مجلس التعاون الخليجي بعد 30 عاما.. حضرت الأنظمة وغابت الشعوب

عندما طرح مشروع مجلس التعاون الخليجي قبل 30 عاما، وكان فكرة تحدث عنها وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت دوغلاس هيرد ولقت قبولا عند حكام دول الخليج، كان هناك مرحب ومتحفظ على صعيد شعوب الخليج، وساق كل من الطرفين مبرراته، والأمر ينسحب على بقية العرب، فمنهم من رأى أن تلك الفكرة من الممكن أن تكون ‘خميرة’ لاتحاد عربي أو تعاون على الأقل كبديل لرجل العرب المريض ‘الجامعة العربية’، والبعض الآخر تخوف من وجودها، أي الفكرة، انطلاقا من كونها تجمعا للأغنياء على حساب الفقراء، مما دفع بقية الأنظمة العربية إلى الانخراط في تجمعات لم يتبق سوى أطلالها والأنظمة التي كانت تقف خلفها.
اليوم بعد مضي كل تلك السنوات لابد من وقفة تأملية ومراجعة لما آلت إليه تلك الفكرة، فالقضية ليست بنى تقام وكفى، بل هي أعمق بكثير خاصة هذه الأيام المقرونة بتقلبات طالت كل تلك الثوابت العربية، بدءا من القضية المحورية فلسطين وتداعياتها، مرورا بملفات العلاقات مع الغرب، وانتهاء بما يسمى بالربيع العربي والاهتزازات التي أصابت دولا عربية على صعيد الأنظمة وعلى صعيد الشعوب أيضا، ولا نعرف طبيعتها او من المحرك وراءها، وربما تتطلب هذه الوقفة التأملية والمراجعة التجرد من العواطف والشعارات حتى يكون حكمنا على الأمور أكثر موضوعية.
رغم غياب شعوب الخليج عن اللقاء الأول الذي جمع الأنظمة من أجل إشهار المجلس الجديد عام 1981، إلا أن أجواء حسن النية كانت هي الغالبة على ما عداها، ولم يجد الكثيرون في هذا الغياب مبررا للهجوم على تلك الخطوة، بل رأوا أن إعطاء الفرصة استحقاقا وحتمية تتطلبها مثل تلك الخطوات التاريخية، خاصة في منطقة عانت الكثير بسبب التشرذم والتفرق، لكنهم فوجئوا بعد مضى تلك الأعوام أن عضوية ذلك المجلس حكر على الأنظمة وإقصاء لكل القوى الفاعلة في المجتمع، وفي بعض الأحيان مشروع لسلب المكتسبات الشعبية في بعض دول الخليج، كما حدث في البحرين والكويت من خلال تعثر تجربتهما الديمقراطية.
غابت الشعوب عن كل مؤسسات مجلس التعاون الخليجي إلا على صعيد المسابقات الرياضية، وربما بعض المشاركات من الفرق الفنية، فلا وجود لهم على صعيد السياسة والمشاركة في اتخاذ القرار السياسي، وحتى المؤسسة اليتيمة التي طرحت من جانب الكويت لاستحضار مشاركة رمزية قتلت في مهدها عندما رفضت المملكة العربية السعودية آليات تشكيلها من خلال الانتخاب، كما رفضت أن تسمى مجلسا شعبيا ورأت أن يكون اسمها لجنة وبالتعيين، في إشارة إلى ان دور الشعوب في مجلس التعاون ينطلق من رؤية الأنظمة وليس شريكا لها، كما سنلاحظ الغياب الكامل للصوت الشعبي على صعيد الاقتصاد والمؤسسات الاقتصادية، وعلى صعيد مؤسسات المجتمع المدني.
لم يمض وقت طويل حتى فوجئت الشعوب الخليجية باتفاقية، سميت الاتفاقية الأمنية، وقد صيغت موادها بطريقة تختزل الولاء للوطن إلى ولاء للأشخاص، وتجعل من الأسر الحاكمة في الخليج ذوات مصونة لا يمكن المساس بها، من دون أن تكون هناك أسس دستورية واضحة لمثل تلك الفكرة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تضمنت تلك الاتفاقية مواد تضع المسؤولين الحكوميين في منزلة أعلى من منزلة المواطن، ولم تكن هناك حاجة لمعرفة من صاغ بنود تلك الاتفاقية، ليس هناك غيرها فهي الوحيدة التي لازالت تنظر إلى المشهد بشكل عام على أنه مشهد أسياد وعبيد، وقد أضطرت القوى الحية في الدول الخليجية إلى خوض معركة لإسقاط تلك الاتفاقية ونجحت حينا وأخفقت أحيانا أخرى .
التنقل بين دول الخليج ليس أفضل حالا، فعبور الحدود البرية معاناة كبرى إن على صعيد البشر أو على صعيد البضائع، وها هي دولة عمان تشتكي من سوء المعاملة في المراكز الحدودية السعودية وبضائعها تحجز أياما في تلك المراكز، رغم أهمية التبادل التجاري بالنسبة لها مع بقية جيرانها، وبعض تجار عمان يقولون ان الوضع بالنسبة لهم قبل مجلس التعاون الخليجي كان أفضل بكثير مما هو الحال الآن، وان هناك تمييزا مقصودا ضدهم ويرتبط إلى حد كبير بالمزاج عند المسؤولين في المملكة العربية السعودية، والأمر ينطبق على قطر والسعودية وكذلك الإمارات والسعودية.
ها هو تلفزيون عمان يعلن عن القبض على خلية تجسس إماراتية ويهدد بكشف تفاصيلها، وها هي الإمارات تهرول لتهدئة الأمور ثم تختفي الخلية ويختفي الإعلان حولها ليجري تبادل الابتسامات أمام كاميرات الصحافة والقنوات الفضائية وكأن شيئا لم يكن، وها هي أزمة بين البحرين وقطر تنتقل إلى محكمة العدل الدولية، وها هي أزمة أخرى بين السعودية وقطر واحتلال مراكز وقتل جنود، وشكوى إماراتية بسبب تسوية حدودية بين السعودية وعمان على حسابها، وها هو اجتياح سعودي للبحرين وتنكيل بشعبها ليعقبها تحريض طائفي على المذاهب الأخرى، وأخيرا ها هو قرار بفرض اتحاد بالقوة بين دول الخليج.
مادام مجلس التعاون الخليجي ناديا للأنظمة الخليجية فماذا ننتظر من تلك الأنظمة سوى الخلافات وتصدير المشاكل في ما بينها وللآخرين، فالعداء مع إيران تقف خلفه الأنظمة وليس الشعوب، والتحريض في العراق وسوريا ومصر تقف خلفه الأنظمة وليس للشعوب علاقة بها وإن كنا في بعض الأحيان ندفع ثمن أخطاء تلك الأنظمة، شعوب الخليج ليس لها علاقة لا من بعيد أو قريب بمجلس التعاون الخليجي فقد غابت منذ أول اجتماع له حتى آخر اجتماع عقد في الكويت قبل أيام، والطموحات والأحلام التي ولدت في بداية الثمانينات لم تعد قائمة، لم تعد تحلم الشعوب بالديمقراطية كما الدول الأخرى، ولم تعد تحلم بأن تكون هناك مبادرات على صعيد الحريات، ولم تعد تحلم بالتعاون في ما بين الدول على أسس واقعية تتعاطى مع التطورات المحيطة بالمنطقة .

‘ كاتب كويتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية