« قلع الحجر»: مُسلسل ينصف المرأة الصعيدية بعد سنوات الغُبن!

كمال القاضي
حجم الخط
0

في ظل تعدد الأفكار والموضوعات وتغير نوعية الجمهور بشكل مؤثر، باتت الدراما الجنوبية، أو الصعيدية إبداعاً مُغترباً إلى حد كبير بين التصنيفات الفنية العصرية المُختلفة، التي زخم بها الموسم الرمضاني هذا العام فلم تتمتع بالكثافة التي كانت عليها طوال المواسم السابقة، ومن ثم جاء مسلسل «قلع الحجر» للمؤلف الشاب أحمد وفدي والمخرج حسني صالح كحالة استثنائية فالكاتب الذي يبلغ من العُمر 34 عاماً حاول نقل الصورة الدرامية الواقعية عن المُجتمع الجنوبي، كما عايشها فهو أحد أبناء محافظة قنا التي تُمثل قلب الصعيد.
وقد تأثر وفدي بما رآه وسمعه، أو سمع عنه من صور وحكايات تخص الصراعات التقليدية داخل المنطقة الجغرافية شديدة الخصوصية في عادات وتقاليد سكانها بلغتهم وثقافتهم وأساليب تعاملهم مع بعضهم بعضا، ولأن الصراع القبلي وقضية الثأر من العلامات الدالة على المكون والموروث الصعيدي، فلم يستطع المؤلف الفكاك من الأشياء التي رسخت في عقله ووجدانه، وسجلتها ذاكرته، فعمد إلى ترجمتها درامياً لتكون نموذجاً لعمل يحاكي الواقع الفعلي للصعيد، ويُعبر عنه بما يراه الكاتب مُختلفاً ومُغايراً إلى حد ما، رغم أنه نابع من الفكر نفسه ومُقتبس من الثقافة الاجتماعية ذاتها المعهودة مع بعض الاختلافات في طريقة وأسلوب المُعالجة والطرح.
المسلسل في مجمله يقدم ملامح من أحداث واقعية جرت بالفعل في محافظة قنا، بطلها العُمدة فرماوي، الذي يجسد شخصيته الفنان محمد رياض، وهو الشخص المُهاب الذي تتميز شخصيته بالهدوء والقوة والقُدرة على مواجهة العواصف والصراعات القائمة بينه وبين إحدى العائلات الكُبرى المنافسة، وفق الصراع التقليدي القديم، الذي تكرر في الكثير من المُسلسلات السابقة.
وربما المُختلف والمُميز لموضوع مسلسل «قلع الحجر» هو ذلك الانحياز الشديد للمرأة، ومحاولة حماية حقوقها الأساسية في التعليم والميراث وحرية اختيار الزوج المُناسب، على عكس ما كان سائداً خلال السنوات الطويلة الماضية، فشخصية هبة تُعد المحور الرئيسي في عملية المواجهة والحرب الدائرة بين الموروث القديم والثقافة الجديدة، التي يحاول الكاتب أحمد وفدي إبرازها كمُتغير جوهري في تركيبة المجتمع الصعيدي لمحو الفكرة السلبية المأخوذة عن بعض الممارسات الرجعية، التي كان يقوم بها زعماء القبائل في الصعيد في مراحل سابقة، بوصفهم أوصياء على أهلهم وذويهم.
غير أن الحروب الدائرة على مدار السنة بين العائلات الكُبرى الرئيسية في القرى والنجوع، نتيجة الثأر والخلافات التي تتولد بالاحتكاك، والرغبة في السيادة والسيطرة، نراها في مُسلسل «قلع الحجر» مجرد ظلال تتوارى وتختفي تدريجياً بفعل الدور الذي يقوم به العقلاء من أهل القرى ومواطن النزاع المُختلفة، وهؤلاء العُقلاء يُرمز لهم بشخصية الشيخ عيسى، الرجل المُستنير الذي يواجه الجهل ويقف إلى جانب أصحاب الحقوق ويدافع بضراوة وإصرار عن حرية المرأة، فضلاً عن إنه يقاوم تيار الاستغلال المُتمثل في شخصية رجل الأعمال فؤاد، ذلك المُبتز الطماع الذي يسعى للاستحواذ على كل شيء وأي شيء، فهو لا يؤمن إلا بالمال كسلاح للسيطرة والقوة وتحقيق الغايات.
ومن بين الشخصيات الإيجابية التي تقوم عليها الأحداث شخصية عبد الحي الشاب الذي يتمرد على سيطرة ونفوذ والديه ويرفض الانصياع لقراراتهما التعسفية المؤدية إلى الظلم الاجتماعي وتحجيم حريته الشخصية، كي يظل دائراً في فلك الأب والأم، لمجرد أنهما يرغبان في ذلك بدعوى الحرص على مصلحة ابنهم ومستقبله، بينما يعتبر الابن هذه السياسة بمثابة قتل لروحه واغتيال لإنسانيته، حيث تُفضي الممارسات القاسية من جانب الأب إلى فقدانه شخصيته وبقائه سجيناً داخل عالم والده الذي ينتمي لزمن آخر وثقافة أخرى لم تعد ملائمة لعصره ومرحلته وأيامه وفكره الجديد التواق للحرية والاستقلال.
وقد أفلح المخرج حسني صالح في توزيع الأدوار على الأبطال، حسب كل شخصية، فهناك الفنانة القديرة سوسن بدر والفنان الكبير عبد العزيز مخيون والفنانة سميرة عبد العزيز وثلاثتهم يمثلون الأضلع الرئيسية للحلقات الدرامية، والقصة المُثيرة بتفاصيلها البعيدة إلى حد كبير عن الشكل النمطي التقليدي المُعتاد في المُسلسلات، التي تعرض أوجه الصراع في المُجتمع الجنوبي.
فكما ذكرنا سلفاً يحاول المؤلف مع المخرج تقديم الصورة العصرية التي باتت عليها الحياة في صعيد مصر دون الإسراف والمُغالاة في الحديث عن الدم والقتل والعار والدمار، وضرب النار إلى آخر مكونات التأثير والإثارة التي عهدها الجمهور في المُعالجات الإبداعية الدرامية الخارجة في أغلب الأحيان عن الشكل الطبيعي والمنطقي في الحياة الجنوبية. ولأن توظيف المُمثلين داخل الأدوار والمساحات الخاصة بهم كان دقيقاً، فقد نجح بقية الأبطال، منى عبد الغني ومروة عبد المنعم وندى ماهر ورضوى إيهاب ومدحت تيخا في تجسيد أدوارهم بشكل لافت، وبرعوا في التعبير عن المحتوى الفني للقصة والسيناريو، وبالقطع استطاعوا بلورة الجهد الكبير المبذول من جانب المخرج حسني صالح فظهر المُسلسل بالشكل اللائق والمستوى المُتميز.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية