ضمن عروض أفلام معهد جوته في القاهرة: أزمة «شرف» لصنع الله إبراهيم: علاقة الفرد بالسلطة

القاهرة ـ «القدس العربي»: تمثل مؤلفات الكاتب المصري صنع الله إبراهيم (1937) على تنوعها وثيقة مهمة من وثائق الحياة المصرية والعربية، خاصة علاقة الفرد بالسلطة، سواء في مصر، من خلال عدة أعمال، منها «تلك الرائحة»، «نجمة أغسطس»، «ذات»، «أمريكانلي»، «القانون الفرنسي»، «1970»، أو في عدة دول عربية، كروايات «بيروت بيروت»، و»وردة»، إضافة إلى أزمة هذه العلاقة ـ الفرد والسلطة ـ مع تغييب المكان وتجريده، لتصلح الحكاية بأن تدور في أي دولة من دول العالم الثالث، وعلى رأسها بالطبع العالم العربي السعيد، كما في رواية «اللجنة»، التي تقترب كثيراً من عالم كافكا، خاصة رواية «القضية». فكتابة الرجل ومواقفه توضح تماماً إلى أي عالم ينتمي، وأي عالم يواجه.
من ناحية أخرى انتقلت أعمال إبراهيم إلى وسيط آخر، كالمسرح، كما في روايته «اللجنة»، وإلى عمل تلفزيوني، وهو أشهر هذه الأعمال، والمتمثل في رواية «ذات»، ومؤخراً وضمن عروض أسبوع أفلام معهد جوته في القاهرة، تم عرض فيلم «شرف» المأخوذ عن رواية إبراهيم التي تحمل الاسم نفسه، والصادرة في 1997، من إخراج المصري الألماني سمير نصر، وهو العرض الأول للفيلم في القاهرة، وقد شارك صنع الله إبراهيم مخرج الفيلم في كتابة السيناريو.

الرواية/الفيلم

بما أن العمل الروائي انتقل إلى وسيط آخر (السينما) فكاتب السيناريو له الحرية في تناول الرواية وأحداثها، وكذا المساحة المخصصة لشخوصها وفق رؤيته الدرامية والبصرية، دون الإخلال بالأفكار الأساسية للعمل الأدبي، فلا نستطيع مقارنة رواية بفيلم هذا بداهة. ولكن، هناك بعض الملاحظات على العمل الروائي نفسه، فرواية «شرف» لم تكن أفضل أعمال صنع الله إبراهيم، من حيث الأحداث والشخصيات والإيجاز الأدبي، فهناك الكثير من الإطالة والمباشرة في صياغة الأفكار والعبارات، خاصة التي جاءت على لسان شخصية (د. رمزي) والمسرحية التي قام بتأليفها داخل السجن.

صنع الله إبراهيم

والسؤال هنا.. هل تخلص السيناريو من هذا العبء؟ وإن كانت الإجابة أنه تخلص قدر الإمكان من عبء عبارات الدكتور المثقف والثوري ـ رمزي المعادل لشخصية شكري التي يستند إليها صنع الله إبراهيم عند الحديث بضمير المتكلم في رواياته المختلفة الأخرى ـ كصياغة العديد من آراء وعبارات رمزي، وكأنه يهذي وهو في زنزانته الانفرادية، وقد تم تقسيم الآراء ما بين العرض المسرحي، ونتيجة معاقبته بسببه، وذلك بحبسه منفرداً في الزنزانة. هذه الشخصية بالذات هي أزمة الرواية، وبالتالي الفيلم، فكان الجهد في البحث عن معادل بصري لها ولأفكارها، وهو ما يبدو ليس على المستوى نفسه عند مقارنتها بالشخصيات الأخرى.

شرف

أشرف شاب من الطبقة المتوسطة، يرتبط بفتاة في مثل سنّه، ولا يجد سوى السير متسكعاً في الشوارع يُطالع الموضات الجديدة في الملابس والأكسسوارات الرجالي، وهو كل ما كان يُثير اهتمامه ـ التعلق بهذه الفئة ـ ولسوء حظه يتقابل وأحد الأجانب، ليصطحبه الأخير إلى بيته، ويحاول إقامة علاقة معه، فيقتله شرف بالخطأ. وفكرة الجريمة التي من خلالها سيدخل شرف السجن، وبالتالي ستتواتر أحداث الرواية بسببها في هذه الأجواء، هي فكرة أقرب لعالم (الخرتيّة) ـ أدلاء الأجانب في المدينة بعيداً عن شركات السياحة والأفواج السياحية المعروفة، وقد استعرض فيلم (رومانتيكا) 1996، تأليف وإخراج زكي فطين عبد الوهاب عالم هؤلاء بالتفصيل ـ لتبدو علاقة الشاب بهذا الأجنبي مقررة سلفاً من البداية.

التحقيق

يبدأ الفيلم في تحقيقات قسم الشرطة، وبكلمات سريعة نعرف الجريمة التي أتى (شرف) من أجلها، وبعد تهديد الضابط له وتعذيبه حتى يعترف بجريمة القتل، التي كانت نتيجة السرقة، وليست محاولة الشخص الأجنبي الاعتداء الجنسي على شرف، فيعترف شرف ليتخلص من التعذيب والتهديد بتعذيب شقيقته. هنا يبدو المكان والشخوص مجرّدة من الزمن ومكان بعينه، فالممثلون يتحدثون لهجات مختلفة، الضابط تونسي والبطل فلسطيني، وستتوالى هذه الغرائبية في اللغة واللهجة طوال أحداث الفيلم، فالممثلون من عدة دول بالفعل.. فلسطين، تونس، الجزائر، لبنان ومصر. وهو أمر مُربك، وليس كما تخيّل مخرج الفيلم، أنه بذلك لا يقصر موضوعه على بلد بعينه، بل يُشير إلى كل البلاد العربية! وحتى محاولة إقامة وحدة عربية ولو على مستوى التمثيل، ستؤدي إلى كوارث، هذه المشكلة في الأداء وطريقة إدارة الممثلين، جعلت من الفيلم أشبه بمشروعات تخرّج الطلبة، وهي السمة التي توسم بها أغلب هذه المشروعات، نظراً لقِلة الخبرة أو انعدامها من الأساس.

السجن

تتوالى الحكايات داخل السجن عبر الشخصيات وجرائمها، سواء الحقيقية أو المُلفقة، كذلك تم استعراض هذه الحكايات من خلال لوحات تحاول تكثيف السرد في شكل انتقائي من أحداث الرواية.. بداية من فكرة التصنيف من زنازين شعبية أخرى خاصة، اعتماداً على ما يملكه السجين من ثروة، كذلك محاولات مدير السجن المستمرة في تجنيد المساجين كجواسيس على المساجين الآخرين، وهو ما حدث مع شرف، الذي رغم صداقته مع د. رمزي، وبعد محاولات عديدة سرّب مذكرات الدكتور إلى مدير السجن، وتم التعمل معه وعقابه وفق ما كتبه في هذه المذكرات، إضافة إلى ذلك نجد سفيرا سابقا، ورجلا دجالا يتوهم أنه يستطيع الهرب بمساعدة امرأة تهواه من الجن، وعن محاولة فاشلة للاعتداء جنسياً على شرف، ذاع الخبر، وهو يؤكد مراراً أن الأمر لم يتم، وأنه قاوم حتى النهاية. وبين الحين والآخر تفشل أسرة شرف في توكيل محام يستطيع الدفاع عنه، كما تتركه خطيبته وترتبط بآخر، فلم يجد سوى أن يصبح بالفعل وفي رضاء تام تحت رغبة أحد السجناء توفيراً للحماية والطعام والحياة المتميزة، ولو حتى داخل سجن.

التسعينيات
أقيمت بعد العرض ندوة حضرها مخرج الفيلم وبعض الممثلين، وصنع الله إبراهيم نفسه، الذي اكتفى بمشاهدة الفيلم، دون المشاركة في الحديث عنه. وأشار المخرج غلى أن العمل استمر عشر سنوات، حتى تم إنتاج الفيلم، إضافة إلى كتابة السيناريو عدة مرّات، فقد كتبه بمفرده في البداية، ثم شارك صنع الله في الكتابة، كمحاولة لتكثيف الأحداث واختصارها والبحث عن معادل بصري ـ نلاحظ أن كل المحاولات كانت تخص تكثيف الأحداث وحذف شخوص وإدماج شخوص في حالة واحدة ـ وهو ما يعود إلى إطالة السرد والمباشرة في العمل الأصلي، وأيضاً لم يخلُ منها الفيلم، والمتمثلة في شخصية د. رمزي وعباراته الإنشائية المباشرة، فهو شخصية أشبه بدور المعلق في الأعمال الوثائقية، إضافة إلى تهميش العديد من الشخصيات التي يمكن أن تكون لديها حكايات أفضل، دون الاقتصار على عدة شخوص تكرر دائماً ما تقوله وما تفعله. ورغم محاولات التجريد في الزمان ومكان الأحداث ـ الدولة التي تدور فيها ـ إلا أن هذا التجريد لم ينجح كما كان مقدراً له، فالعمل يبدو أنه ينتمي إلى زمن فائت، وهو ما تنافى مع الأسلوب البنائي والتقني للفيلم، والفكرة الأساسية للمخرج الذي أراد التعبير عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية