“فورين بوليسي”: هل تقف إيران وراء خروج الدبلوماسيين السعوديين من كابول؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: لماذا غادر الدبلوماسيون السعوديون كابول؟ تساءلت لين أودنيل، في تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي”، إن كانت الخلافات بين فصائل طالبان، أم تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية”- ولاية خراسان هي السبب.

وجاء في التقرير أن السفير السعودي في أفغانستان جاسم بن محمد الخالدي وصل إلى باكستان بداية شهر شباط/فبراير، وحجز في فندق الخمس نجوم ماريوت في إسلام أباد، مع كامل طاقم السفارة وبجبل من الأمتعة.

ووصف مصدرٌ رحيل الدبلوماسيين السعوديين من أفغانستان على أنه عملية “إجلاء”، مما أثار عدة أسئلة حول خروج واحدة من داعمي طالبان، وواحدة من الدول القليلة التي احتفظت بحضور دبلوماسي في العاصمة كابول، وتقوم فجأة بسحب دبلوماسييها.

تلتزم المنظمات المتعددة الجنسيات في كابول بالصمت خشية إغضاب السادة الجدد لأفغانستان. ويرى صحافي أفغاني مخضرم أن موطنه بات غامضاً أكثر من كوريا الشمالية.

وفي المرة الأخيرة التي سيطرت فيها طالبان على أفغانستان ما بين 1996- 2001 اعترف بحكومتها ثلاث دول، هي الإمارات العربية المتحدة والسعودية وباكستان. وهذه المرة لا أحد اعترف رسمياً بحكومة طالبان الأخيرة، رغم احتفاظ عدة دول بسفاراتها هناك، بمن فيها الصين والهند وتركيا واليابان وروسيا، وبعض دول وسط آسيا. ولدى الأمم المتحدة بعثة في كابول، لكن السعودية ليست الصديق الوحيد لطالبان التي سحبت دبلوماسييها، فقطر والإمارات خفّضتا من الوجود الدبلوماسي، حسب مصادر أمنية ودبلوماسية. ولم تُعِد باكستان سفيرها إلى كابول منذ محاولة الاغتيال التي تعرض لها، عندما كان يتجول في حديقة بيته بكابول في كانون الأول/ ديسمبر.

ولم ترد وزارة الخارجية السعودية على مكالمات ورسائل المجلة، ولا السفارة السعودية في إسلام أباد، ولا أي من الفريق الدبلوماسي المكون من 19 مسؤولاً حجزوا في فندق ماريوت.

ومثل كل ما له علاقة بطالبان، التي سيطرت على الحكم قبل 18 شهراً، فهناك أسئلة كثيرة ولا إجابات بشأن الرحيل الدبلوماسي المفاجئ. وفي الوقت الذي تعود فيه أفغانستان للظلام، نظراً للقمع ضد الصحافيين ومنظمات المجتمع المدني فإن معرفة ما يجري في داخل البلاد باتت أصعب مما كان في عهد الجمهورية. وتلتزم المنظمات المتعددة الجنسيات في كابول بالصمت خشية إغضاب السادة الجدد لأفغانستان. ويرى بلال سرواري، الصحافي الأفغاني المخضرم، والذي يعيش في كندا، أن موطنه بات غامضاً، وأكثر من كوريا الشمالية.

وتشير مصادر في كابول وإسلام أباد ومناطق أخرى إلى عدد من الأسباب وراء الرحيل الدبلوماسي، بما فيها التهديدات النابعة من الفرع المحلي لتنظيم “الدولة”، أو ما يعرف بولاية خراسان، إلى جانب الخلافات الحامية بين فصائل طالبان المدعومة من السعودية والإمارات وقطر وباكستان من جهة، وتلك التي تدعمها إيران وكارتل المخدرات الذي يديره جيشها من جهة أخرى.

ووصف مسؤول أمن أفغاني سابق سحب الدبلوماسيين السعوديين بأنه “انقلاب ناجح” من الفصائل المدعومة من إيران.

وزاد حضور تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان، ويقال إنه بدأ بتجنيد عناصر الأمن من الجمهورية السابقة ومن غير البشتون، مع أن هدفه الحقيقي منح طالبان فرصة للتحاور مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب. ويرى ميرويس، نائب وزير الخارجية السابق في الحكومة المنهارة إن تنظيم “الدولة”- ولاية خراسان يمثل تهديداً على الكثير من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، بشكل يجعل من طالبان أقل شراً، وهذه إستراتيجية مقصودة لتحليل طالبان من المسؤولية عن أفعال ولاية خراسان، وتقديم أفرادها باعتبارهم “إرهابيين طيبين”. وأضاف: “يمثل تنظيم الدولة- ولاية خراسان تهديداً حقيقياً، ولكن ليس على السعوديين في المرحلة الحالية، فالتهديد نابع من القاعدة والجماعات المرتبطة بها”. وتعتبر طالبان مجرد ساعد من سواعد “القاعدة”، وهناك الكثير منها منح ملجأ آمناً في أفغانستان الجديدة، ورفضت طالبان شجب الجماعة. وقتلت الولايات المتحدة زعيمها أيمن الظواهري وهو يتشمّس على شرفة منزل في كابول بمسيّرة، العام الماضي، وكان يحظى بحماية من وزير الداخلية سراج الدين حقاني.

وأخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دعم سيطرة طالبان على الحكم، اجتماعاً للأمن في موسكو، الأسبوع الماضي، بأن “المنظمات الإرهابية الدولية زادت من نشاطاتها” في أفغانستان، “بما فيها القاعدة التي تقوم ببناء إمكانياتها”.

قال مواطن في كابول: هل تعرفون بلداً آخر يشعر فيه سكانه بالقرف من بلدهم؟

 ويرى نائب أن الصدع المتزايد داخل طالبان هو وراء تزايد قوة الإرهاب والجماعات الجهادية التي أقامت لها قواعد في أفغانستان. و”لم يكن بإمكان الجماعات الإرهاربية، مثل ولاية خراسان والقاعدة، العمل وتنفيذ عملياتها بدون دعم واضح من عدة فصائل في طالبان. ومعالجة الأثر ليست كافية، عليك معالجة السبب”.

ويحظى حقاني، إلى جانب عدد من رجال طالبان، بدعم السعودية. وفي الجانب الإيراني هناك المرشد الأعلى لطالبان هيبة الله أخوند زادة “الذي يحتكر بشكل كامل كل سلطات الحكم، وفي كل المجالات إلى جانب السلطة الدينية، وبدعم من حلفائه المقربين”، كما يقول زلماي نيشات، المستشار السابق في شؤون السياسة بالحكومة المنهارة.

 وأخرجت مراسيم أخوند زادة المرأة من الفضاء العام، وحرم غير البشتون، وغير السنة، من المشاركة في الحكم وأحاط نفسه بمجموعة من المتشددين من طالبان القديمة لمواجهة تأثير حقاني والأجهزة الأمنية الأخرى.

ويقول نيشات: “من الواضح أن إيران تقوم بتقوية علاقاتها مع مكتب هيبة الله”. وفرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على عدد من المقربين من أخوند زادة، ومن بينهم نائب وزير الداخلية إبراهيم صدر. وعين مرشد طالبان الحرس القديم وحلفاءه المقربين من إيران في المجلس العسكري الجديد بالعاصمة كابول، والذي تم تشكيله لتقوية سلطته في قندهار، جنوب أفغانستان. وقال المسؤول الأمني السابق إن “المسؤولين البارزين في طالبان يقولون إن رحيل السعوديين هو إشارة عن مؤامرة انقلابية ناجحة ضد عناصر طالبان الذين يريدون حكم أفغانستان من كابول”.

 ولتأكيد العدواة المتزايدة بين كابول وقندهار حمّل حقاني أخوند زادة مسؤولية الوضع المحزن الذي يعيشه البلد. وربما كان رحيل الدبلوماسيين السعوديين محاولة للحد من أيديولوجية أخوند زادة المفرطة، والتي تخنق البلاد. وربما كانت السعودية والإمارات وباكستان تستجيب للضغوط الأمريكية، فقد بدأت واشنطن بفرض عقوبات ضد تصرفات طالبان المفرطة.

كما أن العجز الاقتصادي أدى إلى تراجع ظروف العيش في البلاد، وهروب رأس المال والمواهب. وأثارت الشائعات عن طائرات جاهزة لنقل المتطوعين للمساعدة في عمليات الإغاثة في تركيا بعد الكارثة الأرضية، ذكريات عن التدفق إلى مطار كابول بعد قرار الأمريكيين الخروج من أفغانستان في آب/ أغسطس، وكأن الناس وجدوا فرصة للهروب من الأوضاع القاتمة. وقال مواطن في كابول “هل تعرفين بلداً آخر يشعر فيه سكانه بالقرف من بلدهم، وهذا مهين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية