ماذا تريد إيران من دول الخليج؟… قراءة في حوارات الوفد الثقافي الكويتي

إيران لم تطرح نفسها يوما ما على أنها الند الإقليمي للولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى الدول الغربية، لكنها تريد أن تحظى باحترام تلك الدول لخياراتها الداخلية وقدراتها وحجمها على صعيد الإقليــــم، وتلك حقيقة تهــربت منها تلك الدول ورفضت الاعتراف بها، رغم أن إيران لم تقفز بدورها على الحقائق التاريخية التي تدير المشهد السياسي الدولي، وليس هناك أيضا من يقول ان إيران خالية من العيوب على صعيد الأداء، بل هناك الكثير من الملاحظات حول أدائها .
هذا الانطباع وغيره من الانطباعات تكونت خلال زيارة الوفد الإعلامي والثقافي الكويتي إلى العاصمة طهران، نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، بترتيب من رئيس المكتب الثقافي الإيراني النشيط في الكويت د. عباس خام يار، إذ شهدت تلك الزيارة حوارات مع مجموعة من المثقفين الإيرانيين، من بينهم د. محمد علي آذرشب، ود. صباح زنكنة ود. شهاب الدين دارائي، بعضها تمحور حول العلاقة المفترضة بين إيران والدول الكبرى، والعلاقة مع دول الإقليم، بما فيها تركيا وإسرائيل، والتأثير المتبادل لتلك العلاقات المفترضة، في استقرار المنطقة وإبعادها عن أية هزات يمكن أن تؤثر سلبيا على وضعها، وتمحور البعض الآخر على قضايا ثنائية.
الحوارات دشنت بإسئلة مثل متى تتحول إيران الثورة إلى دولة، خاصة أنه مضى 35 عاما على تلك الثورة، وآن لها أن تترجل عن المد الثوري لتتحول إلى دولة تمتلك علاقات طبيعية مع جيرانها والمحيط الدولي، بعيدا عن نظريات ‘التثوير’ و’التصدير’، ولماذا ‘المزايدة’ على العرب في قضاياهم، تحديدا القضية الفلسطينية واستخدامها ضمن مشاريع إقليمية لإحراج الأنظمة الخليجية ‘المعتدلة’، حسب التوصيف الغربي، بينها المملكة العربية السعودية، فهي التي طرحت مشروعا للسلام بين العرب وإسرائيل.
سؤال ثالث يتعلق بدعم الحوثيين في اليمن وتهديد الجنوب السعودي ودور إيراني محتمل في التحريض، وآخر في العراق يدعم حكومة المالكي، وآخر عن دعم حزب الله والنظام السوري، رغم أن هناك ثورة شعبية في سوريا ضد النظام، وحديث عن تدخلات إيرانية في البحرين وشرق السعودية وقضايا التجسس في بعض دول الخليج، ومعسكرات لتدريب الثوار في بعض البلدان الأفريقية المطلة على البحر الأحمر، واختراقات في دول أفريقية، كل تلك الأسئلة وغيرها وجهت خلال الزيارة، بعضها منطقي وأخرى خلت من المنطقية، لكنها تعبير عن حالة ‘الإلتباس’ السائدة بين شعوب دول الخليج من جهة، وإيران من جهة أخرى، إن بسبب الصورة النمطية السائدة لإيران الثورة، أو بسبب مشروع ‘شيطنة’ إيران على خلفية اختلافها القومي والمذهبي.
هناك قناعة أن فرصة التفاهم مع دول المنطقة يمكن أن تتجسد على أرض الواقع، بما يحفظ حقوق جميع الأطراف، لو بذل المزيد من الجهود، لكن أيضا هناك من يلمح الى أن من ‘يعرقل’ هذه الفرصة هي الدولة الأكبر في منظومة مجلس التعاون الخليجي، اي المملكة العربية السعودية، ويؤشر إلى أن إيران لديها علاقات أكثر من طيبة مع أربع من دول المجلس (الكويت، عمان، الإمارات، قطر) ويمكن أن يؤسس على هذه العلاقات، لولا أن هناك من يضع العصا في الدولاب، ويرى الطرف نفسه أن المبررات ليست مقنعة.
البعض يقول ان إيران ‘بريئة’ من كل تلك الاتهامات، وأن مشروع ‘شيطنة’ إيران الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية قبل توقيع مذكرة التفاهم المؤقتة من أجل التوصل إلى حل للملف النووي الخاص بها، وحظي بمساندة من السعودية وبعض دول الخليج، هو من حاول إلصاق كل تلك التهم بها من أجل إقناع الشعوب الخليجية أولا، بان إيران تمثل خطرا عليها، ويتساءل أولئك عن مقولات جرى تداولها خلال الفترات الماضية من بعض المسؤولين في السعودية، تحذر تلك الشعوب من إيران، بل وتصفها بأنها العدو الأول في المنطقة قبل العدو الصهيوني، ويرون في هذا خطيئة بحق إيران الثورة، وهي التي طردت السفير الإسرائيلي بعد نجاح الثورة واستبدلته بسفير فلسطيني.
البعض يعترف بأن هناك أخطاء ارتكبت في بداية الثورة أدت إلى سوء فهم على الضفة الأخرى من الخليج، لكنه يرى في ذلك مرحلة وطويت ولا ينبغي التوقف عندها كثيرا، خاصة أن هناك الكثير من الخطوات التي جرى تبنيها يمكن بكل سهولة أن تبدد أي سوء فهم حدث في الماضي، ويؤشرون إلى خطوات بناء الثقة في أكثر من مرحلة من مراحل الثورة، بدءا بمرحلة الرئيــــس هاشمي رفسنجاني، مرورا بالرئيس محمد خاتمي، والآن هناك خطوات أخرى في عهد الرئيس الحالي حسن روحاني يمكن البناء عليها في تجاوز عثرات الماضي.
ويدلل المثقفون على الرغبة في تطوير العلاقات مع دول الخليج، باختيار الرئيس روحاني، في إشارة واضحة إلى الرغبة في التغيير حيث تضمن برنامجه الانتخابي تخفيف حدة التوتر مع الغرب، وإنهاء العقوبات الدولية، والسماح بقدر أكبر من حرية الصحافة، والحد من تدخل الحكومة في حياة الناس، وتطوير العلاقات مع دول الخليج، وهذه خيارات يمكن أن تكون نقطة انطلاق من أجل إعادة صياغة المنطقة من جديد تجاه الاستقرار والتعاون في ما بين دوله وشعوبه، وطي ملف الخلافات واستبدالها بمشروع تعاون شامل.
لم يقتنع الجميع بما طرحه المثقفون الإيرانيون كرد على كل تلك الاستفسارات، التي تؤرق الشريحة الشعبية أكثر مما تؤثر فيه على الأنظمة الخليجية، فهناك تخوف وقلق عند تلك الشريحة، وفي ما يبدو لم تجد كل تلك التطمينات نفعا وظلت الهواجس كما هي. وهناك من أعطى فرصة للفترة المقبلة مشروطة، ربما تثمر إيجابيات تطوي ملف التنافس أو الصراع بين دولتي الخليج الكبريين إيران والسعودية لينعكس كل ذلك على الدول الصغرى استقرارا وانتعاشا اقتصاديا.

‘ كاتب كويتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول foufou lakhdar:

    المشكل .لماذا يصر العرب على احتضان الضعف…لو انهم بعثوا الولايات العربية المتحدة لشكلوا قوة تهابها جميع دول العالم…خاصة اذا ماكانت لهم النية في بعث وثبة وطنية وقومية في مجال التكنولوجيا المتطورة

إشترك في قائمتنا البريدية