في رصيده القنّب والتطبيع: هل يستحق العثماني التهنئة أم الرثاء؟

حجم الخط
10

قرار الحكومة المغربية تقنين زراعة القنب خطوة تستحق الوقوف عندها لِما فيها من جرأة وإقدام.
تصبح القصة أكثر إثارة وحماسا عندما يقفز إلى ذهن المرء أن من يقف وراء هذا القرار الاستثنائي، ولو شكليا، هو حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي.
في باب البحث عن المبررات والأعذار يجب القول بدايةً إن قرار تقنين زراعة، علاوة عن كونه تعبيرا عن جرأة غير طبيعية وشجاعة نادرة في بلد ومنطقة تعوَّدا على دسّ الرؤوس في الرمل والهروب إلى الأمام في القضايا الاجتماعية والسياسية الكبرى، هو كذلك نتيجة لمسار بدأ قبل اليوم.
منذ خروج المغرب من حالة الإنكار، أصبح موضوع القنب وتقنينه من عدمه، دائم الحضور في الأوساط الإعلامية والمثقفة. شيئا فشيئا تحررت وسائل الإعلام وأصبحت تتناول الموضوع بأريحية أكثر. صحيفة «الصحيفة» مثلا، نشرت في عدد الخامس من أيلول (سبتمبر) 2019 تقريرا بعنوان «الكيف.. الذهب الأخضر الذي لا يحسن المغرب استغلاله». مع الأيام أصبح دعاة تقنين زراعة القنب أكثر حضورا وأعلى صوتا. حججهم علمية وطبية واقتصادية. تطوَّر خطابهم حتى وصل إلى لوم سلطات بلادهم على إهمالها هذه الثروة المسماة، في منطقهم، «الذهب الأخضر».
في مقابل هؤلاء هناك المتحفظون، وفي الأغلب لدواع أخلاقية واجتماعية وصحية.
في منطق البحث عن الأعذار، يمكن القول إن القرار طريق للتحكم في هذه «الصناعة» التي تحوَّلت مع الزمن إلى صداع للسلطات المغربية (لأن أغلب كميات الكيف المستخرج من القنب والمستهلك في أوروبا مصدره المغرب). يتضمن ذلك سحب البساط من تحت أقدام أباطرة السوق السوداء وتجارة الممنوعات الذين يجنون ثروات هائلة وراء ظهر السلطات وعلى حساب صغار المزارعين والعمال المعدمين. فمنطق «كل ممنوع مرغوب» ساهم بلا شك في رواج زراعة القنب وانتشار الكيف المعالَج في المغرب وفي دول الجوار وصولا إلى أوروبا، حتى لو أن المغرب لم يشتهر كسوق واسعة الاستهلاك.
هذا إلى جانب العامل الاقتصادي الهام والمتمثل في العوائد المالية (هيئة الإذاعة البريطانية قدّرت مداخيل المغرب من الكيف بـ8 مليارات دولار سنويا) التي ستُضَّخ في الاقتصاد المغربي المحتاج لكل فلس في هذا الزمن الصعب.
لكن هل تكفي هذه الأسباب لتخفيف عبء المسؤولية الأخلاقية والتاريخية من على ظهر السلطات المغربية وحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة؟
من المؤكد أن الحكومة التي يرأسها سعد الدين العثماني ليست هي صاحبة فكرة تقنين زراعة القنب. ومن المؤكد أكثر أن حزب العدالة والتنمية أبعد ما يكون عن الفكرة. لو تُرك الأمر للعثماني وحزبه وحكومته، لسارت الأمور في اتجاه التشدد والعقوبات القاسية.

منذ خروج المغرب من حالة الإنكار، أصبح موضوع القنب وتقنينه من عدمه، دائم الحضور في الأوساط الإعلامية والمثقفة. شيئا فشيئا تحررت وسائل الإعلام وأصبحت تتناول الموضوع بأريحية أكثر

المرجح أن حكومة موازية، على الأغلب مكانها «المخزن» هي التي بلورت الفكرة ثم تركت للحكومة «الرسمية» الباقي.
وبالنظر إلى قوة الحكومة الموازية ونفوذها، لم يبق أمام حكومة العثماني إلا قبول الفكرة وتحويلها إلى قرار، أو الاستقالة. لأن عرقلة القانون بشكل أو بآخر كانت ستضعه في مواجهة مع الدولة.
وبما أن تشعبات الواقع السياسي محليا وإقليميا تجعل الاستقالة احتمالا صعبًا وبعيدا، لم يبق أمام العثماني وأعضاء حكومته إلا الاستسلام. واضح أيضا أن العثماني فضَّل منطق الدولة على المصلحة الحزبية، فتغلّب على الرافضين لقانون القنب داخل حزبه، وأبرزهم رئيس الوزراء السابق عبد الإله بن كيران، الذي بات على طلاق مع قيادة حزبه كما يبدو.
هذه التفاصيل المزعجة تجعل العثماني أقل رؤساء الحكومات حظًّا. لقد وجد نفسه في أكثر المواقف إحراجا له ولحزبه ومنصبه. وسيذكر التاريخ أنه الرجل الذي جُعل ينفذ القرارات التي تتناقض مع معتقداته الشخصية والسياسية.
فموضوع القنب يذكِّر بموضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي. كان التطبيع قرارا سياديا اتخذه الملك وعلم به رئيس الحكومة متأخرا.
يومذاك وجد العثماني نفسه مقيدا بالمنصب ومتطلبات مسؤولية الدولة، ليس أمامه إلا تبنّي التطبيع أو الاستقالة. وفي الحالتين مأزق. تبنّي التطبيع مكلف سياسيا وشعبيا وقاتل لصورة الحزب وسمعته. والاستقالة تؤلب على العثماني والحزب كل الدوائر المحلية والدولية المؤيدة للتصالح مع إسرائيل، وقد توصمهما بمعاداة السامية وبأعداء السلام، وقد تغلق في وجههما أبواب المسؤولية الرسمية إلى الأبد.
بعد استيعاب مفعول المفاجأة قرر العثماني التعامل مع قضية التطبيع بالطريقة التي تليق بها وتمليها السياسة: الليونة والازدواجية في الوقت ذاته. ففي مقابلة مع مجلة «جون أفريك» الفرنسية استشهد بالمؤلف الفرنسي بليز باسكال (1623 ـ 1662) وحديثه عن الغريزة والتجربة في اختيار الإنسان لقراراته وتحديد توجهاته (عدد 28/01/2021). وفي لقائه مع قيادات حزبه في المناطق استشهد بفتاوى ابن تيمية وموضوع «فصل تعارض الحسنات والسيئات» (موقع هيسبرس الإخباري 02/01/2021).
خلاصة كل ما سبق أن العثماني أُجبر على تفضيل مصلحة الدولة والمنظومة الحاكمة على المصلحة الحزبية. والخلاصة الأخرى أنه بهذا الاختيار (غير الحر) سحب حزب العدالة والتنمية من المربع الديني (الإسلامي) والعقائدي ليجعله حزبا عاديا يمارس السياسة والواقعية ولو بالحد الأدنى من المبادئ.
ما فعله العثماني بحزبه مغامرة. أقدم على ذلك واثقا من أن الحزب لن يخسر الكثير جوهريا. ستتضرر سمعته وصورته في نظر الآخرين أكيد، لكنه، في غياب بدائل خيارات سياسية وحزبية جادة ومقنعة، لن يخسر صميم قواعده الانتخابية التي تدين له بالوفاء والولاء وتصوّت له تلقائيا بغض النظر عن أي شيء آخر. هذه القواعد ستجد بسرعة بين صفوفها من يبرر قرارات التطبيع والقنّب (وغيرها) ويصبغها بالصبغة اللائقة التي تجعلها مقبولة بل مطلوبة.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد:

    القانون الدولي تغير أواخر 2020، ولم تعد نبتة القنب الهندي مصنفة كمادة خطيرة. الولايات المتحدة أصبحت أول منتج عالمي وهناك سوق في طور النمو للتطبيقات الطبية لهذه النبتة … المغرب لا يهرب إلى الأمام وإنما يخطط لقادم الأيام، فهذه فرصة لاحداث تغيير في منطقة الشمال، لتحويل تجارة غير شرعية تنتج مخدرات لاقتصاد منتج يتم مراقبة منتوجه …. العثماني لم يستسلم إنما تصرف بروح وطنية وهو يتابع خططا تتم لصالح المغرب، حتى لو كانت قد صدرت من فريق القصر، فالقصر يستقطب كفاءات مغربية وطنية في نهاية المطاف وحصيلته إيجابية برأي أغلبية مغربية ….
    الجار الشرقي هو الذي اعتاد الهروب إلى الأمام، والقرارات الإرتجالية التي لا تنبع من رؤية ووووو

    1. يقول ياسين كزاز:

      الأستاذ توفيق رباحي كاتب محابد ينتفذ النظام الجزائري بشدة، ليس من أصحاب الوطنية الزائدة الذين يتقربون من العسكر أو المخزن لكسب بعض الإمتيازات.

  2. يقول Ahmed HANAFI اسبانيا:

    السلام عليكم.
    حينما قبل اسلاميوا العدالة والتنمية بممارسة السياسة وقيادة الحكومة، فقد قبلوا بالعمل وفق منطق الدولة وليس منطق الجماعة.
    منطق الدولة يقتضي الدفاع عن مصلحة الوطن وليس عقيدة الحزب.
    لذلك، فإن القرار القاضي بتقنين الكيف والتطبيع مع اسراييل ينم عن شجاعة أخلاقية وواقعية سياسية وبعد نظر، ورفضه سيحكم على الحزب بالتقوقع والتشرنق ومن تم تقديم العقيدة الحزبية على المصلحة الوطنية، وفي هذا خروج ( حتى لا نقول خيانة) عن روح القسم، ذلك أن أعضاء الحكومة يقسمون أمام الملك بخدمة الوطن وليس الحزب.

  3. يقول المواطن:

    بادء بدء تحية خالصة للأخ رباخي . اضن ان ما يشهده العالم من تقلبات جيوسياسية و خاصةً الإقليمية لم يكن لأي كان في منصب السيد العثماني ان يقول لا او يرفض او يعارض ما تقوم به الدولة العميقة فهي خطوات تتعلق بالأمن القومي و تتشابك مع مقدسات البلاد الكبرى و كما يقال فقد كانت ضربة معلم . الحلقة الأضعف في كل هذا هو ان السيد العثماني لا يمتلك الكريزما و الشخصية المطلوبة لموازات السرعة و الاختراقات الناجحة و المدروسة للدولة المخزنية على جميع الأصعدة . لا يسعني الا ان افتخر بملك البلاد حفظه الله و نصره نصراً مبيناً .

  4. يقول Ahmed HANAFI اسبانيا:

    شكرا للكاتب عل مقالته المفيدة واراءه الرصينة.
    … اما عن تقنين تجارة الكيف، فقد سبقت إلى ذلك دول جعلت من هذه النبتة دواءا عوض داء، وتجارة عوض تهريب.
    أما عن التطبيع مع اسراييل، المغاربة قاطبة يعرفون ان:
    1-المملكة، وتاريخها يمتد قرونا طويلة، لم تخضع للحماية الأجنبية إلا 44 عاما، لكنها تتحمل منذ 5 عقود، حربا استنزافية تمولها دولة مجاورة.

    2- في هذه الحرب القذرة، قتل ميات الجنود المغاربة بأسلحة لم تكلف مستعمليها اي شيء، لان بلدا بتروليا تكلف بتسديد الفواتير.

    3- ميات الجنود المغاربة تعرضوا للأسر فوق التراب الجزايري وتكفل باستنطاقهم وتعذيبهم، ضباط من الجيش الجزايري.
    4- لما كان المغاربة بصدد تنظيم مسيرة خضراء لاسترجاع الصحراء، طردت الجزاير 45 الف عائلة مغربية، في عملية سميت ” المسيرة الكحلا ” . وكام ذلك يوم عيد الأضحى المبارك.
    هذا قليل من كثير مما لا يعرفه الكثيرون خارج المغرب، والذين يعرفونه بحكم الاهتمام والمتابعة، لا يحسون به كما أحس ويحس به المغاربة.
    تحية للكاتب العزيز.

  5. يقول بلحرمة محمد:

    هؤلاء تنكروا لمبادئهم ووعودهم التي اطلقوها في حملاتهم الانتخابية الاولى عام 2011 ففي اعتقادي المتواضع كان على من يرفض تقنين زراعة القنب ان يستقيل بدل ان يتنكر لمبادها ويبرر مواقفه بما لا يقبله العقل السليم ففعلا يا سيدي لقد تضررت سمعة هدا الحزب المسمى ب – العدالة والتنمية – مند شهوره الاولى في الحكومة نتيجة ميوله للاغنياء على حساب الفقراء الدين صوتوا لصالحه فمن قال لكم يا سيدي انه لن يخسر صميم قواعده الانتخابية فهو قد ابان مند مدة بانه ليس جديرا بالثقة.

  6. يقول Abdelaziz Ananou (المغرب):

    كنا ننتظر هذا من زمان يا سيد رباحي.. لقد تماطلوا كثيرا في هذه المسألة مسألة التقنين.. أشتري زيوت هذه العشبة.. وعندما أكون خارج البلاد، في جنيڤ مثلا، أشتري حتى المايونيز المصنوعة بزيوتها، ومشروبات معطرة بأوراقها، ولا أنسى أن أصحب معي علب بروتينات مستخرجة منها ومن أحسن البروتينات.. عندي قميص مصنوع من خيطها وزرىبيتان من أليافها أصلي على واحدة منها..

    عن هذه العشبة يقول هواة قصص الخيال العلمي أن مخلوقات الفضاء هم من جاءوا بها لكوكبنا.. وهذا لكثرة فوائدها الغذائية والدوائية والحاجبات العملية.. وعددوا أكثر من 50 فائدة فيها..

    إنها العشبة الوحيدة التي بجتمع فيها هذا العدد الهائل من المحاسن.. وقل ربي زدني علما، مع شكرنا كذلك لمخلوقات الفضاء..

  7. يقول تاوناتي- فرنسا:

    مقال متوازن و موضوعي و دقيق..كمغربي أحيي الكاتب توفيق رباحي على موضوعيته و نجاحه في تناول كل المواضيع التي تخص منطقتنا المغاربية..
    أما حزب العدالة و التنمية فصار حزبا مدجنا مثل باقي الأحزاب، و دخل أصحابه إلى الحلقة الضيقة للمستفيدين من الريع..ربما سيصمد في الانتخابات القادمة، لأن المقاطعة ستكون كبيرة، و اتباع الحزب الإسلامي سيتوجهون بكثافة إلى صناديق الاقتراع..لكنه سيلقى مصير الإتحاد الاشتراكي..

  8. يقول Abdelaziz Ananou (المغرب):

    في علم الإقتصاد أستاذ رباحي هناك مسلمة لا ينتبه إليها تقول، بأنه لا يمكن للدولة بجندها وقوانينها وأمنها أن تمنع أي شيء يستهلك.. لأن المنع ينتج عنه السوق السوداء، ومافيات، والجريمة المنظمة.. والسؤال من شيطن هذه النبتة ومنعها قانونيا..؟؟؟

    لكي نفهم متى ولماذا، ينبغي الرجوع إلى الأربعينات.. في هذه الفترة ظهر خيط صناعي هو النيلون Nylon مشتق من البترول وصنع به ثوب للباس.. في السوق كانت الأثواب الموجودة طبيعية وهي الصوف، الكتان، القطن،والقنب الهندي.. شركة الكيمياء العملاقةالأمريكية DuPont de Nemour لكي تستحوذ على السوق لا بد من إبعاد المنافسين.. لم تستطع ضد القطن لأن له لوبي كبير.. لم تستطع ضد الصوف لأن تاريخه هو تاريخ البشرية.. فبقي القنب الهندي والكتان.. نجحوا في تهميش الكتان حتى نسيه الناس، ولم يرجع إلا في أواسط التسعينات.. أما القنب فكان سهلا إذ شيطنوه وأخرجوا قانونا في أمريكا يمنع زراعته.. ونصحوا الدول الأخرى بأن تسير على درب أمريكا، فتبعت سويسرا وفرنسا. إلخ.. إنها كانت مؤامرة..

    جينز لويس Lewis الحقيقي كان يصنع من خيوط القنب الهندي..
    مع التحايا..

  9. يقول هيثم:

    الكاتب ينتقد حكومة الحزب الاسلامي المغربي انطلاقا من مرجعية هذا الحزب الذي توالت عليه الاخفاقات والتناقضات السياسية والفكرية بسبب التضارب الكبير في فهم الواقع وتدبير الشؤون السياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية بين منطق الدين كمرجعية محافظة ومنطق الدولة العصرية المبني على المصلحة والبرغماتية. الاسلاميون عاجزين عن التدبير الايجابي لشؤون الدولة و كثيرون منهم عندنا يصلحون للقيام بالدعوة او تدريس مادة التربية الإسلامية. المجتمع المغربي وافق ضمنيا على التطبيع رغم أن عندنا من يعارضه . وافق لأسباب مختلفة و منها بالأساس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. أما تقنين القنب الهندي فهو أمر يعود بالنفع على المغرب في المدى المتوسط حيث تحدد بعض الدراسات أن البلاد ستحقق دخلا يقدر ب 10 مليار دولار سنويا، ناهيك عن ضبط وتنظيم هذه الزراعة ومحاربة بارونات الكيف. ولذلك نجد أن هؤلاء قد انطلقوا في تأليب الفلاحين بشمال المغرب لمعارضة هذا التقنين قبل ترسيم القانون.

إشترك في قائمتنا البريدية