ماذا تريد أنظمة الخليج من إيران؟

سؤال يثير انطباعا خادعا للوهلة الأولى، غير أن النظر إلى الحالة الخليجية بعمق، خاصة على صعيد العلاقات الداخلية يدفعنا إلى إعادة صياغته من جديد وبشكل أكثر وضوحا ليكون.. ماذا تريد السعودية من إيران؟ فالصراع الحقيقي كما يبدو ليس بين دول الخليج وإيران، بل بين السعودية وإيران فكلاهما دولة كبرى على صعيد المنطقة، وكلاهما لديها مشروع يمتد إلى أكثر من جبهة، فيما بقية دول الخليج تكتفى بدور المتفرج في أحسن الأحوال.
دول الخليج باستثناء البحرين لأسباب خاصة ليست معنية إلى حد كبير بالصراع السعودي الإيراني، وربما تتدخل في بعض المرات حتى لا يخرج هذا الصراع عن السيطرة ويجر المنطقة إلى الهاوية، كما أنها تعيش عقدة الصغير والكبير مع السعودية وإيران على حد سواء، فعمان وهي الدولة الأكثر استقلالا في إطار المنظومة الخليجية، لديها علاقات خاصة مع إيران الشاه، كما إيران الثورة، فالسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان لا يخفي امتنانه الدائم بالفزعة الإيرانية أيام الشاه محمد رضا بهلوي لكبح جماح الثورة الشيوعية في ظفار ضد نظامه، كما لا يخفي حاجته الماسة إلى إيران الثورة لدعم مشروعه في إنجاح ميناء ‘الدقم’ الذي تقوم السلطنة ببنائه على المحيط الهندي، بهدف الربط بين قارة آسيا بآسيا الوسطى والقوقاز عبر إيران، على اعتبار أن المشروع سيخلق واقعا اقتصاديا جديدا ينعكس على الداخل العماني، وهو ما تحتاجه في المرحلة الحالية.
الموقف العماني كان دائما يرفض السير خلف المشروع السعودي من خلال جامعة الدول العربية في الأعوام التي تلت نجاح الثورة الإيرانية، بهدف عزل إيران دبلوماسيا واقتصاديا، وربما تتفق معها في ذلك الموقف الإمارات العربية المتحدة وقطر، كما كان لعمان موقف رافض لإصدار بيان تنديد بإيران بسبب أحداث المسجد الحرام، خلال موسم الحج في العام 1987، بالإضافة إلى رفض الفكرة التي طرحها العراق في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين لشن حملة عسكرية لاسترداد الجزر الواقعة في مدخل الخليج (أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى) أو المشاركة في التخطيط لمثل هذه الهجمات، كما رفضتها الإمارات.
يمكن الإِشارة إلى أن الشعب العماني على عكس دول الخليج يتكون من ثلاث طوائف إسلامية تتعايش بهدوء لافت، ولا تريد أن يعكر صفو العلاقة فيما بين طوائفها المشروع السعودي القائم على الحشد الطائفي، والأمر ذاته ينطبق على الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت التي تمتلك جميعها مساحة واسعة من التسامح المذهبي، ولا ترغب في حصول مواجهة مذهبية داخلية، بعكس المملكة العربية السعودية التي لها موقف سلبي إلى حد كبير مع الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية ومع الطوائف الإسلامية الأخرى في جنوبها.
دول الخليج تحتفظ بنفس نظرة الشك تجاه إيران والسعودية والعراق، وتعرف جيدا أن الدول الكبرى في المنطقة لديها مشاريع توسعية ربما ليس على صعيد الأرض، فقد أصبح مثل ذلك ‘موضة’ قديمة، لكنه بكل تأكيد على صعيد النفوذ، ولا تريد أن تفقد أجواء التوازن في المنطقة، التي لا يمكن أن تكرسها سوى العلاقات المتوازنة مع الدول الثلاث الكبرى، فهي من خلال تلك العلاقات تحظى بمساحة كافية للاحتفاظ بجزء من استقلاليتها وقدرتها على المناورة تجاه المشاريع الإجبارية، كتلك التي طرحتها السعودية أكثر من مرة على مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها الاتحاد غير المدروس بين دوله.
الدور العماني الأخير في ترتيب صفقة تاريخية بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبين إيران حول الملف النووي السلمي ليس خدمة لإيران والغرب فقط، بل هو في جوهره مشروع يخدم الدول الصغيرة في الخليج ويخفف من الضغوط وأجواء التوتر التي تعيشها منذ عام 1980، فهي لا تريد أن تكون رهينة للنفوذ الإيراني في المنطقة، كما لا تريد في نفس الوقت أن تكون ضحية للصراع الإيراني السعودي من خلال الارتهان للمشروع السعودي المحمل بالأيديولوجيا الإقصائية مذهبيا، وتريد أن يكون التعاون الاقتصادي هو البديل عن بقية المشاريع، سواء أكانت تلك المشاريع سياسية أو عسكرية.
سلوك الإمارات العربية المتحدة بعد الإعلان عن التفاهم التاريخي بين إيران والغرب ربما يكون الأكثر تعبيرا عن حالة دول الخليج الصغيرة تجاه ما يجري، فما أن أعلن عن ذلك التفاهم حتى زار وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد وأعلن من داخل طهران أن بلاده لا تقبل علاقة عادية مع الجمهورية الإسلامية، بل تريد علاقة مميزة، خاصة أن إيران شريك تجاري كامل للامارات ولدى الطرفين رغبة مشتركة لتشجيع استثمارات القطاع الخاص بينهما، من خلال تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين التي حدد موعدا لانعقادها في النصف الأول من عام 2014.
ما يرشح من مؤشرات يظهر أن هناك تخوفا سعوديا ليس من محيطه الخليجي وأجواء ‘تمرد’ بعض الدول على محاولات الهيمنة فحسب، بل من الداخل السعودي وإمكانية تعاظم أجواء الإعجاب السني بالنموذج الإيراني الذي حقق اختراقات على صعيد مشروعه الوطني تجاه الغرب، وهو ما تعبر عنه معركة الملف النووي السلمي، والنجاحات التي حققها ذلك النموذج في العراق ولبنان وسوريا وافغانستان في مقابل اخفاقات متتالية للسياسة الخارجية السعودية.
استمرار التحالف مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية على حساب قضية العرب الأولى فلسطين له تكلفة باهظة على النظام السعودي، وهو ما يفسر ربما موقف السعودية الأخير من انتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن، والتطورات السياسية الأخيرة في المنطقة أعطت انطباعا للشعوب الخليجية بشكل عام والشعب السعودي بشكل خاص أن الولايات المتحدة تحترم فقط الأنظمة القوية، وهو ما عبر عنه النموذج الإيراني شعبيا، الأمر الذي يخيف السعودية من تعاطف شعبي داخلي مع مثل تلك التطورات، وبالتالي يمكن أن يعرض مثل ذلك التعاطف استقرارها القائم على القبضة الأمنية إلى هزة جديدة .

كاتب كويتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فوكاش:

    التجارة المشتركة خير ضمان للثقة والإستقرار في المنطقة

إشترك في قائمتنا البريدية