فورين بوليسي: يجب علينا التركيز على كارثة غزة والتعلم من مجاعة بيافارا قبل 55 عاما

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: قال المعلق هوارد فرينتش إن النزاع بين إيران وإسرائيل يجب ألا يحرف أنظارنا عن المجاعة في غزة. وفي مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” تذكر فيه طفولته وتشكل وعيه السياسي من الرحلات خارج حدود الولايات المتحدة، أولا إلى مونتريال المتحدثة بالفرنسية ثم رحلته إلى أوروبا وقراءته حول جنوب أفريقيا والتمييز العنصري فيها.

وفي عام 1968 قرأ عناوين الأخبار في الصحف التي تباع في كشك السجائر عن موت 3000 طفل في نيجيريا، ليس بسبب الحرب بل الجوع. وعرف النزاع في حينه بحرف بيافارا نسبة للإقليم الذي طالب بالانفصال عن نيجيريا.

ويتذكر الكاتب كيف قدم الإعلام الغربي صورة حية عن المعاناة والأطفال الذي حولهم الجوع إلى هياكل عظمية وعظام بارزة وبطون منتفخة. وعرف الجميع المصطلح لهذه الحالة الطبية: كواشيوركور. وكانت هذه هي النتيجة البشعة لحرب بيافارا وسكان الإقليم، الذين كانوا يحاولون النجاة بتناول أي شيء يحتوي على البروتين. وبالنسبة للمحظوظين عاشوا على حفنة من الأرز أو طبخوا أوراق الشجر من أجل توفير ما يقيهم من الجوع حتى الموت. وفهم لاحقا أن الجوع ليس نتيجة عرضية لهذه الحرب. بل تم خبزه في كل ملمح من ملامح النزاع بين طرفي حرب يتسمان بالقسوة. وأكثر من هذا، فقد كشفت حصيلة القتلى في جنوب- غرب نيجيريا بسبب المجاعة في ذلك الصيف عن سياسة لاعبين خارجيين، وأكثرهم من الدول الغربية، والتي عادة ما نختصرها بمصطلح مزيج سيء “المجتمع الدولي”.

وحاول ساسة نيجيريا في حينه التبرير بطريقة بشعة للدور الذي لعبه الجوع في ذلك الصيف بإقليم بيافارا. وقال نائب رئيس المجلس الفيدرالي النيجيري، سعيدي أوبافيمي أولو: “كل شيء كان حربا عادلة. والتجويع هو سلاح من أسلحة الحرب. ولا أجد سببا في إطعام أعدائنا حتى السمنة، لكي يقاتلونا من جديد”.

وتعود قواعد الحرب إلى ميثاق جنيف في عام 1949، وكلها منعت أو ضيقت استخدام التجويع كسلاح في الحرب. وعقد الوضع أكثر هو رفض أودميغون أوجوكوا، زعيم الانفصاليين، فتح ممر لنقل المساعدات الإنسانية إلى الإقليم المنفصل. وكان السبب هو أنه لم يكن هناك مجال لانتصار أعدائه حالة انتشر الجوع وزاد الضغط الدولي، حيث سيقبلون بتسوية سياسية لا يستطيع الحصول عليها في ساحة المعركة.

وكان دور المجتمع الدولي في أزمة نيجيريا عام 1968 غامضا ومثيرا للاشمئزاز. وجاء هذا في عنوان لصحيفة “لوس أنجليس تايمز” “أسلحة لنيجيريا وطعام لبيافارا”، في إشارة للدعم العسكري البريطاني الذي لم يتوقف إلى نيجيريا. ذلك أن بريطانيا، الدولة المستعمرة السابقة حافظت في نيجيريا – أكبر دولة أفريقية من ناحية عدد السكان – على مصالح اقتصادية وسياسية. أما بقية الدول الأوروبية الأخرى، وبالتحديد فرنسا فقد كانت راغبة في تقوية حضورها بأفريقيا من خلال مساعدة تفكيك أكبر دولة ناطقة بالإنكليزية في القارة الأفريقية. وكذا البرتغال التي كانت لا تزال متمسكة باستعمارها في وقت دعمت فيه نيجيريا حركات مقاومة الاستعمار، ولهذا دعمت البرتغال انفصال بيافارا.

وفي الوقت الذي قوت فيه بريطانيا من الحكومة الفدرالية عبر شحنات الأسلحة إلا أنها أرضت ضميرها عبر شحنات قليلة من المساعدات الإنسانية.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” في تموز/ يوليو ذلك العام قدم فيه أنطوني لويس صورة عن التناقض هذا:” في عالم متحجر على لاإنسانية الإنسانية، يجب النظر إلى ما يجري في نيجيريا على أنه بدون معنى وقاس. وهو شهادة واحدة على شراسة المشاعر العنصرية والقبلية، هنا أفارقة وفي حالات أخرى أوروبيون لا يعنون شيئا لمن هم في الخارج”.

نجحت إسرائيل بالحد ومن وصول الصحافة المستقلة لغزة كتلك التي لفتت انتباه العالم لرعب بيافارا قبل 55 عاما، حتى في ظل الفضائيات التي تبث على مدار الساعة والصور المحدثة المحملة على منصات التواصل الإجتماعي

ويقول فرينتش إن ذكريات بيافارا التي نسيها العالم خارج غرب أفريقيا شغلته في الأسابيع الماضية، وهذا بسبب الكارثة البشرية والإنسانية التي تعرضت لها غزة. ولم يشعر العالم بالمجاعة التي يعاني منها سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة إلا أمس، على ما يبدو. و”أقول “أخيرا” لأن تحذيرات عديدة كانت موجودة حول كارثة المجاعة، على الأقل من نهاية العام الماضي حيث لم يفعل الإعلام الدولي إلا القليل لكي يشرح كيف عاش الفلسطينيون ووفروا الطعام لأنفسهم. وبخاصة في ظل القيود التي وضعتها إسرائيل على قوافل الإغاثة الإنسانية ومنذ المراحل الأولى للهجوم. والأكثر إثارة للدهشة، هو عدد الصور القليلة للمواطنين الفلسطينيين الذي يعانون وتم حصارهم في هذه القطعة الصغيرة من الأرض. فكارثة بهذا الحجم وهذه الأبعاد يجب أن تكون صورها في كل مكان وكل دقيقة. وأين هي صورة الأطفال الجياع، والصور التي تظهر أثار الجوع أو “كواشيوركور”، والأشكال الأخرى لتدمير أشكال الطعام”. وغضب العالم للحظة من مقتل سبعة من عمال المطبخ المركزي العالمي بغارة إسرائيلية، وهم جزء صغير من 200 عامل إغاثة قتلوا منذ بداية الحرب. وقد نجحت إسرائيل بالحد ومن وصول الصحافة المستقلة لغزة كتلك التي لفتت انتباه العالم لرعب بيافارا قبل 55 عاما، حتى في ظل الفضائيات التي تبث على مدار الساعة والصور المحدثة المحملة على منصات التواصل الإجتماعي.

ويرى الكاتب أن مجاعة غزة ظللت بحكاية أخرى وطغت عليها قصة أخرى، ليس زيادة في عمليات الإغاثة، لكن أزمة الصواريخ الإيرانية- الإسرائيلية.

وبالنسبة للكاتب، فالبيانات والتقارير الصارخة عن المسيرات الإيرانية التي جاءت ردا على تدمير قنصليتها في دمشق، حولت الغزيين، الذين يدفعون ثمن الحرب، إلى بيدق في نزاع طويل يدور بين الطرفين. ورغم صعوبة فهم الدوافع أثناء الحرب، إلا أن توقيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الضربة على القنصلية كان هدفه حرف النظر عن الكارثة في غزة.

توقيت الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق كان هدفه حرف النظر عن الكارثة في غزة

وهناك كل الإشارات أن إسرائيل خسرت معركة الرأي العام وأن نتنياهو يطيل أمد الحرب حتى لا يخسر منصبه بانتخابات جديدة. وهو ما يفسر توقيت نتنياهو للضربة على دمشق وبدون إعلام واشنطن بالضربة على أمل توريط الولايات المتحدة في حرب مباشرة مع طهران. وهناك الكثير من التقارير والأعمدة التي ستكتب في الصحف عن مثلث العداء الأمريكي- الإسرائيلي- الإيراني، وإذا كان الناس يموتون جوعا في غزة، فهذه هي القصة الأهم ولا عذر للإعلام ووسائل الإعلام العالمية حرف النظر عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية