في رواق ‘حشاد’ بتونس’: باقة من تلوينات الفن التشكيلي التونسي المعاصر

أن تتداخل الألوان وتشرح فيض المعاني للزائرين قولا بالأشياء والعناصر والتفاصيل فان ذلك يعد من حالات الفن التونسي الحديث، الذي تعددت تعبيراته وطقوسه وأشكاله في المجالات الفنية والثقافية ..وخاصة في الحقل الشاسع للفن التشكيلي..
في ضاحية المنزه بأريانة افتتح الرواق الجديد ‘حشاد’ الذي مثل اضافة نوعية وقيمية حيث كانت مختلف الفضاءات السفلية والعلوية متحلية بباقة من ابداعات الفن التشكيلي التونسي المعاصر لنجد أعمالا لأجيال وتجارب وتيارات مختلفة في معرض كبير جمع تقنيات ومدارس فنية تعكس الحراك التشكيلي التونسي الآن وهنا..
أعمال تشكيلية لكل من عبد المجيد بن مسعود وعائشة دبيش ورضا بالطيب وسمير مخلوف ومنجي معتوق وماجد زليلة وسامي بن عامر وابراهيم العزابي وخالد التركي وعلي الزنايدي وشهلة سومر وزين الحرباوي والحبيب بيدة والهادي التركي ووليد الزواري وبن محمود ومراد الحرباوي وعلي رضا وحمدة دنيدن وهدى العجيلي وتهاني الحناشي وهاجر جابر ونهى ماجري ولطفي بن صالح ويسر بلحاج الطيب ومريم بالطيب وابراهيم بالطيب ورضا مهذبي وفتحية عيساوي ومشفر بنور ورحاب دنيدن…
تتجول في المعرض فتلمس تلك الشحنة من التعبيرات التي تذهب باتجاه موضوعات وتيمات كثيرة تشبع وتلبس بها الفنانون ومنها المدينة والفلكلور والتراث والذاكرة والحلم والبهجة والحب والتحدي ..
‘عم الهادي التركي’ شفاه الله عرضت له لوحات مختلفة في تواريخ انجازها ولكنها عبرت عن توهج تجربته في الثمانينات والتسعينات من خلال تقنية الرسم بالخطوط في تجريدية أنيقة مثلت حيزا مهما في تجربته التشكيلية منذ الخمسينات من القرن الماضي حيث كان ملفتا في خصوصياته الجمالية في تلك الفترة من ظهور مدرسة تونس وجماعتها ومنها الصوفي وفرحات والزبير والقرجي…
الفنان ابراهيم العزابي من خلال لوحاته يمضي مواصلا طرح سؤاله الجمالي المتصل بالأسطورة وفق تقنية الكولاج وكانت لوحته برواق ‘حشاد’ ضمن هذا السياق وبالتقنية المزدوجة..
لوحات الفنان علي الزنايدي اهتمت بما هو ثقافي في المجتمع وخاصة الجنوب من ذلك الفلكلور باعتباره العمق الفني السوسيولوجي لتونس حيث كانت لوحات الأكريليك في غاية الانتباه الجمالي والثقافي الذي عرف عن تجربة الزنايدي..لوحة الفنانة شهلة سومر كانت مهمة من حيث الحجم ونعني ‘طريق الحرير’ التي كشفت وأبانت عن خبرة تشكيلية في التعاطي مع التقنية المزدوجة وذلك الى جانب لوحتين عن الحب والحلم لذات الرسامة.
المدينة، لوحة مميزة من حيث الاشتغال والتقنية وهي للرسامة عائشة دبيش التي توغلت من خلال هذا العمل الزيتي في ثنايا وتفاصيل المدينة قولا بالحنين والذكرى..و بالأسئلة الدفينة تجاه مدينة عشقتها فبادلتها الحب والحلم..الفنان التشكيلي العراقي علي رضا يعرض بهذا الفضاء أربع لوحات ومنها ‘المدينة’ ..هذا المبدع الذي يقيم بتونس ويدرس بها الفنون الجميلة عبر في أعماله عن الوله المفتوح تجاه المدينة كمكان وكذائقة وذلك بمناخاته التعبيرية بمسحتها التجريدية والصوفية..الفنان المعروف حمدة دنيدن عرض أربع لوحات بين الزيتي والرسم حيث سافر بنا في عوالم الفرح والبهجة لتبرز شخصياته التشكيلية الضخمة (النسوة) ضمن لعبة جمالية وتعبيرية عرفت بها تجربته بين مجايليه من التشكيليين..في المعرض أيضا نجد لوحات الفنان مراد الحرباوي الزيتية والتي تذهب في تجريديتها الباذخة قولا بسلطة الألوان وتعدد المعنى..الفنانة هدى العجيلي في لوحتها الثلاثية تواصل تعميق أبعاد مسارها الفني من حيث اللعب على الفضاء اللوني الشاسع الذاهب الى عناوينه الأولى ومنها التواصل والبحث الذي هو ديدن الانسان في حله وترحاله..هاجر جابر وفي ‘المقامات’ و’دائرة الحب تفتح مجالات جمالية فيها الكثير من الوجد ..نهى الماجري تأخذنا غبر الفوتوغرافيا والتقنية المزدوجة والأكريليك الى عوالم من جمال النظر والتأمل ..تهاني الحناشي تبرز في أعمالها تلك العلاقات الحميمة تجاه الفن من خلال تأكيد جانبها الخصوصي في سياق تجربتها التشكيلية ..الفنان لطفي بن صالح يواصل من خلال لوحاته الثلاث المعروضة نهجه التشكيلي الذي يشتغل ضمنه في سياق من جمالية الشكل والمضمون ..الفنانة يسر بلحاج الطيب تقدم لوحات فيها الكثير من الرغبة تجاه الخصوصية الذهاب الى الأقاصي..و الأعماق ..
الفنان عبد الستار العبروقي وضمن تقنية مزدوجة يذهب بالعمل الى حالات من شعرية العناصر والتفاصيل ..فتحية العيساوي بين الذات وعوالم المرأة تأخذنا في لوحتيها الى عمق اللحظة الفنية والانسانية..مشفر بنور الفوتوغرافي المميز يقدم في المعرض عملين عن ‘رادس’ و’المدينة’ لتبرز خبرته الفنية بتقنية الفوتوغرافيا الساحرة حيث تبدو الامكنة بأشكالها وحالاتها الجديدة والمتجددة في الزمان ..الفنانة رحاب دنيدن تأخذنا الى عوالم ‘سيدي بوسعيد’ الساحرة ضمن نظرة جمالية حالمة..
المعرض ضم أيضا أعمالا في فنون النحت للفنان عبد الحميد الحجام حيث كانت المنحوتات تشير الى ‘بورقيبة في الصادقية’ و’نساء واقفات’ و’بورقيبة التلميذ’ … وقد تعددت مواد المنحوتات بين البرونز والخشب والجبس والرخام..أعمال أخرى للفنانين ابراهيم بالطيب ورضا المهذبي وغديرة والعلاني ومريم بالطيب وفاتن المهذبي وهي بين الزيتي والباستال والأكريليك والتقنية المزدوجة وهي تعبر عن تجارب متعددة يجمع بينها سؤال الفن وسياقاته الوجدانية والانسانية والتعبيرية والثقافية..
المعرض وبهذا الافتتاح الكبير جاء ليعاضد الحيوية الفنية التشكيلية بتونس، وبالفعل فالعملية أشبه بالمغامرة في أوضاع اجتماعية وسياسية متحولة ومتغيرة ولكن الأمر بالنسبة لصاحب الرواق الهادي حشاد مختلف فهو بعد خبرة عمل لاربعين سنة كقائد طائرة كان يبحث عن استراحة بعيدا عن الضغط الذي قال انه ينساه بمجرد وقوفه أمام لوحة تشكيلية وكان يحب المعارض والفن الى أن تعرف الى الفنان الكبير حمدة دنيدن في مناسبة عائلية حيث نصحه باستثمار ماله ووقته في رواق وكانت الفكرة وتحقق الحلم..حمدة دنيدن هو منسق المعارض ومستشار صاحب الرواق وهو يعد لورشات لتعليم الرسم للهواة وكذلك للخط العربي الى جانب وحدة للتداوي بالفن التشكيلي، كما سيكون الرواق مفتوحا أمام اللقاءات الفنية والفكرية والأدبية في علاقاتها بالفنون الجميلة، كما يرى السيد حشاد أن هذا المنجز يعد دعما منه للفن والثقافة في تونس ومساندة للمبدعين ومن شأنه أن يحرك الساحة التشكيلية في تونس وهو ينفتح كذلك على التجارب التشكيلية العربية والعالمية ..
هكذا تلج المكان لترى الباب الكبير بشكله التونسي التقليدي وبمفتاحه الكبير..وهو من مفاتيح تونس القديمة ..له مع صاحب الرواق حكاية أخرى.. باب يحيل على الأبواب الكبرى لسيدي بو سعيد .. تصعد درجات على جانبها نباتات وأزهار وورود لتجد الفضاء الأنيق الملائم للأعمال الفنية..
هذا هو الرواق ‘الحشادي’ القريب من الزعيم النقابي فرحات حشاد والمحيل الى قرقنة..الجزيرة وجمال المكان.. والمفصح عن العلاقة العميقة والشعرية بين الجو والطيران والألوان وعوالم الفن الباذخة. رواق وأعمال وفنانون يحلمون ويرسمون وينحتون ويلتقون والفن بالنهاية هو اللقاء بين هذا وذاك..بين الحلم والأمكنة ..وبين اللوحة والزائر والجمهور.
اعلامي تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية