في نهاية الموسم: الدعاية تصنع من دراما «الحشاشين» أسطورة!

لا تزال أصداء الموسم الدرامي الرمضاني قوية، رغم انقضاء الشهر الكريم وانتهاء جميع المُسلسلات، وإعلان بعض الصُحف والمواقع الإلكترونية للنتائج التي ترتبت على استطلاعات الرأي الجماهيرية، وكشفت مؤشراتها عن مجموعة من الحقائق.
على مدى ثلاثين يوماً توالت عروض المُسلسلات المصرية باختلاف نوعياتها ومضامينها، وبرزت ملامح كل عمل بما يُفصح عن المستوى الفني والإبداعي ويشكل الرأي العام للجمهور المُستهدف، الذي يؤول له الحكم النهائي، وفقاً لمُعدلات المُشاهدة ومعايير التقييم، وما تُصرح به الأغلبية من آراء وتُعبر عنه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت مرايا عاكسة للنبض العام، ودليلاً على القبول أو الرفض لما يتم تقديمه على الشاشات الصغيرة ونوافذ الفضائيات.
لقد حظي مُسلسل «الحشاشين» بالنسبة الأكبر من المُشاهدة، ليس لأنه الأفضل على الإطلاق بين الأعمال التي تم عرضها، لكن لأنه المُسلسل الوحيد تقريباً الذي توافرت له كل إمكانيات الدعاية والترويج وخُصصت له ميزانية مفتوحة، دون حد أقصى، فضلاً عن تميزه التقني الواضح ومنحه فرصاً إضافية للتصوير في الأماكن الطبيعية المفتوحة داخل مصر وخارجها، وهو ما لم يتوافر لأي من المُسلسلات الأخرى بما فيها المُسلسلات المُشتركة في جهة الإنتاج. هذه العناية الفائقة بمُسلسل «الحشاشين» وضعته على رأس قائمة الأعمال الدرامية من قبل أن يتم عرضه، وبالتالي ساهم هذا التمييز الإعلامي والإعلاني في رفع نسب المُشاهدة بشكل واضح وملحوظ، فكان من الطبيعي أن يحتل موقع الصدارة باعتباره عملاً فارقاً في كل شيء، رغم الملاحظات الكثيرة على أداء البطل كريم عبد العزيز، وقصة الحشاشين، ومصدر المعلومات واستخدام اللهجة العامية في الحوار، بدلاً من اللغة العربية الفُصحى كما هو معهود في الأعمال التاريخية، لكن لأن هناك إصرارا على إنجاح العمل وتتويجه كمُصنف مُختلف ومهم تم التجاوز عن كل النقائص، وأفردت مساحات إعلامية مطولة لكاتب السيناريو عبد الرحيم كمال، والمُخرج بيتر ميمي للحديث عن الفتح الدرامي المُبين خلال موسم 2024 وبناءً عليه تمت تهيئة الرأي العام لاستقبال المُسلسل استقبالاً حسناً كان له بالغ الأثر في الدعم والتأييد الشعبي.
هذه الطريقة التسويقية ربما تكون صالحة لترويج البضائع الاستهلاكية المُتصلة بالغذاء والكساء، وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية، لكنها لا تُناسب بطبيعة الحال المُنتج الإبداعي الذي يحتوي على الأفكار والفلسفات، ويخضع لمنطق العقل في الحُكم على الأشياء بالدرجة الأولى، حيث الإسراف في دعم شيء مُعين مهما كان نوعه يؤدي بالضرورة لرد فعل عكسي ويخلق مساحة للتشكك في ماهية هذا الشيء وطبيعته وجدواه وهو ما يُفسد الفكرة برُمتها ويُبطل مفعولها بمرور الوقت.
مما لا شك فيه أن مُسلسل «الحشاشين» وهو عمل مُبهر من الناحية التقنية والتنفيذية، سحب البساط من تحت أعمال أخرى على مستوى راقٍ من التنفيذ والتوظيف فعلى سبيل المثال لم يحظ مُسلسل «عتبات البهجة» للنجم يحيى الفخراني بنصف ما حظي به مسلسل «الحشاشين» من دعم مادي ولوجستي. وكذلك مُسلسل «مسار إجباري» و»إمبراطورية ميم» و»قلع الحجر» و»مليحة وجودر» و»دون سابق إنذار» و»فراولة» و»رحيل» و»بقينا اتنين» وبـ100 راجل» وغيرها. ورغم أن البطولات لنجوم كبار ونجمات لامعات كآسر يسن وياسر جلال وشريف منير وخالد النبوي وحلا شيحا ونيللي كريم وسُمية الخشاب وأحمد داش، إلا أن نصيب كل هؤلاء من الدعاية لم يتعد الحدود المُقننة، كي يظل التركيز كله على مسلسل واحد بوصفه الحصان الأسود المُراهن عليه في حسبة النجاح والتغذية الفكرية والثقافية المُتضمنة داخل الموضوع. ومع الاعتراف بحق الجهة المُنتجة في دعم مُنتجاتها الفنية والإبداعية، لتحقيق الأهداف المرجوة، إلا أن عدالة توزيع الاهتمام والعمل على تكافؤ الفرص بين جميع الأعمال لتمكينها من النجاح والانتشار، تُعد شرطاً من شروط المُنافسة الشريفة، لاسيما أن كل المُكتسبات تصب في خانة الصالح العام، فضلاً عن أن العملية الإنتاجية على أي مستوى، وبرعاية أي جهة هي تقوية للاقتصاد القومي والعناية بها جد مهمة وضرورية لمواجهة الأزمات والمخاطر والأعباء، فدون دوران حقيقي لعجلة الإنتاج الدرامي في اتجاهات مُتباينة ومُختلفة، لن تتحقق التنمية المُستدامة، بل يظل العائد الربحي مجرد أرقام تذهب حصيلتها في الاتجاه الاستهلاكي من غير جدوى.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية