لماذا سحبت السعودية سفراءها من قطر؟

بعد مضي كل ذلك الوقت لايزال هناك سؤال يلح في أوساط المراقبين.. ماذا يجري في منطقة الخليج، ولماذا سحبت المملكة العربية السعودية سفراءها من قطر، على اعتبار أن الإمارات والبحرين ‘توابع’ ولايمتلكان إرادة حرة؟ وهل ان القضية صراع بين الدول الكبرى والبقية أدوات، أم أن دول المنطقة تمتلك من المساحة ما يجعلها قادرة على المناورة لتحقيق مصالحها الذاتية؟ ولماذا وقفت الكويت وعُمان على الحياد؟ كل تلك الأجواء هيمنت على المشهد السياسي الخليجي بكل تناقضاته وتقاطعاته الداخلية والخارجية .
الحالة السعودية القطرية ليست جديدة، وإرهاصاتها الأولى بدأت مع وصول الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الموقع الأول في الدولة اثر ‘تسوية’ داخل الأسرة الحاكمة في قطر، أدت إلى مبايعة الشيخ حمد وعزل والده، وقد رفضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في ذلك الوقت تغييرات قطر، بل أن الأمر لم يتوقف عند المعارضة وتطورت الأمور حسبما يتردد إلى محاولة ‘إجهاض’ بمشاركة نظام محمد حسني مبارك في مصر، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل، ورفعت من درجة التأزيم بين البلدين وكانت لها تبعاتها الداخلية .
اذن هناك حقيقة راسخة ينبغي استيعابها، وهي أن العلاقة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى ليست على مايرام منذ زمن طويل، ولم تستحضرها الأحداث التي جرت في العالم العربي مؤخرا (ما يسمى بالربيع العربي)، ربما تكون قد عمقتها وألقت عليها المزيد من الحطب، لكنها بكل تأكيد ليست الشرارة الأولى، فالقضية بدأت بدس السعودية والإمارات أنفيهما في الشأن القطري الداخلي، وكان لهذا التدخل تداعياته المستمـــــرة منذ ذلك الـــيوم، ولا أستبعد أبدا ان موقفيهما في ذلك الوقت هو الذي أوحى للقيادة الجديدة في قطــــر ‘بلورة’ مشروع يرتكز على استقلالية القرار الخارجي .
هناك أسباب يمكن أن نضعها في إطار التداعيات للموقفين السعودي والإماراتي، بعضها يتعلق بما يسمى بالهيبة، وهي حالة يعتمد عليها النظام السعودي كثيرا في ‘ترويض’ خصومه داخليا وخارجيا، فلم يتعود ذلك النظام منذ ارتفاع أسعار النفط عام 1973 وامتلاكه مليارات الدولارات والانكفاء المصري بعد وفاة جمال عبدالناصر، أن يعترض أحد ما سياساته، ومن يفعل يدفع الثمن غاليا، وفقدان تلك الحالة يعني عمليا سقوط النظام. فيما يتعلق البعض الآخر بالإحراج الذي يسببه محور المقاومة (سوريا، إيران، حماس، حزب الله) له على صعيد القضية الفلسطينية، فهو من طرح المبادرة العربية للسلام، ولا يحق لأحد أن يزايد عليه في الحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني.
بقية الأسباب التي تطرح يمكن احتسابها فعليا ضمن السببين الرئيسيين، فاستقلالية السياسة الخارجية القطرية تفقد النظام السعودي هيبته، وتجعل من تلك الاستقلالية مدارا لمجموعات وتنظيمات عربية وإسلامية، ربما احتكر النظام السعودي دورها طوال السنوات الماضية، مما يعني عمليا تكريس نظام القطبين داخل مجلس التعاون الخليجي، وإعطاء تلك التنظيمات والمجموعات مساحة للمناورة في علاقتها القديمة مع ذلك النظام. كما أن فكرة القطبية نفسها تضعف من قدرة السعودية عــــلى التفاوض مع خصومها في محور المقاومة المحرج لها، وتجعل البدائل عن ذلك التفاوض في متناول اليد .
موقف السعودية الحالي من الإخوان المسلمين وتنظيمهم في فلسطين (حمـــاس) خاصة إلى الحد الذي أدى إلى إدراجهم بقائمة الإرهاب، ليس سوى مؤشر على أن الخلاف ليس خلافا جذريا، بل هو ‘غضب’ على قيادات ذلك التنظيم، بسبب تحبيذهم التعاطي مع القيادة الجديدة في قطر، على استمرار تعاونهم مع النظام السعودي، مما يلحق أذى بمفهوم الهيبة. ويندرج في نفس الموقف تعاون الإخوان المسلمين من خلال حماس مع سوريا وإيران وحزب الله، الأمر الذي يدخل في إطار الإحراج السياسي والانكشاف أمام الجماهير العربية والإسلامية .
قرار السعودية تضمين قائمتها للإرهاب (جبهة النصرة، الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ، حزب الله السعودي) ليس له علاقة بما يجري تجاه قطر، بل هو محاولة ‘تعويم’ ذاتية في مواجهة النجاحات التي حققتها الحكومة السورية وحليفيها الروسي والإيراني في إقناع دول العالم الأخرى بأن ما يجري في سوريا هو إرهاب برعاية المملكة السعودية، وهذا الإرهاب يمكن أن يمتد خطره إلى دول العالم الحر إذا جرى تجاهله، ليضاف إلى الاختراق الإيراني للتحالف الغربي في الملف النووي بتواطؤ من إدارة الرئيس باراك أوباما وعُمان حسب الرؤية السعودية، الأمر الذي خلق واقعا جديدا يتطلب إعادة صياغة الموقف، حتى لو كان لهذا الإجراء ضحايا بحجم الأمير بندر بن سلطان، وربما لاحقا الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية .
القتال بين المجموعات الإسلامية (الإرهابية) في سوريا مؤشر على أن هناك استجابة غربية للطروحات التي تمكنت الدول المؤيدة للحكومة السورية من إقناع الغرب بها، وقد حاولت السعودية أن تتبرأ من بعضها لتخفيف الضغط الغربي عليها، لكنها أخفقت أيضا، الأمر الذي دفعها من جديد إلى تبني خطوة أخرى تمثلت في إصدار قائمة الإرهاب وهو ‘انحناء’ مرحلي امام العاصفة لكي تمر، ويمكن بعد ذلك بناء خطوات جديدة وربما تنظيمات جديدة فلديها خبرة طويلة في هذا المجال، بدأت منذ نشوب خلاف بينها وبين مصر عبدالناصر في ستينيات القرن الماضي .
ليست القضية تمويل قطر للحركات الإسلامية فليس هناك نظام خليجي لا يقوم بتمويل مثل تلك الحركات، ربما باستثناء عمان، لكن القضية هي ‘تمرد’ قطر على الهيبة السعودية ومحاولتها تبني نظرة خاصة لها في القضايا المطروحة على المشهد السياسي العربي، واستمرار السياسة القطرية في إحراج الدولة العظمى في مجلس التعاون الخليجي، وهي التي تعتقد أنها لها الحق دون غيرها في أن تفرض ما تريد على شعوب المنطقة، كما أنها تحتكر العلاقة المميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وترفض لأي بلد خليجي أو عربي أن تكون له مثل تلك العلاقات .

‘ كاتب كويتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول اليماني:

    الف شكرعلى المقال الرائع أُستاذ ناصر العبدلي

  2. يقول بو محمد الامارات:

    اللهم اعز السعوديه أرض الحرمين حصن الاسلام الحصين وأذل الشرك والمشركين ومن حالفهم

    1. يقول kamal:

      سميت بأسم شخص فكيف تكون عزيزة بل ذليلة لمن أغتصبها وسماها بأسمه سيد الخلق لم يسميها بأسمه أتقوا الله وأتركوا الرياء والنفاق
      عن الرسول عليه الصلاة والسلام :تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت. رواه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة، وصححه الألباني. فما معنى ملكا عاضا وملكا جبريا،

  3. يقول من سلطنة عُمان:

    شكرا لكاتب الموضوع
    فعلا أنا أوافقك كل ما قلته نظام لا يريد لأحد أن يسير ضد إتجاه مستقل وإنما يريد الكل أن يكونوا تابع له.

  4. يقول اسامه - إسكندرية:

    كلام وتحليل في منتهى الدقه والصواب .

  5. يقول نور الدين البشير:

    مقال واقعي جدا

  6. يقول حربي علي. لندن:

    تحليل عميق من الكاتب وكل ما ذكره هو الواقع وآمل ان تبتعد الكويت بقراراتها عن الإذعان والتبعية

  7. يقول بندر السعوديه:

    تحليل رائع

  8. يقول بوناصر:

    أشكر الاستاذ ناصر على المقاله المتميزه وكذلك طرح القضية من جميع الجوانب
    ونفخر بوجود كاتب أمثال الاستاذ ناصر العبدلي على الساحة الخليجية والعربية

  9. يقول عربي يحب مصر:

    مقال واقعي جدا
    هذا مايريده القارئ العربي المتابع لاحداث الساحه
    لك التحيه كاتبنا العزيز

  10. يقول جاسم محمد:

    اتفق العرب على الايتفقواالى قيام الساعة

إشترك في قائمتنا البريدية