لماذا ينبغي أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين؟

للمنافسة على المراتب الأولى في مسابقتي جودو وجمباز حطوا الرحال في واضحة النهار في عاصمتين عربيتين. وبحسب ما جاء في الأنباء فإن الوفدين الإسرائيليين لم يعودا أواخر الشهر الماضي من رحلتهما الرياضية إلى قطر والإمارات بخفي حنين، مثلما يحصل عادة مع معظم أبطال العرب حين يشاركون في مسابقات دولية، بل كان رجوعهم على العكس من ذلك ظافرا بكل المقاييس، رغم أنهم لم يحصدوا من كلتا المشاركتين عددا وافرا من الميداليات، ولم يكن أقوى إنجازاتهم سوى فوز يتيم كان يكفي ليحققوا من خلاله واحدا من أحلامهم، وهو رفع العلم الإسرائيلي، وعزف النشيد الرسمي للكيان المحتل في أبوظبي للمرة الأولى في التاريخ، مثلما تباهت بذلك صحيفة «هآرتس»، بعدما أحرز لاعب الجودو» ساجي موكي» ميدالية ذهبية في مسابقة الإمارات.
ولعل اللافت في تلك الميدالية هو أنها كانت محملة برمزية. فقد نقشت فوقها صورة الشيخ زايد مؤسس الدولة المستضيفة، وأحد أبرز القادة الذين أعلنوا في السبعينيات حظرا نفطيا على الدول المساندة للاحتلال الصهيوني، والذي قال وقتها إن» النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي». غير أن تلك الأيام تبدو الآن بعيدة جدا، فلم يعد زايد يرمز للصمود الرسمي العربي بوجه الغطرسة الاستعمارية الصهيونية، بل تحول إلى مرادف لسلام مغشوش ووجه ينقش فوق العملات والميداليات ويلصق في المطبوعات، لتسويق تطبيع علني ومكشوف مع المحتل.
ولأن الأمر صار على ذلك النحو، فقد وجدت وزيرة الثقافة الصهيونية، بعد أن أبدت تأثرها الشديد بعظمة اللحظة التاريخية التي رفع فيها العلم، وعزف نشيد الاحتلال في بلد عربي، أن الفرصة صارت سانحة الآن باسم السلام نفسه لفعل المزيد خارج صالات الرياضة. ولأجل ذلك فقد اختارت ميري ريغيف، التي سبق لها أن قالت يوما «إن الأذان هو صراخ كلاب محمد» وظهرت في مناسبة الذكرى الخمسين لاحتلال القدس الشرقية، وهي ترتدي فستانا عليه صورة البلدة القديمة، أن تلبس هذه المرة عباءة خليجية وتدخل مسجد الشيخ زايد لتصرح من داخله بانها موجودة «في ثالث أكبر مسجد في العالم بعد مكة والمدينة» ولتوجه منه رسالة قصيرة وخطيرة في الوقت نفسه، خلاصتها أنها «تتمنى من الجميع في العالم الفصل بين الانتماءات السياسية لهم والدين». ويبدو أن كلام ميري لم يكن مجرد حلم من أحلام اليقظة بقدر ما كان انعكاسا لما كان يجري من حولها. فقد كان جزء كبير مما قالته يتحقق زمن حديثها على أرض الخليج. واتضح أن الأمر أخطر وأهم بكثير من لعبتي جودو وجمباز، وأن هناك حاكما خليجيا ينسب له الاعتدال والحكمة والنأي بالنفس عن الصراعات والخلافات الهامشية، بادر لسبب مجهول حتى الآن، إلى الفصل القاطع والتام بين انتمائه العربي والإسلامي ونصرته الكلامية على الأقل لما ظلت توصف بالقضية القومية والدينية العربية الأولى وعلاقاته العلنية ومصالحه الوثيقة والقوية مع الاسرائليين.

في ما ظل العرب يفخرون بنصر أكتوبر سجل هذا الشهر في هذا العام أهم الانتصارات الإسرائيلية، وربما أبرزها على الإطلاق

وفي ما ظل العرب يفخرون طويلا بنصر أكتوبر فقد سجل ذلك الشهر في هذا العام أهم الانتصارات الإسرائيلية، وربما أبرزها على الإطلاق، إذ فتح السلطان قابوس قصره لبنيامين نتنياهو في زيارة كانت الاولى له إلى بلد عربي لا يقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الكيان المحتل. والانكى من ذلك أن وزير خارجية السلطنة رد على مذيعة قناة «الجزيرة» حين سألته عن سبب الزيارة، بتعجب واستغراب بالغين، وكأنه لم يعد لسؤالها من مبرر قائلا لها بلهجة تهكمية «تسألين عن السبب؟ هل هو محظور عليه (أي نتنياهو) أن يزور عمان؟»، قبل أن يضيف أن «دولة اسرائيل هي دولة من دول الشرق الاوسط، وبالتالي فقد أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي رغبة في أن يزور السلطنة، وأن يعرض على السلطان ما يعتقد أنه يصلح شأن منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص الخلاف الاسرائيلي الفلسطيني، وتم الترحيب بذلك، فأتى وأبدى ما يريد أن يبديه، واستمع لما اردنا أن يستمع إليه والحمد لله». ولعل مثل ذلك التبسيط كان الاعتراف العربي الأقوى لا بدولة الكيان الإسرائيلي فحسب، بل اصلا بعدم وجود قضية فلسطينية، على اعتبار أن كل ما كان يجري هو مجرد خلاف اسرائيلي فلسطيني، مثلما قال الوزير وليس احتلالا استيطانيا بشعا لبلد وشعب شقيق. لكن الريح الصهيونية التي هبت على الخليج قد تكون مقدمة لعاصفة أعظم وأشد. فلم تعد القضية الآن هي هل يضحي الخليجيون ومن ورائهم باقي العرب أيضا بمصالحهم مع الغرب ومع إسرائيل ويلقوا بها جانبا، ويستمروا بالمقابل ولو في الدعم الرمزي والمعنوي للفلسطينيين أم لا؟ بل صارت في البحث عن الهدف النهائي للإسرائيليين من وراء أي عملية تطبيع يسعون لها. فهل تحولت عيونهم بعد الاطمئنان النسبي على استمرار الصمت والتواطؤ العربي والاسلامي في قرار الاعتراف الامريكي بالقدس، عاصمة للكيان المحتل، لتصوب بشكل دقيق ومباشر نحو مكة والمدينة وباقي اجزاء الجزيرة العربية؟ وهل أننا دخلنا الآن بالفعل في ذلك النفق المظلم الذي حذر منه الرئيس التركي رجب اردوغان في ديسمبر/كانون الأول الماضي حين قال أمام بعض الزعماء العرب والمسلمين «إذا فقدنا القدس فلن نتمكن من حماية المدينة المنورة، واذا فقدنا المدينة فلن نستطيع حماية مكة واذا سقطت مكة فسنفقد الكعبة»؟.
إن المأساة الحقيقية هي أنه بعد أن حول الحكام العرب لردح طويل من الزمن قضية فلسطين إلى اصل تجاري يرهنون به بقاءهم في كراسيهم، بدأوا يستشعرون الان ضرورة التخلص مما باتوا يعتبرونه عبئا ثقيلا قد يحرمهم من مزيد من الحماية الامريكية والاسرائيلية لعروشهم. وصار المنطق الذي يسوقون به تلك الرغبة هو أنه لم يعد بمقدروهم أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، في إشارة إلى العلاقات الوثيقة التي لم تنقطع أبدا بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وعلى اعتبار أنهم يرون أنه إن تنازل اأحد أو فرط في حقه، فلا يمكن للآخرين حتى لو كانوا مقربين منه أو على علاقة قوية به أن يهبوا للدفاع عما سلم فيه عن طيب خاطر. وربما كان مثل ذلك المنطق سليما ووجيها في حال ما اذا كانت فلسطين لا تخص أحدا غير الفلسطينيين، أو في صورة ما اذا كان أهلها قد قبلوا بالاحتلال ورضوا به، أو كانت حدود المخطط الاستيطاني الصهيوني مضبوطة بشكل دقيق. ولكن الأمر على العكس من ذلك تماما. فالقدس ليست سوى نقطة البداية لتحقيق حلم اسطوري بدولة كبرى «من النيل إلى الفرات» تضم اجزاء واسعة من مصر وفلسطين والاردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية. وهذا ما يفرض على العرب اليوم بالذات أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين انفسهم حفاظا على ما تبقى من مصالحهم بالدرجة الاولى، وتجنبا للنتائج الكارثية لألعاب صهيونية مقبلة ستكون بلاشك أكبر وأخطر ألف مرة من ألعاب الجودو والجمباز، وعليهم قبل ذلك وبعده أن يستحضروا كيف قال القذافي لقادتهم من انه «بكرة الدور جاي عليكم كلكم»!
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تونسي ابن الجمهورية:

    فى الشكل : السيد أردوغان قال للزعماء العرب و المسلمين «إذا فقدنا القدس فلن نتمكن من حماية المدينة المنورة، واذا فقدنا المدينة فلن نستطيع حماية مكة واذا سقطت مكة فسنفقد الكعبة»؟
    فى المضمون : 5.4 مليار دولار مبادلات تجارية مع دولة إسرائيل أبرزها تصدير الحديد و الاسمنت ( لبناء جدار الفصل و لما لا المستوطنات اصلا) …علم إسرائيل يرفرف عاليا فى أنقرة و فى عاصمة الخلافة اسطنبول و عشرات آلاف من الإسرائيليين يتشمسون سنويا فى بحر انطاليا ..و تنتهى بمواصلة العضوية فى الناتو الأمريكى الذى اعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل…..
    عندما كان العرب فلسطينيين اكثر من الفلسطنيين وقع إنهاء احتلال الضفة و غزة و اضيف لها بونيس الجولان و سيناء….واكمال تشريد الفلسطنيين ….اذا كفى تجارة بهذه القضية و اتركوا فلسطين للفلسطنيين يقررون ما يروه صالحا بهم ….و كل من يرى فى نفسه انه فلسطينى اكثر من الفلسطنيين نقول له فلسطين موجودة فى الشرق الأوسط و حدودها معروفة …الكلام الافتراضى لا يقدم و لا يؤخر ….تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها

    1. يقول محمد فوزي التريكي:

      تم الإعتراف بإسرائيل سنة 1949 في عهد الحزب الواحد التركي حزب الشعب الجمهوري.
      أردغان ورث تركة العسكر ومن بينها العلاقة مع اسرائيل وهي اليوم في تقلص ومرتبكة وغير مستقرة بعد احداث سفينة مرمرة تركيا لها أوقاف اسلامية في القدس والمسجد الأقصى ولهذا نلاحظ زيارة الأتراك الدائمة للقدس و زياراتهم كانت تمثل ازعاجا لشرطة الاحتلال الإسرائيلي وكم من تركي وقع القبض عليه في باحات الأقصى بسبب احتجاجه على السياسة الإسرائيلية؟
      -العلاقات الاقتصادية بين تركيا واسرائيل علاقات بين شركات تركية حرة ومستقلة عن سياسة الحكومة التركية
      -تركيا جمدت تعاونها الأمني والعسكري مع إسرائيل
      -الغاز والنفط في المنطقة الاقتصادية الخالصة بالدولة الإسرائيلية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لا يمكن أن يصديره إلى الغرب إلا عن طريق تركيا المشروع متوقف اليوم.
      -الحكومة التركية مكبلة باتفاقيات فينا لسنة 1923 وفي عام 2023 تنتهي الاتفاقية وعندها ستتغير العديد من السياسات التركية
      ملاحظة: فلسطين كانت جزء من الشام سوريا ومصر ولبنان والأردن اما الحدود التي تتحدث عنها فهيا حدود رسمها كل من سيكس وبيكو وهي الى زوال وستزول إسرائيل والعاقبة للشعوب وتحيا ارادة الشعوب

    2. يقول تونسي ابن الجمهورية:

      صحيفة ” ملى غازيتة ” الإسلامية التركية

      تضاعف التبادل التجاري مع إسرائيل عقب حادثة مافي مرمرة

      خبر صحيفة “ملي غازيته” الإسلامية، الصادر في 25 مايو عام 2015، بعنوان “لا تنظر إلى القول بل إلى الفعل”، كشف عما كان يدور في الخفاء بين إسرائيل وحزب العدالة والتنمية في تلك الأثناء.

      وأشار الخبر إلى بلوغ التبادل التجاري مع إسرائيل ضعف ما كان عليه على الرغم من حادثة مافي مرمرة، ففي عام 2009 كان حجم التبادل التجاري مع إسرائيل يبلغ ملياري و597 مليون دولار وببلوغ عام 2014 ارتفعت هذه النسبة إلى 5 مليارات و832 مليونا و180 ألف دولار.

      وفي عام 2010 الذي شهد حادثة مافي مرمرة كانت الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا تبلغ مليارا و360 مليون دولار، وارتفع هذا الرقم في عام 2013 إلى ملياري و418

  2. يقول محمد فوزي التريكي:

    تم الإعتراف بإسرائيل سنة 1949 في عهد الحزب الواحد التركي حزب الشعب الجمهوري.
    أردغان ورث تركة العسكر ومن بينها العلاقة مع اسرائيل وهي اليوم في تقلص ومرتبكة وغير مستقرة بعد احداث سفينة مرمرة تركيا لها أوقاف اسلامية في القدس والمسجد الأقصى ولهذا نلاحظ زيارة الأتراك الدائمة للقدس و زياراتهم كانت تمثل ازعاجا لشرطة الاحتلال الإسرائيلي وكم من تركي وقع القبض عليه في باحات الأقصى بسبب احتجاجه على السياسة الإسرائيلية؟
    -العلاقات الاقتصادية بين تركيا واسرائيل علاقات بين شركات تركية حرة ومستقلة عن سياسة الحكومة التركية
    -تركيا جمدت تعاونها الأمني والعسكري مع إسرائيل.
    -الغاز والنفط في المنطقة الاقتصادية الخالصة بالدولة الإسرائيلية في شرق البحر الأبيض المتوسط، لا يمكن أن يصديره إلى الغرب إلا عن طريق تركيا المشروع متوقف اليوم.
    -الحكومة التركية مكبلة باتفاقيات فينا لسنة 1923 وفي عام 2023 تنتهي الاتفاقية وعندها ستتغير العديد من السياسات التركية
    ملاحظة: حدود فلسطين الحالية فهي مصطنعة ففلسطين كانت جزء من (الشام سوريا ومصر ولبنان والأردن) و الحدود التي تتحدث عنها فهيا حدود رسمها كل من سيكس وبيكو وهي الى زوال وستزول إسرائيل ،والعاقبة للشعوب وتحيا ارادة الشعوب.

    1. يقول تونسي ابن الجمهورية:

      قرأت اخيرا كتاب على تاريخ العبودية فى تونس ….في 23 جانفي من سنة 1846، شهد التاريخ على قرار نوعي، أشع في مختلف ربوع العالم وعلى البلاد التونسية، عندما قرر أحمد باشا باي الغاء الرق والعبودية في خطوة جريئة وسباقة بمائة عام على عدد من الدول العربية وبعشرات السنين لأعتى الديمقراطيات اليوم …..
      لكن ماشد انتباهى و اثار استغرابي عندما وقع إلغاء العبودية و الرق ….بعض العبيد رفض الحرية و الانعتاق و بقى تابعا لسيده ….١72 سنة فيما بعد كل شئ ممكن …..تحيا تونس تحيا الجمهورية و لا ولاء إلا لها

  3. يقول S.S.Abdullah:

    عنوان رائع (لماذا ينبغي أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين؟) للرد على أهل فلسفة البيضة أول أم الدجاجة،

    فنحن نتكلم عن قضية فلسطين، فيأتي على سيرة رجب طيب أردوغان كرئيس للدولة العثمانية في عام 2018، وأن هناك سفارة للكيان الصهيوني أو بيوت للدعارة رسمية في المدن التركية، في الدفاع عن عدم مقاطعة دول مجلس التعاون في الخليج العربي، والتي تبين أنها حسب طلب رسمي من محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية،

    كما تفهم ذلك من تعليق صائب عريقات، من أن أمريكا تحارب سلطنة عمان، بعد زيارة نتنياهو لها، بحثا عن حل، كما بحث الرئيس الإيراني روحاني قبله عن حل؟!

    ومن وجهة نظري هناك شبه بين شخصية نتنياهو وشخصية دلوعة أمه (دونالد ترامب)، في موضوع حرصهم على نسف كل الاتفاقيات، وبداية من اتفاقية مدريد عام 1991 التي فرضها جورج بوش الأب تحت عنوان (الترتيب الجديد للعالم)، فخرجوا بأوسلوا في حينها؟!

إشترك في قائمتنا البريدية