صحيفة عبرية: هل سيكون اجتياح رفح سبباً في نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل؟

حجم الخط
0

“بسبب الظروف نتخذ خطوات حذرة، وفي هذه السنة سنستخدم الألاعيب في أماكن محددة وليس في جبل لبنان كله”، هكذا كتب في موقع السياحة اللبناني ليبانون ماوتن تريل. “سواء كنت لبنانياً أو أجنبياً، انضم إلينا لتطلع على التراث الثقافي والطبيعي وعالم الطبخ، وادعم المجتمع القروي في لبنان”. هؤلاء، الذين لا تعتبر رحلات السير على الأقدام في الطبيعة جزءاً من قائمة رحلات استجمامهم، يمكنهم إيجاد الكثير من العروض للاستجمام في فصل الربيع في موقع “ليبتفتي”، وفيها أسبوع الجاز اللبناني الذي افتتح في 16 نيسان وسيستمر حتى نهاية الشهر الحالي، الذي ستقدم فيه عروض مسرحية باللغتين العربية والفرنسية؛ معارض وحفلات موسيقية ستعرض في نيسان وأيار؛ وثمة سوق للفلاحين سيستمر أسبوعاً تعرض فيه مأكولات “أصلية”. في موقع “بيروت” يمكن إيجاد توصية بثمانية شواطئ للسباحة والاستجمام، والدخول إليها بالمجان. ومثلما في مناطق قتال أخرى في العالم، وفي إسرائيل، أثبت لبنان بأنه عندما تطلق المدافع أو طائرات سلاح الجو الإسرائيلي وتقصف جنوب لبنان، فإن الجنيات في بيروت لن تصمت بالضرورة. ولكن التوتر كبير، وعندما يعلن وزير الدفاع يوآف غالنت بأن “الفترة القريبة القادمة ستكون حاسمة” وأن إسرائيل قد تهاجم لبنان كله، فسيدرك اللبنانيون أن النار قد تصل إلى العاصمة أيضاً.
ما زال لبنان يتحدث عن “حرب الرسائل” التي تديرها إسرائيل وحزب الله، وليس عن حرب شاملة. عمق الهجمات ازداد في الحقيقة، وكثافتها أيضاً. وتصريحات شخصيات كبيرة في حزب الله وإسرائيل أكثر عدوانية، لكن الطرفين في الوقت نفسه ما زالا يتحدثان عن “بدائل” للحرب. “هدفنا الرئيسي كان وما زال التواصل إلى أن يسود وضع أمني مختلف، وسكان شمال إسرائيل يمكنهم العودة إلى بيوتهم بصورة هادئة وآمنة. نفحص عدة بدائل من أجل تسوية هذا الأمر، وستكون الفترة القريبة القادمة حاسمة في هذا السياق”، قال غالنت. هذه بدائل ناقشها رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي أيضاً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي التقاه في باريس الأسبوع الماضي، وعرض عليه خطة لزيادة قوة الجيش اللبناني في إطار الاستعداد قبيل انتشاره في جنوب لبنان في حالة تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والبدء في تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701. في الوقت نفسه، يزداد الضغط العربي والدولي على لبنان لفصل الساحات، وألا يشترط البدء في المفاوضات مع إسرائيل بتطبيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة. حتى الآن، حزب الله يملي هذه المعادلة ويفرضها على الحكومة، إلى درجة أن المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكشتاين، الذي كان متفائل جداً قبل شهر رمضان عندما اعتقد أن وقف النار في غزة على الباب، اعترف أنه لا فائدة من مجيئه إلى المنطقة للمضي بالمفاوضات، وأن الحرب في قطاع غزة ليست على وشك التوقف. ليس هذا فقط، بل هي قد تتوسع إزاء خطة احتلال رفح. ورغم ذلك، نشرت تقارير في الأسبوع الماضي تفيد بأن هوكشتاين ينوي القدوم مرة أخرى للدفع قدماً بجهود الفصل بين الساحات.
وسائل الإعلام المقربة من حزب الله، مثل صحيفة “الأخبار”، وصفت هذه الجهود الدولية والضغوط و”التخويف” المستخدمة على الحكومة اللبنانية أشبه بـ”محاولة للضغط على لبنان من أجل إغلاق جبهة دعم حماس، كما حدث في الأسابيع الأولى للحرب”. ومن أجل إزالة رعب هذه الضغوط، تقتبس الصحيفة تقارير من وسائل إعلام إسرائيلية، التي تصف حياة سكان شمال إسرائيل وحجم النزوح وتصريحات رؤساء مجالس محلية في الجليل، الذين يتهمون الحكومة بالتخلي عن مواطني الدولة. هذا بنية الإقناع بوجوب عدم التأثر من الضغوط المستخدمة على لبنان، لأنها تهدف إلى خدمة مصالح إسرائيل. بالطريقة نفسها توصف المعركة القريبة في رفح كجزء من “جهود التخويف” ذاتها. يبدو أنه لا يوجد وراءها أي تهديد حقيقي على لبنان، كتب، لأن إسرائيل ستجد -حسب تقدير المصادر التي تحدثت مع الصحيفة- صعوبة في إدارة حربين واسعتين: لبنان ورفح. بعض المحللين يعتبرون عملية الضغط الأخيرة استعداداً قبل زيارة متوقعة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفن سيغورنا، السبت. وفي هذا السياق، يذكر لبنان تهديدات الحرب “المؤكدة” المتوقعة ضد لبنان، وتهديدات سيغورنا سمعت في شباط الماضي. على أي حال، المتحدثون بلسان حزب الله يؤكدون أنه مهما كانت الضغوط، لا ينوي الحزب قطع جبهة لبنان عن جبهة قطاع غزة ما استمرت الحرب في القطاع.
لكن وراء منافسة التصريحات والتمسك بصيغة “الرد مقابل الرد”، يصعب تشخيص اتجاه استراتيجية حزب الله، الذي يتعرض لخسائر كبيرة في حرب الاستنزاف التي يديرها مع إسرائيل، حيث إنه أعطى للحكومة اللبنانية تفويضاً لإجراء المفاوضات مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البرية بشكل يأخذ في الحسبان النقاط المختلف عليها، مع فهم بأن الجيش اللبناني سينتشر على طول الحدود المتفق عليها، وبذلك استكمال هذا الجزء من قرار 1701. يطلب حزب الله أيضاً بوجوب أن يشمل أي اتفاق مع إسرائيل ضمانات دولية لتطبيقه، إضافة إلى التعهد بإعادة إعمار لبنان، وبالأساس استئناف التنقيب عن الغاز والنفط على طول الشاطئ في المقاطع التي انتقلت إلى سيطرة لبنان في إطار اتفاق ترسيم المياه الإقليمية. توقف التنقيب في هذه المقاطع عند اندلاع الحرب، ويقول حزب الله إنه من غير المعقول أن تستخرج إسرائيل الغاز من حقل “كاريش” الملامس لحدود لبنان، في حين أن الشركات التي تعهدت بالتنقيب عن الغاز في لبنان أوقفت نشاطاتها. هذه الطلبات، إضافة إلى امتناع حزب الله عن مهاجمة منشآت التنقيب في حقل كاريش أو إطلاق المسيرات قربها كما فعل أثناء المفاوضات على المياه الإقليمية، ربما تدل على أن حزب الله يعدّ ورقة مساومة قبل الخطوات الدبلوماسية. ولكن إذا كانت هناك مثل هذه النية فهي تتعرض للتهديد من قبل تكتيك السير على الحافة، الذي يديره مع إسرائيل، بصورة تنقل إليها القرار حول نطاق إدارة الحرب.
سلم الأولويات
عملياً، حبس حزب الله نفسه في صيغته هو نفسه، في حين أنه يلتزم باستراتيجية إيران التي لا توصلها إلى أي إنجازات، وهي موجهة بالأساس لمنع توسيع جبهة القتال. في الحقيقة، يعتبر حزب الله المواجهة مع إسرائيل إسهاماً مهماً في نضال حماس، لكنه يقول علناً إن هذه المواجهة تهدف إلى الدفاع عن أمن لبنان، وإنه لو لم يعمل ضد إسرائيل وقام بـ “ردعها” لغزت لبنان. أي أن المنظمة تعطي أهمية جماهيرية كبيرة لصورتها كحركة لبنانية، التي دوافع نشاطاتها لبنانية وليست أجنبية. في الوقت نفسه، يعترف حزب الله بأنه فكرة “وحدة الساحات” تنقص بعض الأرجل. نشاطات المليشيات الشيعية في العراق لا تملى بسبب اعتبارات سياسية متعلقة بعلاقة إيران مع العراق، وعلاقة العراق مع الولايات المتحدة، أكثر مما هي وفقاً للتطورات في قطاع غزة؛ وأن الحوثيين أنفسهم يديرون أجندة مستقلة من غير الواضح إلى أي درجة تستطيع إيران التحكم بها؛ أما الجارة سوريا، حليفة إيران والتي لها حساب طويل مع إسرائيل، فليست عضو شرف في “محور المقاومة”.
حسب تقارير في صحيفة “اللواء” اللبنانية، التي نفتها حماس، توجهت إيران لسوريا لفحص إمكانية استضافة قيادة حماس التي تعيش في قطر، في حالة قررت قطر طردها من أراضيها. حسب هذه الصحيفة، رفض بشار الأسد هذا الطلب بشدة، بل ورفض الالتقاء مع خالد مشعل واسماعيل هنية، وأوضح لهما بأن أي مساعدة للفلسطينيين ستكون من خلال إيران، وليس مباشرة مع قيادة حماس. لم يتم البت حتى الآن بمستقبل قيادة حماس في قطر، لكن للأسد موقفاً حاسماً جداً. في مقابلة مع موقع “سكاي العربية” في آب 2023 قال: “أرغب في توضيح نقطة صغيرة، وهي أن بعض قادة حماس قالوا إن سوريا طلبت منهم الوقوف إلى جانبها. كيف يمكنهم الوقوف إلى جانب سوريا، فهم لا جيش لهم، وعددهم في سوريا بضع عشرات الأشخاص. هذا الموقف خليط بين الخيانة والنفاق. علاقتنا مع حماس الآن هي في إطار المبدأ العام الذي يقول نقف إلى جانب أي طرف فلسطيني يعمل ضد إسرائيل من أجل استعادة حقوقه. هذا مبدأ عام… علاقتنا مع حماس لن تعود كما كانت. لا يوجد لحماس الآن أي مكاتب في سوريا، ومن السابق لأوانه التحدث عن ذلك. لدينا سلم أولويات، والمعركة في سوريا على رأس سلم أولوياتنا”.
ليس وحده غياب التعاون مع الأسد ما يحطم فكرة “وحدة الساحات”، بل في لبنان نفسه تعلم حزب الله بأن حماس لا يمكنها العمل عسكرياً ضد إسرائيل. وتجربة كانون الأول لتشكيل مليشيا حمساوية مسلحة في لبنان باسم “رواد طوفان الأقصى”، استقبلت بانتقاد عام صاخب ومعارضة سياسية من جميع الأحزاب، ما أدى إلى تفكيك هذه الميليشا بعد فترة قصيرة على إقامتها. السؤال المهم الذي ما زال يحلق هو كيف ستؤثر الحرب في رفح على قوة رد حزب الله، وهل سيتجاوز الإطار الذي حدده لنفسه مع إيران، بصورة قد تجر إسرائيل ولبنان، وربما كل المنطقة، إلى حرب شاملة. هذه معضلة معقدة بشكل خاص، يتعين على إيران فيها أن تقرر إذا كانت ستعطي لحماس الحق في قرار فتح جبهة واسعة بين إسرائيل ولبنان، بالذات بعد أن حقق حزب الله في المواجهة مع إسرائيل فائدة سياسية في الساحة الداخلية، إلى درجة أن لا أحد يتحدث الآن عن نزع سلاحه، بل فقط عن انسحابه إلى خط الليطاني.
تسفي برئيل
هآرتس 26/4/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية