لم نقل كل شيء

حجم الخط
0

يتصرف بعض الجيل الجديد كما لو أننا قلنا كل شيء، والبعض الآخر يتصرف كما لو أنه، فقط، سيقول الشيء الجديد لأول مرة.

٭ ٭ ٭

تلك هي الإشكالية التي تتعثر بها الأجيال الجديدة من الأدباء والكتاب، للعلم:
أولا: نحن لم نقل كل شيء، وليس من الحكمة التعامل مع الجيل السابق بوصفه منجزاً مكتملاً. فنحن قلنا وكتبنا ما يمكن اعتباره محاولة صائبة تحتمل الخطأ فحسب.
ثانياً: ما يسعى إليه الجيل الجديد من الأدباء والكتاب هو صواب يحتمل الخطأ. فأمام الجيل الجديد من الشراك ما يجعله عرضة للتعثر، لئلا نقول الفشل. وليس من الحكمة اعتبار أن الأسئلة تبدأ من الجيل الجديد من الكتاب والأدباء.

٭ ٭ ٭

ولئلا تتكرر الأخطاء، يتوجب تفادي التوهم بأن أسئلة القضايا الكبرى قد طُرحت في الماضي، فكل جيل ثقافي وشعري لديه قضاياه الخاصة، من واقع تجربته. ولديه من الأسئلة ما يمنحه الحرية في محاكمة الواقع ووضعه تحت شمس المساءلة.

٭ ٭ ٭

كل تلك الاحتمالات تمويه لتأجيل مسؤولية الجيل الشعري الجديد عن طرح رؤيته الخاصة، مختلفاً عما سبقه، تجربة ورؤية. لذا نتمنى على الشباب التوقف الجاد أمام دوره الأدبي، والتصرف بمسؤولية في حمل راية التغيير الجديد.

٭ ٭ ٭

فبالوهم لا تستطيع تحقيق ذاتك، الوهم يمنحك غروراً متورماً، لكنه لا يعطيك ضميراً مستقراً، الوهم ليس حلماً، إنه حيلة العاجز عن الحلم. جيلنا ينتهي في بدايات الجيل الجديد، من الأدباء والكتاب. ودورنا ينتهي في هذه البدايات، وليس لأحد أن يقلدنا، ليس لأن تجربتنا لا تستحق ذلك، لكن لأننا نرغب في ملاحظة الأجيال الجديدة وهي تصوغ تجربتها، متخذةً الدرس بقوة، متجاوزة له في آن. ففي هذا إجلال وتقدير لدرس أحسن، تم استحسانه.

٭ ٭ ٭

أن يبدأ الأبناء بمعزل عن الآباء، يعني أنهم يبدأون من جديد، من مكان جديد، مثلما في زمان جديد. لدى الأبناء الشيء المختلف، وعليهم أن يقولوا شيأهم الجديد، بل عليهم أن يختلفوا عنا، ففي اختلافهم جدة الشيء. فكل مختلف جديد.

٭ ٭ ٭

لسنا آلهة مقدسين. فالقداسة ليست للبشر، وأظن أن معظم جيلي لم يتوقف أمام القداسة، بوصفها حصانة ضد حرية الشخص. حتى النصوص الدينية، التي تشرّع للمذاهب والأديان، لم يقف جيلنا (أعني معظم جيلنا) ليقدسها، ولم يتنازل عن حريته، كمبدع، في نقد تلك النصوص واقتراح تجاوزها، وقد فعل ذلك بالذات. لذلك اظن أنني، وجيلي، نأمل أن تكون الأجيال الجديدة من، الأدباء والكتاب، أكثر حرية منا، وأن ترى في التخوم التي تقترحها النصوص الموروثة، قديمة وحديثة، آفاقاً ينبغي تفاديها، وتجاوزها والذهاب بحرية عبرها.

٭ ٭ ٭

أتذكر أنني قلتُ في مكان سابق تلك المقولة الدالة: «تعرفُ القاعدةَ جيداً، تكسرها بشكلٍ ممتاز». أتذكرها لكي أكررها هنا، مستمداً منها الطاقة التي تشدّ من عزمنا ونحن ندعو الأجيال الجديدة للتجديد وتجاوز الدرس السابق.

٭ ٭ ٭

ليس عبثاً أتذكر تلك المقولة الدالة، وليس مصادفة أن أكون قد أكملت إصدار كتابي الأربعين منذ بعض الوقت، فلكي تعرف طريقك يتوجب عليك الاحتفاظ بأكثر قناديلك صحة ومعرفة بمعالم الطريق وتضاريسه. وهذا يتطلب أن تكون ممن يحسنون القراءة وينتخبونها. من بين ما لا يقاس من التراكم الكمي من الكتب. على ألا تكون القراءة مقصورة على الكتب، ففي الحياة تتنوع مصادر القراءة والمعرفة.

٭ ٭ ٭

يبقى القول عما يختاره الجيل الجديد من الأدباء والكتاب، ففي هذا الاختيار خيارٌ حاسم يجعل من الكتابة شأناً شخصياً، والكتابة كلما صارت ذاتية، صار حظها من النجاح أكثر.

شاعر بحريني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية