والغاز. دول المنطقة تتراجع نسبياً بسبب تراجع الإنتاجية في المنطقة. وما تزال المنطقة العربية أقل منطقة في العالم من حيث مساهمة المرأة في الاقتصاد.

بالإضافة إلى ذلك، لدينا قضايا مثل فلسطين والسودان واليمن والنزاعات في سوريا وليبيا.

كيف السبيل للخروج من هذه الدوامة؟

بصفة عامة، هذه المنطقة بحاجة إلى استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار جميع هذه العوامل، وهي تحتاج إلى تخطيط متكامل يركز على التكامل الإقليمي. ولا يجب أن يكون هذا موضوعًا عاطفيًا، بل موضوعًا اقتصاديًا حقيقيًا، من خلال العمل الجماعي والتنسيق والتخطيط المتكامل، يمكن تحقيق تحسن حقيقي في مستوى معيشة الناس وتخفيف الأزمات.

وكما ذكرت فإن دول المنطقة هي الأضعف في مشاركة المرأة في التنمية، وسبب تراجع مساهمة المرأة في الاقتصاد في الوطن العربي، والكلفة الاقتصادية لهذا التراجع تعادل 16% من الناتج المحلي الإجمالي حتى عام 2040، وبالتالي الموضوع ليس فقط إدارة أزمة، وهي رؤية استراتيجية متكاملة مترابطة متعددة.

على المستوى الإقليمي العربي بشكل عام ما هي أبرز الدول التي حقق فيها صندوق الإنمائي نتائج إيجابية وهو راض عن دوره فيها؟

البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ينفق في المنطقة العربية سنوياً نحو مليار دولار، وهو رقم ليس بسيطاً، ونحن سعيدون جداً بأننا نرى مشاريع تغيير المناخ والطاقة المتجددة تسير بشكل فعال في منطقتنا، مع المساهمة في التنمية الريفية، وفي إيصال التمويل للفقراء، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما أن عملنا في بناء القدرات الحكومية على التعامل الفعال مع هذه الأزمات والنزاعات وإدارة التنمية أمر مهم.

ما هي المشاريع المستقبلية التي تسعون لتنفيذها لصالح دول المنطقة؟

أولاً لدينا الآن برنامج للتعافي في مناطق الدول المجاورة لفلسطين، لأنه ضروري جداً على المستوى الإقليمي. ولدينا استراتيجية لشمال إفريقيا، ولدول المغرب العربي، تعتمد على ربط الأمن الطاقي والأمن الغذائي وإدارة الموارد المائية بشكل فعال، وربط كل ذلك بالاقتصاد الكلي ومكافحة الفقراء. لدينا الآن استراتيجية جديدة في تمويل التنمية بشكل فعال للناس. مع العلم أننا لسنا بنكاً يوزع الأموال، بل جهاز تنموي، ونعمل على توفير مصادر تمويل كبيرة غير مستفاد منها، وهناك حاجات كبيرة لا تصل إليها الأموال. مثلاً، نحن نعمل مع صندوق الخليج، ومع برنامج الخليج العربي للتنمية، على برنامج اسمه التكافل والتأمين الإسلامي ليصل إلى مائة مليون مزارع. وفي اللحظة التي يكون عند المزارع عقد تأمين، وعقد تكافل، يستطيع أن يقترض، وبإمكانه الحصول على الأموال. هذه الخطوة ستغير نمط الزراعة في منطقتنا. بدأنا الآن نخطط لمشروع حول ما يسمى سلاسل القيمة المضافة للقمح، وإعادة إحياء زراعة القمح، وتجارته وتصنيعه في المنطقة العربية من المغرب وحتى الخليج. لأنه لابد من التفكير بشكل استراتيجي، لم يعد يكفي الحديث مشاريع صغيرة هنا وهناك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية