غزة وربيع الغضب العالمي: ساسة أمريكا وجامعاتها أساءوا تقدير عزيمة الطلاب فخلقوا حركة احتجاج عالمي

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لم تكن نعمت (مينوش) شفيق، رئيسة جامعة كولومبيا تعرف عندما ذهبت إلى الكونغرس للظهور أمام لجنة التعليم والقوى العاملة في 17 نيسان/أبريل أن شهادتها ستؤدي إلى انتفاضة طلابية على مستوى الولايات المتحدة بل وحول العالم. فمخيمات الاحتجاج توسعت من كولومبيا إلى جامعة نيويورك وييل وجامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة كاليفورنيا بيركلي وجامعة تكساس في أوستن. بل وانتقلت إلى كلية لندن الجامعية «يو سي أل» في بريطانيا وجامعة بو في باريس وجامعة سيدني في استراليا.

وتطالب كل الاحتجاجات بسحب الاستثمارات الجامعية مع إسرائيل ووقف التعاون الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية وتغيير السياسة من الحرب في غزة.

التضحية بالحرية الأكاديمية

ولعل النقطة التي فجرت الغضب الطلابي الأمريكي والعالمي أن مينوش شفيق كانت عازمة منذ البداية على إنقاذ جلدها والإجابة على الأسئلة الموجهة لها من قبل النواب الجمهوريين، الذين استخدموا المخاوف من تفشي معاداة السامية في حرم الجامعات كوسيلة لتحقيق غاية مختلفة وهي السيطرة على نطاق أوسع من التعليم العالي في الولايات المتحدة. وهذا ليس مفاجئا في ظل الحركة المناهضة للصحوة «ووك» حيث يحاول اليمين المؤدلج توسيع الأفكار اليمينية المتطرفة. لكن ما أثار الدهشة في شهادة شفيق أنها كانت مستعدة للتخلي عن «حرية أعضاء هيئة التدريس والحرية الأكاديمية» على حد تعبير إيرين مولفي، رئيسة الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات.
وزاد الطين بلة استدعاء شرطة نيويورك للتدخل في حرم الجامعة وإخلاء معسكر اعتصام أقامه الطلاب. وبهذا عبدت الطريق أمام سابقة غابت منذ وقت طويل عن الحرم الجامعي وهي دخول الشرطة لفض الاعتصامات وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استدعاء شرطة نيويورك إلى حرم جامعة كولومبيا، آخرها عام 1968.
وحسب صحيفة «واشنطن بوست» (23/4/2024) فقد بدت رئيسة كولومبيا عازمة على عدم تكرار أداء رئيستي جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا آنذاك، اللتان أعلنتا بحزم، أثناء الإدلاء بشهادتهما أمام نفس اللجنة في كانون الأول/ديسمبر، عن التزام جامعتيهما بحرية التعبير.
وعلى خلاف كلودين غاي من جامعة هارفارد وليز ماغيل من جامعة بنسلفانيا، أعلنت شفيق في بيانها الافتتاحي التزام جامعة كولومبيا بـ «دعم الاستكشاف الأكاديمي الصارم والحرية» لكن إجاباتها على أعضاء اللجنة كشفت أن هذه الكلمات مجرد كلام. واعترفت بأن معنى عبارات مثل «من النهر إلى البحر، فلسطين حرة» محل خلاف، لكنها قالت: «لدينا بعض القضايا التأديبية الجارية حول تلك اللغة. لقد حددنا أن هذه الأنواع من الهتافات يجب أن تكون مقيدة من حيث مكان حدوثها». بل وقامت بتسمية أشخاص محل تحقيق داخلي، و«قد تم التحدث إلى» أستاذ دراسات الشرق الأوسط جوزيف مسعد ـ الذي نشر مقالا عن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر بعنوان «مجرد معركة أخرى أم حرب التحرير الفلسطينية؟». وقالت إنه لو كان الأمر متروكا لها، لما وصل مسعد إلى منصبه أبدا. وفيما يتعلق بالأستاذ الزائر محمد عبده، الذي نشر «أنا مع حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي» على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت شفيق إنه «يقوم بتصحيح أوراق طلابه ولن يقوم بالتدريس في جامعة كولومبيا مرة أخرى».

الكونغرس في رأس الحربة

وتقوم لجنة مجلس النواب بالتحقيق في أكثر من 12 جامعة تزعم أن خطابا معاديا للسامية صدر فيها إما من الطلاب أو هيئة التدريس. ومنها جامعة رتغرز، وخاصة أستاذة القانون سحر عزيز، التي تدعي رئيسة اللجنة الجمهورية عن ولاية نورث كارولاينا فيرجينيا فوكس أنها «أدلت بالعديد من التصريحات المعادية للسامية والمؤيدة للإرهاب، بما في ذلك القول إن اليهود الأمريكيين يتمتعون بميزات أكثر من المسلمين والعرب والفلسطينيين الأمريكيين».
وزاد النواب والساسة من حدة القمع السياسي وحرية التعبير في الجامعات حيث تحولت جامعة كولومبيا إلى محجة النواب الأمريكيين بمن فيهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون والذي لم يلق ترحابا من الطلاب، عبر الزيارات والتصريحات والدعوات لاستخدام القوة ضد المتظاهرين. واستخدم اليمين الأمريكي لغة «المتعاطفين مع حماس» و«نشاطات حماس» و«الإرهابيين» لوصف الطلاب المطالبين بوقف الحرب في غزة وقطع العلاقات الأكاديمية والمالية مع إسرائيل والشركات التي تتعامل معها.
ورأت مجلة «بوليتيكو» (25/4/2024) أن اندلاع الاحتجاجات في الجامعات منحت الجمهوريين مطرقة لضرب الحرية الأكاديمية وإدخال الشرطة بل والحرس الوطني إلى حرم الجامعات لتحقيق هدفين أثيرين لديهم: ضرب الليبراليين الأمريكيين والمؤيدين لفلسطين. ودفعت التظاهرات التي انتشرت في كل أنحاء أمريكا جامعة جنوب كاليفورنيا إلى إلغاء حفلة تخرج مخطط لها في 10 أيار/مايو، وكانت الجامعة قد ألغت مشاركة طالبة موهوبة مسلمة في الحفلة على خلفية «تلقي تهديدات». واعتقلت شرطة الشغب في لوس أنجلس 100 طالب في الجامعة يوم الأربعاء، حيث وصلت الشرطة مجهزة بعتادها لتفكيك مخيم اعتصام. ودعا المرشح الجمهوري ستيف غريفي الشرطة لاستخدام الحسم ضد المحتجين الذين وصفهم بـ«الإرهابيين». وظهر في مؤتمر صحافي مع حاخام ومحارب سابق في القوات الخاصة، واتهم الطلاب بأنهم لا يفهمون الديناميات السياسية في الشرق الأوسط ولهذا فهم «يدعمون الإرهاب». وزادت احتجاجات المؤيدين لفلسطين في العاصمة واشنطن حيث طلبت رئيسة جامعة جورج واشنطن، إلين ام غرانبيرغ، مساعدة من الشرطة في يوم الخميس لنقل مخيم لم تتم الموافقة عليه في داخل الحرم الجامعي. وفي الوقت نفسه تعيش جامعة كاليفورنيا بيركلي اضطرابات منذ عدة أشهر، حيث اعتصم الطلاب مطالبين الجامعة بقطع علاقاتها مع المؤسسات الإسرائيلية وسحب الاستثمارلت من الشركات التي تدعم إسرائيل.

حتى الجامعات الخاصة

وتعتبر جامعة جنوب كاليفورنيا، وهي جامعة خاصة منذ 144 عاما واحدة من الجامعات التي لم تكن جاهزة لمواجهة الاحتجاجات، وجاء إلغاء حفلة التخرج بعد منع المسلمة الموهوبة أسنا تبسم من إلقاء كلمة في الحفل، صورة عن الطريقة التي تصرفت فيها جامعة ليس معروفا عنها تاريخ احتجاجات. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» (25/4/2024) إن بعض رجال الأعمال والأكاديميين أثنوا على قرار الجامعة منع خطاب تبسم، المتخرجة من قسم الهندسة الطبية، قائلين إن منعها من إلقاء الخطاب سيحرم الناشطين من منصة حرة كانت ستؤدي إلى ما وصفوه «مواجهة سياسية بشعة». لكن البعض تساءل عن قرار الجامعة التي استطاعت تأمين حفلة التخرج العام الماضي، حيث تخرجت بنت الرئيس السابق باراك أوباما، وفي هذا العام لم تكن قادرة على تأمين حفل تخرج بسبب خطاب لخريجة، اختيرت من بين 200 مرشح للخطاب، ولم تكن هناك أية إشارات عن نيتها استخدام المناسبة لتقديم بيان سياسي. وكتبت صحيفة «لوس أنجلس تايمز»: «الرسالة التي ترسلها للخريجين الكبار هي أنه عندما يحضر التهديد لحرية التعبير فما عليك إلا الإذعان». واتهمت تبسم في بيان الجامعة بمنح المزعجين حق الفيتو على كلمتها. ورغم انتقاد الطلاب والمراقبين إدارة الجامعة على معاملتها لتبسم إلا أن الفدرالية اليهودية في لوس أنجلس رحبت بقرار منع الطالبة قائلة إن الاحتجاجات وصلت إلى وضع خلق جوا خطيرا للطلاب اليهود.

سلسلة أخطاء

وتظهر طريقة تعامل الجامعات وتدخل الساسة من أصحاب المصالح الذين يريدون ركوب الموجة سلسلة من الأخطاء التي بدأت أولا بقرار مينوش التضحية بطلابها على مذبح المحاكمة الجمهورية لها في الكونغرس. وقالت مجلة «إيكونوميست» (23/4/2024) إن رؤساء الجامعات الأخرى تعلموا من موقف شفيق وأهمية الظهور بمظهر المتشدد أمام موجة التظاهرات و«لكن هناك مخاوف من الإفراط في نهج إعادة تصحيح المسار». والمشكلة ان محاولة رئيسة الجامعة الوقوف أمام عاصفة احتجاج بالقوة أدت إلى إطلاق إعصار.

تردد بايدن

ومنذ انطلاق التظاهرات احتجاجا على الحرب في غزة، حاول بايدن التعامل معها باعتبارها ضرورية وأن ما يقوله المتظاهرون صحيح، حيث حاول الموازنة بين دعمه المستميت لإسرائيل وترضية قواعده الانتخابية. ولكنه فشل، وخاصة مع حركة عدم الملتزمين بانتخابه في الانتحابات التمهيدية الذين هددوا بعدم انتخابه لو لم يغير سياسته من غزة. ولكنه بدا في الأيام الأخيرة شاجبا للمحتجين والمخيمات الاحتجاجية باعتبارها عداء للسامية. ورغم الحملة الدعائية والتشهير بالمتظاهرين ووضع أسماء وتفاصيل قادة الاحتجاج على الشاحنات فيما يعرف برطانة وسائل التواصل الاجتماعي «دوكسينغ» إلا أن الاحتجاجات زادت حدة. ووعد قادة شبكة الاحتجاج بأساليب جديدة، فلم يقتصر الأمر على المسيرات والتنكيد على بايدن في تجمعاته الانتخابية بل والقيام بمظاهر عصيان مدني وإغلاق الشوارع والجسور المهمة.

حركة سرية ومنظمة

وترى صحيفة «واشنطن بوست» (26/4/2024) أن حركة الاحتجاج المؤيدة لفلسطين تطورت إلى حركة وطنية، فعندما داهمت شرطة نيويورك المخيم الاحتجاجي في كولومبيا الأسبوع الماضي، كان طلاب جامعة ييل جاهزين وتابعوا ما حدث عبر هواتفهم الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. فإذا كان طلاب جامعة نخبة «أيفي ليغ» جاهزين للمخاطرة ومواجهة الاعتقال، فلماذا لا نتحرك نحن. وقاموا في اليوم التالي بنصب مخيم احتجاج. وفي مكالمة عبر «زووم» شارك فيها 200 طالب من جامعات عدة حول الولايات المتحدة تناقشوا فيها حول كيفية التضامن ونسخ أسلوب كولومبيا. ما تبع هي انتفاضات يطلق عليها المؤرخون اليوم بأنها الأكبر وبتداعيات مهمة ولم ير مثلها في التاريخ الأمريكي الحديث. ونقلت الصحيفة عن ستيفن مينتز، أستاذ التاريخ بجامعة تكساس في أوستن: «أعتقد أن البرج العاجي بات يقف على أرض مهتزة». وتضيف الصحيفة أن التظاهرات التي احتلت عناوين الصحف في الأيام الماضية هي تتويج لنشاط وتوترات بدأت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وزاد من وتيرة التظاهرات الأخيرة استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي حيث قلد طلاب جامعة ما قام به طلاب آخرون في جامعة أخرى. ويرى ديفيد كورترايت، من جامعة نورتردام أن التظاهرات الأخيرة تشبه الاحتجاجات الكبرى التي شهدتها الولايات المتحدة على خلال الستين عاما الماضية، بما فيها الحملة لإنهاء نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا وحملة احتلوا وول ستريت عام 2011. وعلى خلاف التظاهرات السابقة، فمطالب المحتجين الحالية قد لا تثمر، وخاصة دعوة سحب الاستثمارات من إسرائيل وعدم التعاون مع الشركات الداعمة لها. إلى جانب أن التظاهرات لم تبن اجماعا حول رؤية معينة، ذلك أن بعض الهتافات ردعت بعض المتعاطفين المحتملين.
ويرى بعض المراقبين أن طلاب الجامعات الأمريكية حاليا هم نتاج توترات داخل المجتمع الأمريكي، ودخلوا الجامعات بعد حركة وول ستريت وسنوات دونالد ترامب المضطربة ومنع مواطني دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة إلى جانب حركة حياة السود مهمة. ومن هنا فعندما اندلعت حرب غزة أصبحت الجامعات جبهة جديدة، واندلعت تظاهرة مباشرة في جامعة براون، وبدأ الطلاب بالتواصل مع التنظيمات الطلابية الأخرى في الجامعات مثل «طلاب من أجل العدالة في فلسطين». ومع زيادة التوتر، قامت جامعات مثل كولومبيا بتعليق عمل «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» و«أصوات يهودية للسلام» في تشرين الثاني/نوفمبر. وكلما زاد تشدد الجامعات، كلما زاد تصميم الطلاب، فبعد تعليق عمل منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين» قام الطلاب بتشكيل «سحب جامعة كولومبيا الاستثمارات من الفصل العنصري» ولقيت المبادرة دعما من 90 جماعة طلابية في الحرم الجامعي. وحاولت المجموعة هذه تقليد الحملة الناجحة في الثمانينات لإجبار الجامعة على وقف تعاونها مع جنوب أفريقيا. وقامت استراتيجية الطلاب على مقابلة التصعيد من الجامعات بالتصعيد. وفي بيان جمعية كولومبيا قال الطلاب إن مسؤولي الجامعة «أساءوا تقدير تصميمنا»و»لن نرتاح حتى تسحب كولومبيا استثماراتها من إسرائيل الفصل العنصري ويتحرر الفلسطينيون وتتحقق الحرية لكل الشعوب المستضعفة حول العالم». وتظل حركة الطلاب فضفاضة بدون قيادة مركزية متعددة الأساليب، لكن الهدف المركزي هو سحب الاستثمارات الجامعية ووقف التعاون الأكاديمي مع إسرائيل. ففي جامعة براون جهز الطلاب دليلا من 50 صفحة حول كيفية تحقيق الهدف، حيث صمموا الدليل على مثال حملة سحب الاستثمارات من شركات السجائر في 2003 والوقود الإحفوري في 2020 كما وسحبت براون في عام 2006 استثماراتها من الشركات التي تتعامل مع السودان أثناء أزمة دارفور.

أطياف فيتنام

وتذكر حركة الاحتجاج بأيام الغضب على حرب فيتنام، حيث ارتبط اسم الحزب الديمقراطي بالفوضى عندما اشتبك المتظاهرون والمناهضون لحرب فيتنام مع الشرطة عام 1968 خلال انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو – حيث وصفت لجنة فيدرالية دور الشرطة الوحشي في المواجهة لاحقا بأنه «أعمال شغب بوليسية»- واختطفت تلك الأحداث الأضواء عن المؤتمر. ويرى تشارلز بلو في صحيفة «نيويورك تايمز» (24/4/2024) أن أؤلئك المتظاهرين الشباب بلغوا سن الرشد وهم يشهدون احتجاجات مستمرة ـ وفعالة ـ خلال حركة الحقوق المدنية والحداد الوطني بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي، والسيناتور روبرت كينيدي، والقس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور، الذي كان قد أعلن قبل عام معارضته للحرب. لقد كان جيلا مستعدا للاحتجاج، مع اقتناع أخلاقي كأساس لغضبه بشأن حرب فيتنام ــ الحرب التلفزيونية الأولى، الحرب التي تمكن الأمريكيون من رؤية أهوال الحرب، في الوقت الحقيقي تقريبا ــ والتجنيد الذي شهد نحو مليوني أمريكي خلال تلك الحقبة. بدأت الحركة ضدها في الغالب في حرم الجامعات ونمت. وفي الأشهر التي سبقت انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي عام 1968، في آب/أغسطس، خطط المنظمون لاحتجاج كبير، كان من المقرر تنظيمه بغض النظر عما إذا كان قد تمت الموافقة عليه أم لا، وهو ما اجتذب الطلاب من جميع أنحاء البلاد.
وكل هذا يتكرر مرة أخرى. ويتابع الشباب، على وجه الخصوص، حرب إسرائيل على غزة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويشعر الكثيرون بالرعب مما يرونه. لقد نشأوا أيضا مع الحركات الاحتجاجية التي شهدتها أمريكا خلال العقود الماضية. ونحن نشهد انتشار الاحتجاجات المناهضة للحرب عبر حرم الجامعات. وكما حدث في عام 1968 سينتهي الفصل الدراسي قريبا وسيغادر هؤلاء الطلاب للصيف، ما يتيح المزيد من الوقت والطاقة لتركيز جهودهم على المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو في أب/أغسطس.
وتخطط الجماعات المناهضة للحرب بالفعل لتنظيم احتجاجات كبيرة في المؤتمر. وقال حاتم أبودية، من شبكة الجالية الفلسطينية الأمريكية، لصحيفة «شيكاغو تريبيون» مؤخرا: «سننظم مسيرة بتصاريح أو بدونها. المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي هذا هو الأهم منذ عام 1968 أيضا في شيكاغو، عندما نظم المعارضون لحرب فيتنام وحركة تحرير السود مظاهرات حاشدة تم قمعها بعنف». ويمكنك أن ترى دعما كبيرا لقضيتهم. على الرغم من أن استطلاع هارفارد للشباب في ربيع عام 2024 وجد أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 عاما يميلون إلى تصنيف معظم القضايا الرئيسية الأخرى، بما في ذلك التضخم والهجرة، باعتبارها أكثر أهمية من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن الاستطلاع وجد أن «الشباب الأمريكيين يدعمون وقف دائم لإطلاق النار في غزة بفارق خمسة إلى واحد». وحسب استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك يوم الأربعاء، فإن 53 في المئة من الديمقراطيين يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل لدعم جهودها في الحرب مع حماس. ويبدو أن هناك شعورا في حملة بايدن بأنها يمكنها ببساطة انتظار ان يتعب المتظاهرون، وأن المشاعر ستتلاشى في النهاية وأن الناخبين الديمقراطيين سوف يصطفون عندما نقترب من يوم الانتخابات ويصبح الاختيار بين بايدن ودونالد ترامب أكثر وضوحا. ويعلق الكاتب أن «هذه مقامرة متهورة» يشعر المتظاهرون والعديد من الناخبين بالاستياء من شيء أكثر من كونه مسألة عادية تتعلق بالسياسة الخارجية. ويعتقدون أنهم يشهدون إبادة جماعية بمساعدة وتحريض من رئيس أمريكي دعموه. إنهم يشعرون بأنهم متورطون شخصيا في صراع يستمر فيه عدد القتلى في الارتفاع، بدون نهاية في الأفق. وهذه مسألة أخلاقية بالنسبة لهم، ولن يتغير موقفهم بسهولة. ليس من السهل أن لا ترى جثة طفل ميت بين ذراعي أمه. ليس من السهل عدم رؤية الجياع وهم يتدافعون للاحتماء عندما يتعرضون لإطلاق النار. ليس من السهل إزالة الحطام بعد تعرض قافلة من شاحنات المساعدات الغذائية لإطلاق النار ومقتل العديد من عمال الإغاثة. لقد شاهد الناس كل هذه الأشياء على أجهزة التلفاز والهواتف الخاصة بهم. وأرقام القتلى مذهلة وسيتأكد الشباب من توضيح هذه النقطة هذا الصيف في شيكاغو.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية