مجلس العموم البريطاني يتحدى المحكمة العليا بإقرار مشروع قانون حكومي لترحيل مهاجرين إلى رواندا

محمد نون
حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: عاد لهيب كرة نار الحكومة البريطانية المحافظة ليلفح وجوه مهاجرين غير نظاميين كانت المحكمة الأوروبية منعت ترحيلهم إلى رواندا، فقد تخطّى مشروع قانون مثير للجدل عقبة أولى في البرلمان بإقراره في مجلس العموم، ليتيح للحكومة (في حال تبنيه نهائيا) بأن تقوم بترحيل المهاجرين الوافدين بصورة غير نظامية إلى المملكة المتّحدة إلى رواندا.
وكانت الحكومة البريطانية قرّرت في نيسان/أبريل 2022 ترحيل المهاجرين غير النظاميين، من أيّ مكان أتوا، إلى رواندا، لكنّ الخطة لم تطبّق. ففي حزيران/يونيو العام الماضي، أُلغيت رحلة أولى كان يفترض أن تنقل مجموعة من المهاجرين إلى كيغالي، في اللحظة الأخيرة بعد أمر قضائي من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وتمت المصادقة على نص مشروع القانون الجديد بعد نحو سبع ساعات من النقاشات حيث نال 313 صوتاً مؤيّداً مقابل 269 صوتا معارضا في مجلس العموم. وظهر الارتياح جليا على وجه رئيس الوزراء ريشي سوناك عندما علق بالقول عبر منصة أكس: “سنعمل حاليا من أجل إدراج هذا النص في القانون بما يتيح إقلاع الرحلات إلى رواندا ووضع حدّ لقوارب المهاجرين الوافدين عبر بحر المانش (القناة بين بريطانيا وفرنسا)”. وجعل سوناك مكافحة الهجرة غير النظامية أولوية لحكومته وقال إنّ النص هو “القانون الأكثر تشدّداً على الإطلاق حول الهجرة غير الشرعية”.
لكنّ الطريق أمام النص في البرلمان لا يزال طويلا. فقبل التصويت أعربت مجموعة محافظة متشددة على لسان النائب مارك فرنسوا أنها لن تدعم في هذه المرحلة مشروع القانون الذي وصفته بأنه كثير الاعتدال. وأعلنت المجموعة أنها ستسعى إلى تعديل النصّ، ما يعني أن فصول هذه الملحمة ستستكمل في كانون الثاني/يناير. وحسب تيم بيل أستاذ العلوم السياسية في جامعة “كوين ماري” في لندن، فإنّ الأمر ينطوي على “انتصار معلّق” لسوناك. وأشار في تصريح لوكالة “فرانس برس” إلى وجود “عوائق كثيرة” وغياب “أي ضمانات بتخطيها”.

«قواعد لعبة» جديدة مع المحكمة العليا

ويهدف النص البريطاني إلى الرد على اعتراضات المحكمة العليا البريطانية التي عرقلت الشهر الماضي صيغة سابقة للمشروع. وأعلن وزير الداخلية جيمس كليفرلي لدى بدء النقاش في مجلس العموم أنّ “المعاهدة الجديدة التي وقعتها مع رواندا ومشروع القانون المصاحب لها سيغيران قواعد اللعبة” مؤكّداً أن النصّ “يتوافق مع بنود معاهدة اللاجئين”.
لكن أبرز الردود جاءت من منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي قالت إن إقرار النص هو “هزيمة للأخلاق الإنسانية وضربة قوية لسيادة القانون”.
ويعتبر النص الجديد أنّ رواندا دولة ثالثة آمنة لا تجبر المهاجرين على العودة إلى بلدهم الأصلي. ويقترح النصّ أيضاً عدم تطبيق أقسام معينة من قانون حقوق الإنسان البريطاني على عمليات الترحيل، وذلك للحدّ من الدعاوى القضائية. لكن هذا التوصيف لم يكن مقنعا للكثيرين ومنهم النائب المعارض كريس براينت (عن حزب العمال) حيث قال إن “الفكرة بأن شخصا لم تردعه رحلة خطيرة على متن زورق في أحد أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم ستثنيه هذه السخافة الهشة، هو أمر مثير للسخرية ببساطة”. وأضاف “لا يمكننا أن نجعل رواندا آمنة بمجرد قول ذلك”.

المعركة داخل حزب المحافظين

ويرأس سوناك حكومة ذات غالبية منقسمة، إذ يهاجمه الجناح اليميني في حزبه. ويرى الجناح اليميني في حزب المحافظين أن النص غير كاف وأن على لندن الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان، لمنع وصول الدعاوى القضائية إلى خواتيمها.
والأسبوع الماضي أعلن وزير الهجرة روبرت جينريك استقالته، مؤكدا أنه لن يدعم نصا بصيغته الحالية لانه لا يذهب “بعيدا بما فيه الكفاية”. وكانت الضغوط هائلة لدرجة ان وزير الدولة لأمن الطاقة وصافي الانبعاثات الصفرية غراهام ستيوارت عاد للمشاركة في التصويت من دبي حيث شارك في مؤتمر الأطراف للمناخ كوب 28. وكان سوناك سيواجه هزيمة نكراء لو رفض الجناح اليميني النص. لذلك أكد رئيس الوزراء البريطاني بأنه منفتح على تشديد خطته المثيرة للجدل لإرسال مهاجرين إلى رواندا التي أحدثت انقسامات ضمن حزبه المحافظ. وبذلك تمثّل الخطة ردا من حكومة سوناك على حكم صدر بالإجماع عن المحكمة العليا الشهر الماضي قضى بأن ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا مخالف للقانون الدولي.
وكان من المقرر ترحيل أول دفعة من المهاجرين إلى رواندا في حزيران/يونيو العام الماضي، لكن جرى إنزالهم من الطائرة تنفيذا لحكم قضائي صدر في اللحظة الأخيرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ومنذ ذلك الحين ظلت قضية هؤلاء المهاجرين عالقة في المحاكم.
وقال سوناك “نشعر بالثقة بأنه تشريع قوي جدا. أعتقد أن معظم خبراء القانون والقضاة السابقين قالوا إن التشريع قوي للغاية وفعال وسينجح”.
لكن سيتعيّن عليه تقديم تنازلات في العام الجديد لليمينيين في الحزب المحافظ الذين يطالبون بتشديد القانون، بينما ما زال يتعيّن عليه إرضاء المعتدلين ضمن الحزب الذين يشددون على أن القانون في الأساس مبالغ فيه.
وقال سوناك للصحافيين “كنت واضحا على الدوام، كما هو حال جميع الوزراء. إذا كانت هناك طرق يمكن من خلالها تحسين القانون وجعله أكثر فعالية عبر تبرير قانوني لائق والمحافظة على مشاركة الروانديين في الخطة فسنكون منفتحين على ذلك حتما”.
ويبدو أن الخلافات التي أثارها كانت غير مسبوقة في صفوف المحافظين منذ خلافهم السابق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست” إذ تهدد هذه الخلافات بإضعاف سلطة سوناك قبل الانتخابات العامة المرتقبة العام المقبل والتي يتوقع بأن يفوز فيها حزب العمال المعارض.
لذلك فقد ربط سوناك مستقبله السياسي بخفض الأعداد القياسية للمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين بعدما باتت القضية تحتل أولوية في الانتخابات العامة المقبلة. وبتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قال ريشي سوناك إن معدل الهجرة إلى البلاد مرتفع للغاية ويجب أن تنخفض إلى مستويات يمكن تحملها، وذلك بعد أن أظهرت بيانات أن صافي عدد المهاجرين سنويا إلى المملكة المتحدة سجل رقما قياسيا بلغ 745 ألف شخص العام الماضي. وعبر حوالي 30 ألف طالب لجوء، بحر المانش قادمين من شمال فرنسا على متن مراكب بداية العام 2023.
وتعد الخطة التي تنص على ترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة بطرق غير شرعية جزءا أساسيا من تعهّد سوناك “وقف قوارب” الهجرة.

وزيرة الداخلية السابقة تحذر سوناك

ومن أبرز وجوه الصراع حول تشديد القانون، فقد وجهت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان تحذيرا لرئيس الوزراء ريشي سوناك من التهاون وعدم الحزم في قضية الهجرة وإلا فإنه سيواجه هزيمة مؤكدة في صناديق الاقتراع. وقالت برافرمان إن الوقت حان الآن لمواجهة “هجرة جماعية غير شرعية خارج السيطرة، وإلا فإن ذلك لن يحدث أبدا”.
وجاء موقفها هذا بعد يوم واحد فقط من توقيع وزير الداخلية الجديد جيمس كليفرلي على اتفاق جديد مع رواندا، وكانت برافرمان قد دعت من قبل إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن الهجرة، وحمّلت اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين والتشريعات الأوروبية لحقوق الإنسان مسؤولية عرقلة خطط الحكومة. وشكلت مواقفها هذه مادة جذب لزملائها اليمينيين في حزب المحافظين الذين يرون أن سيطرة بريطانيا الكاملة على حدودها هي القطعة الأخيرة لاستكمال أحجية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقالت برافرمان للنواب “إن حزب المحافظين سيواجه هزيمة انتخابية في غضون أشهر في حال تقديم مشروع قانون يكون مصيره الفشل”. وذلك في إشارة على أنه وبعد 14 عاما من إمساك حزب المحافظين بالسلطة، حزب العمّال يتقدم بفارق كبير في استطلاعات الرأي.
ومن هنا أضافت برافرمان “أن حزب المحافظين يواجه خيارا بين الكفاح من أجل السيادة أو ترك حزبنا يموت” محذرة “أرفض الجلوس متفرجة وتركنا فريسة للفشل”. وأشارت إلى أن سوناك يفتقر إلى “الشجاعة السياسية” للذهاب أبعد من خططه الحالية التي تمت صياغتها بعد أن اعتبر قضاة المحكمة العليا أن سياسة الترحيل غير قانونية بموجب القانون الدولي.
ودعت إلى أن يعالج أي مشروع قانون جديد مخاوف المحكمة بشأن الوضع في رواندا للسماح برحلات جوية إلى هناك قبل الانتخابات المتوقعة العام المقبل، من خلال “إغلاق جميع طرق الطعن”.
وقالت إن “سلطات احتجاز وإبعاد المهاجرين يجب أن تكون قابلة للممارسة بغض النظر عن قانون حقوق الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واتفاقية اللاجئين وجميع القوانين الدولية الأخرى”.
وحضت برافرمان على تنفيذ عمليات ترحيل المهاجرين في غضون أيام من وصولهم، وعلى “الاحتجاز الإداري للوافدين غير الشرعيين حتى يتم ترحيلهم”.
وأضافت “إذا قاد رئيس الوزراء تلك المعركة فهو يحظى بدعمي الكامل” في إشارة إلى أن سوناك سيواجه معارضة داخلية قاسية في حال لم يفعل ذلك.
وفي دليل إضافي على أنّ الهجرة تهيمن على النقاشات في العديد من الدول الأوروبية، أتى التصويت في لندن غداة الهزيمة السياسية التي منيت بها الحكومة الفرنسية في هذا الملف، بعد أن ردّت الجمعية الوطنية مشروع قانون يهدف إلى التحكم بتدفق المهاجرين وتحسين دمجهم.

توافق بريطاني إيطالي على كبح الهجرة

وضمن تحركاته الأوروبية لمحاصرة تدفق المهاجرين، زار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، روما منتصف الشهر الحالي، وأشاد بنهج رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني في التصدي للهجرة غير النظامية .
واتفق سوناك وميلوني خلال اجتماعهما على تمويل مشروع للمساعدة في إعادة المهاجرين الموجودين في تونس – بلد المغادرة للعديد من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا. وقالت رئاسة الوزراء البريطانية إنهما “التزما بالمشاركة في تمويل مشروع لتعزيز ومساعدة العودة الطوعية للمهاجرين من تونس إلى بلدانهم الأصلية” وتعهدا بوقف تدفق قوارب المهاجرين على شواطئ بلديهما. وقد واجه كلاهما انتقادات شديدة لسياساتهما، بدءا من خطط سوناك لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، وصولا إلى مساعي ميلوني للحد من أنشطة سفن الإنقاذ الخيرية في البحر الأبيض المتوسط.
وأقام سوناك وميلوني علاقة جيدة منذ توليهما منصبيهما في تشرين الأول/أكتوبر 2022.
وشبه سوناك نظيرته الإيطالية برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، قائلا إن هناك حاجة إلى بعض من “راديكالية” المرأة الحديدية لمعالجة الهجرة غير النظامية. وأضاف “إذا لم نعالج هذه المشكلة، فإن الأعداد ستتزايد. وسوف تتدهور بلداننا وقدرتنا على مساعدة من هم في أمس الحاجة فعلا إلى مساعدتنا”. واتفق الجانبان في اجتماعهما على تكثيف الجهود لمكافحة مهربي البشر، لكن سوناك قال إن ردع الراغبين في الهجرة بشكل غير نظامي أمر أساسي أيضا.
وأشار رئيس الوزراء البريطاني إلى الاتفاق المبرم مع ألبانيا قبل عام، والذي يتيح ترحيل الألبان الذين يصلون إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة.
وأكد ريشي سوناك أنه منذ إبرام الاتفاق، انخفض عدد الألبان الذين يصلون إلى بلده بنسبة 90 في المئة.
في الشهر الماضي، أبرمت جورجيا ميلوني أيضا اتفاقا تقوم بموجبه ألبانيا ببناء مركزين لإيواء طالبي اللجوء الذين يعترضهم خفر السواحل الإيطالي في البحر. وأثار الاتفاق انتقادات في كلا البلدين، ومنعت المحكمة الدستورية الألبانية مؤقتا تصديق المشرعين عليه.
ويشهد الاتحاد الأوروبي أيضا ارتفاعا في حالات الوصول غير النظامية إلى أراضيه، فضلا عن ازدياد لطلبات اللجوء.
وخلال الأشهر الأحد عشر الأولى من سنة 2023 رصدت وكالة “فرونتكس” أكثر من 355 ألف محاولة عبور للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، في ارتفاع نسبته 17 في المئة
وقد تتخطّى طلبات اللجوء مليون طلب بحلول نهاية 2023 حسب وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية