فايننشال تايمز: الحرب الأوكرانية جعلت دبي مركزا لتجارة النفط الروسي

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا حول تحول دبي إلى “جنيف جديدة” لتجارة النفط الروسي. فعندما انضمت سويسرا إلى الدول الأوروبية الأخرى وطبقت العقوبات على روسيا، بسبب غزوها أوكرانيا، انتقل جزء كبير من تجارة النفط العالمية إلى دبي، حيث يرى خبراء أنها ستبقى هناك.

وفي  تقرير أعده توم ويلسون، قال إن جنيف، المدينة الواقعة على ضفاف البحيرة ظلت ولعقود، المكان المفضل للتجار الذين باعوا النفط الروسي للزبائن حول العالم. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، انتقلت معظم التجارة إلى دبي ومدن الإمارات الأخرى.

وكشفت وثائق اطّلعت عليها الصحيفة، أن الشركات المسجلة في الإمارة الخليجية الصغيرة اشترت على الأقل 39 مليون طن من النفط الروسي، حيث وصلت قيمته 17 مليار دولار، في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل، أي حوالي ثلث الكميات المصدرة المعلن عنها خلال تلك الفترة.

وانتهى جزء من النفط، حسب البيانات المتعلقة بحركة السفن إلى مخازن نفط في الفجيرة، أما البقية وهي 90% فلم تصل الأراضي الإماراتية حيث صُدرت مباشرة من الموانئ الروسية إلى المشترين في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في أكبر توجيه للطاقة العالمية يحدث في التاريخ.

وشهدت تجارة الطاقة في الإمارات نموا، حتى قبل غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، لكن النزاع والعقوبات الغربية التي تبعت ذلك، أدت لزيادة النمو وبمعدلات كبيرة. ومن بين 20 شركة تتاجر بالنفط الروسي الخام، ثمانية منها مسجلة بالإمارات، وهو ما تظهره بيانات الجمارك. وتظهر الهيمنة الإماراتية في النفط المكرر مثل الديزل وزيت الوقود، حيث سُجل 10 من 20 تاجرا في الإمارات.

وتقول الصحيفة إن ازدهار التجارة أثرى البلد أكثر، ونقل مليارات الدولارات إلى بنوك الإمارات، وجذب عشرات الشركات الجديدة لمناطقها التجارية الحرة. وعلاوة على ذلك، فقد امتُحنت العلاقة مع الحلفاء، مثل الولايات المتحدة التي لا تمانع تدفق النفط الروسي، ولكنها تخاف من خلق طرق تجارة جديدة، وتقويض العقوبات على روسيا.

ويخيّم على مدراء التجارة في دبي، مزيج قوي من الإثارة والتنافس والشك، حيث بات السوق حافلا بالمشترين والبائعين. وقال مات ستانلي، الخبير السابق في الصناعة منذ 20 عاما: “لو كنت تاجر نفط، فهذا هو المكان الذي يجب أن تكون فيه” و”دبي هي جنيف الجديدة”.

وتعتبر الإمارات التي تمتد من شبه الجزيرة العربية إلى خليج عمان، من مناطق مرور البضائع على مر السنين، واجتذبت التجار الذين نقلوا السلع ما بين أوروبا وآسيا. وأصبحت في السنوات الماضية، مركزا لتجارة الذهب والماس والسلع الزراعية مثل الشاي والقهوة، وساعدها على هذا البنى التجارية القوية والخدمات المصرفية والتنظيمات اللينة. وهي ثامن منتج للنفط في العالم.

إلا أن الإمارات لم تكن أبدا مركزا لتجارة النفط. ولم تنشئ أدنوك، شركة النفط الوطنية في أبو ظبي، ذراعها التجاري إلا قبل ثلاثة أعوام. إلا أن قرب البلد إلى أسواق النفط المتنامية في أفريقيا وآسيا، وغياب ضريبة الدخل الشخصية، جلبت إليها التجار المتعطشين للربح، حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وقال مسؤول مالي بارز: “هذا هو آخر موقع في العالم للعيش فيه بدون دفع ضرائب”. وقال إن التجار في مجموعته ومكاتبها حول العالم، يطالبون بالانتقال إلى دبي، مضيفا: “ستصبح هذه مركزا عالميا لتجارة السلع”.

وتعلق الصحيفة أن جزءا من انجذاب التجار للإمارات هو ما ينظر إليه الحيادية السياسية المفترضة، في عالم حيث يعني التنافس بين القوى العالمية أن روسيا ستكون آخر بلد يواجه العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد صادراتها.

وقال مدير تنفيذي لشركة طاقة في دبي: “تعطيك الإمارات منبرا للتعاقد والسفر بحرية”. ورغم كل النجاح الذي حققته الإمارات في إنشاء بنى اقتصادية حديثة، واستثمار موقعها الجغرافي، إلا أن استعدادها للترحيب برجال الأعمال الروس هو ما يدفع النمو الحالي. وقال المدير التنفيذي: “أعطت الحرب في أوكرانيا المنشط”.

ويعتبر مركز دبي للسلع المتعددة، في بحيرة الأبراج اللامعة في الجميرة، من أكبر الأسواق الحرة في الإمارات. وهو نموذج ذو اتجاهات ثلاثة من المقرات في منطقة من 87 برجا سكنيا في الموقع الذي تبلغ مساحته 2 كيلومتر، وسُجلت فيه 22 ألف شركة. وهو بلا شك، المركز الجديد لعالم تجارة النفط الروسي.

ومن بين 104 مشترين للنفط الروسي والمسجلين لدى بيانات الجمارك الروسية في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل، 25 شركة مسجلة في مركز دبي للسلع المتعددة. مثلا، ليتاسكو، وهي الذراع التجاري للوكويل الروسية، التي تاجرت بحوالي 16 مليون طن من النفط الروسي الخام والوقود المكرر في نفس الفترة بأكثر من 7 مليارات دولار، مما يجعلها أكبر مشتر للنفط الروسي في نفس الفترة. وقامت بمعظم التجارة “ليتاسكو ميدل إيست” في مركز دبي للسلع المتعددة، حسبما تظهر البيانات.

وكان لدى الشركة ممثل في الإمارات، إلا أن عملياتها انتقلت إلى دبي، وقال موظف سابق فيها إن المجموعة استأجرت طابقا كاملا في برج واقع في قلب المنطقة الحرة. ورفضت ليتاسكو في سويسرا التعليق. و

تعتبر كل من ديميكس للتجارة وقامة للوجيستيك، من أكبر المتاجرين بالنفط الروسي الخام. وتأسست الشركتان قبل ثلاثة أعوام، ولم تستطع الصحيفة الوصول إليهما.

ولا يعتبر التعامل بالنفط الروسي محرما، فالممنوع هو تداوله في بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع الكبار، وتلك التي تطبق العقوبات على روسيا، ويمكن بيعه لمشترين حول العالم لو بيع بسعر معين. وقُصد من الإجراء التأكد من تدفق النفط الروسي حول العالم وتقليل موارده للكرملين. بل شجعت واشنطن التجارة على تبادل النفط الروسي لتجنب تعطل في حركته العالمية، طالما بيع بسعر أقل من السعر المحدد.

وتجار دبي ليسوا مجبرين على الالتزام بسعر محدد، لكن بعضهم فعل حتى لا يتم قطعه عن الخدمات المالية العالمية والشحن. وقالت شركة غونفور في جنيف، إنها أنشأت كيانا ثانيا في دبي للفصل بين “طريقة التعامل المالي في أي صفقات تتعلق بروسيا” ونشاطاتها المالية الأخرى. وتوقفت الشركة عن شراء النفط الروسي، لكنها اشترت نفطا خاما بقيمة 330 مليون دولار من روسيا، والتزمت بالشروط التي فرضها الغرب على أسعار النفط الروسي. ورفضت الأرقام الواردة في بيانات الجمارك الروسية بأنها تاجرت بـ500 مليون دولار عن نفس الفترة.

وقالت هيلما كروفت المحللة السابقة في “سي آي إيه”، ورئيسة أبحاث السلع في “أر بي سي كابيتال ماركيتس” إن واشنطن لا تهتم بالمكان الذي تمت فيه صفقات النفط الروسي، طالما تمت بشفافية. وهناك تجار يستخدمون شركات تابعة في دبي لشراء وبيع النفط الروسي بسعر أعلى لدول غير أوروبية وباستخدام شحن غير أوروبي وخدمات مالية أخرى. لكن المساهمين في ازدهار تجارة النفط بدبي ليسوا من التجار المعروفين، ولكن شبكة غامضة من الشركات التي تقوم بنقل ملايين الدولارات من النفط الروسي.

ومن بين كبار المتاجرين بالنفط الخام والنظيف من روسيا، شركة اسمها “تجارنفط أف زيد سي أو” المسجلة في دبي سيليكون أويسيس. وتأسست الشركة بعد الغزو الروسي، وتظهر السجلات أن مغربيا هو مديرها العام وهو المساهم الوحيد، مع أن السجلات لا تذكر إن كان مالكا لكل الشركة أم لجزء منها.

وتظهر السجلات الأخرى التي اطلعت عليها الصحيفة، أنه المدير الوحيد والمساهم في شركتين مسجلتين بالإمارات. ويقول تجار النفط المنافسون إنهم لم يسمعوا باسم المغربي قبل العام الماضي، ويعتقدون أن الشركات جزء من شبكة أنشأتها شركة النفط الروسية “روس نفط” لنقل النفط الروسي بعيدا عن القيود الأوروبية.

وتظهر بيانات الجمارك أن شركة “تجار نفط” باعت نفطا من “روس نفط”.

وتم تصدير ما قيمته 6.71 مليار دولار من النفط الروسي ما بين أيلول/ سبتمر وآذار/ مارس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية