كيف تحولت رفح إلى “سيناريو مرعب” لمصر؟

حجم الخط
0

 تسفي برئيل

النقاشات التي جرت الأربعاء في مصر، وفي إسرائيل نهاية الأسبوع، بمشاركة رئيس المخابرات المصري عباس كامل ونظيره الإسرائيلي، وصفت بأنها “جولة الفرصة الأخيرة”. جولة هدفت إلى منع اقتحام الجيش الإسرائيلي لرفح مقابل تحريك صفقة تبادل للمخطوفين وإطلاق سراح سجناء فلسطينيين. الإشارات التي خرجت من غرفة المفاوضات أشارت إلى “محادثات جيدة” و”أجواء إيجابية” و”مرونة إسرائيلية” و”فرص جيدة” – لكنها أوصاف سمعناها في جولات سابقة ولم تثمر. النبأ الوحيد المؤكد هو أن “حماس تفحص الصفقة وسترد عليها”. خلافاً للجولات السابقة، مصر هي التي بادرت هذه المرة وتقوم بتحريك المحادثات، وليس قطر.

لم تختف إمارة الخليج من الصورة، لكن يبدو أن الانتقاد الذي وجه إليها في الفترة الأخيرة وعددا من التطورات الأخرى أبعدتها عن مركز المنصة. وشملت التطورات مطالبة عضو مجلس النواب الأمريكي ستني بويار من الرئيس الأمريكي بـ “إعادة النظر” في العلاقات مع قطر؛ والرد الشديد لرئيس الحكومة محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي بحسبه “قطر ستعيد النظر في تدخلها في الوساطة”؛ وأيضاً التقارير بأن الدوحة قد تطلب من قيادة حماس مغادرة قطر؛ وأن إيران توجهت للرئيس السوري بشار الأسد وطلبت منه فحص إمكانية استيعاب قادة حماس في بلاده (الطلب الذي رفض بشكل مطلق). هكذا تم إلقاء مهمة الوساطة بكل ثقلها على مصر.

لكن القاهرة، خلافاً للدوحة، لا تقدم فقط خدمات الوساطة لصالح إسرائيل وحماس والولايات المتحدة؛ ذلك أن الاستعدادات في إسرائيل والقطاع قبل عملية رفح جعلت مصر الطرف الأكثر اهتماماً، لأن أمنها الوطني معرض للتهديد. مصر الآن شريكة في الدفاع، وتحشد كل الموارد السياسية من أجل التوصل إلى الصفقة التي ستنقذها من سيناريو التهديدات المتوقعة ما وراء الحدود في رفح. في بداية الحرب، كانت مصر تواجه تهديداً يتمثل باقتحام مئات آلاف سكان غزة لأراضيها، لكن التهديدات أصبحت في هذه المرة واقعية وفورية.

في المرحلة الأولى من إخلاء شمال القطاع، كان يمكن لنحو مليون مواطن غزي أن يتحركوا نحو الجنوب ويجدوا ملجأ محمياً لهم، ولكن العودة إلى شمال القطاع الآن غير ممكنة، أو على الأقل محدودة جداً، وتخشى مصر (وبحق) من أن يتحرك النازحون نحو الغرب الآن، إلى شبه جزيرة سيناء وما بعدها. نشر الجيش المصري في الواقع قواته على طول الحدود، وأعلنت القاهرة بأنها لن تسمح “لأي لاجئ فلسطيني” بالوصول إلى أراضيها، لكنها سارعت أيضاً إلى إقامة معسكرات خيام كبيرة في خان يونس وأعدت مساحات “محايدة” تحيطها الأسوار، التي سيتم استيعاب النازحين فيها، الذين رغم ذلك سينجحون في اجتياز الحدود. الأمر الأخير الذي تحتاجه مصر هو صور وأفلام لجنودها وهم يطلقون النار على اللاجئين الفلسطينيين الذين يهربون من هنا، لذا أداة الضغط لها قد تكون أكثر نجاحاً.

دعامة القاهرة القوية موجودة في واشنطن. حسب مقال نشره المحلل في “نيويورك تايمز”، توماس فريدمان، في نهاية الأسبوع، فإن الولايات المتحدة حذرت إسرائيل بأنه إذا اقتحمت رفح “رغم معارضة واشنطن”، فقد يقيد الرئيس الأمريكي صفقات السلاح معها. فريدمان، الذي ينقل رسائل رئاسية بشكل مباشر، اقتبس مصدراً أمريكياً رفيعاً، الذي بحسبه “لا نقول بأن على إسرائيل ترك حماس لحالها. نقول إننا نؤمن بوجود طريقة أكثر تركيزاً لملاحقة قيادتها بدون تدمير رفح وكل مبانيها”. هذا الاقتباس يدل على الفرق الأساسي في الرؤية العسكرية الإسرائيلية والأمريكية. ففي حين أن إسرائيل ترى في تدمير كتائب حماس الأربع المتبقية في رفح هدفاً حيوياً في الطريق إلى النصر المطلق، فإن واشنطن تركز على فرصة لتدمير قيادة حماس، وبالأساس منع عملية عسكرية تحدث كارثة إنسانية كبيرة وتؤدي إلى دمار مطلق سيترك غزة بدون بنى تحتية من أجل إعمارها.

في هذا الشأن تدرك واشنطن تخوفات مصر بشكل جيد. مواقفها أمام القاهرة منسقة أكثر مما هي أمام إسرائيل. ليس القضية الإنسانية وحدها هي التي ستكون على المحك عند احتلال رفح، بل إن شبكة العلاقات بين إسرائيل ومصر قد تصبح مواجهة مباشرة بينهما إذا أدركت مصر بأن رفح أصبحت تهديداً استراتيجياً. احتلال المدينة يعني السيطرة على محور فيلادلفيا القريب من الحدود، ما يلزم بدخول قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة، التي حسب اتفاق كامب ديفيد واتفاق المعابر من العام 2005، يجب أن تكون منزوعة السلاح ولا شيء فيها إلا قوة مصرية محدودة من حيث الحجم والسلاح. إذا أصبحت منطقة الحدود ساحة معارك بين حماس والجيش الإسرائيلي، التي قد تنزلق إلى أراضي مصر، فهذا أمر سيضع القاهرة أمام معضلة سياسية وعسكرية صعبة.

مؤخراً، تم اقتباس مصادر رسمية مصرية في وسائل إعلام محلية: “مصر مستعدة لكل الاحتمالات، وتعرف كيفية الدفاع عن أراضيها وسيادتها”. مصر لا تريد الوصول إلى مفترق الطرق الحاسم هذا الذي سيلزمها بفحص علاقاتها مع إسرائيل ويضعها على مسار تصادم مع الولايات المتحدة. إنهاء الحرب حيوي بالنسبة لها بدرجة لا تقل عن حماس. الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها منذ بداية الحرب ضخمة: تقلص حوالي نصف مداخيلها من التجارة في قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على مسارات الملاحة الدولية في البحر الأحمر؛ وفرع السياحة الذي يشكل 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الخام للدولة، تقلصت مداخيله أيضاً بـ 30 في المئة؛ وإنتاج الغاز الطبيعي انخفض، والحكومة تواجه ديناً خارجياً كبيراً (167 مليار دولار في السنة)؛ وسعر الجنيه المصري انخفض دراماتيكياً مقابل سعر الدولار (بسبب خفض الأسعار الذي طلبه صندوق النقد الدولي كشرط لإعطاء القروض التي طلبتها القاهرة). كل ذلك يلزم مصر بالتحول من “وسيط محايد” إلى دافع قوي يحتاج إلى عقد الصفقة بين إسرائيل وحماس، حتى أكثر منهما.

نقطة الانعطاف

في الحقيقة، تستعد مصر لاحتلال رفح، لكنها تقدر أن مكانة المدينة تتراوح بين هدف الجيش الإسرائيلي العسكري الذي بدونه -كما تدعي إسرائيل- لا يوجد ما يمكن التحدث عنه حول تدمير حماس، وبين ورقة مساومة سياسية وإنسانية، يتعلق بها مصير المخطوفين الإسرائيليين؛ ولا يقل عن ذلك مصير العلاقات بين إسرائيل ومصر، واحتمالية التطبيع بين إسرائيل والسعودية. استُخدمت رفح في السابق كورقة مساومة، لكن في الاتجاه المعاكس.

قبل ثلاثة أسابيع، عندما كانت إسرائيل متخبطة في كيفية الرد على هجوم إيران بالصواريخ والمسيرات، نشر أن الولايات المتحدة عرضت صفقة، تقول بحصول إسرائيل على “إذن” لاحتلال رفح مقابل رد محدود ضد طهران يمنع التدهور إلى حرب شاملة. وإذا كان ذلك حقيقياً، فإنها كانت جيدة في حينه، واستهدفت منع سيناريو دولي عبثي. رد إسرائيل على إيران كان محدوداً حقاً، لكن رفح ليست ساحة لعب حرة للجيش الإسرائيلي. المدينة قد تحمي مصالح إقليمية وأمريكية، تتجاوز بكثير الهدف التكتيكي لتصفية حماس، الذي هو في الأصل لا يحظى بثقة كبيرة من واشنطن.

هآرتس 28/4/2024

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية