رواية «عازف الغياب»… تذكير بالسريالية في السرد العربي

المثنى وضاح
حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: يروى أن أحد فحول الشعر وصف تدرج زميل له في قرض الشعر قائلاً: «ظل يهذي حتى نطق الشعر».. كنا نتمنى على هذا الفحل أن يدع زميله «يهذي» لكان مارس السريالية ـ دون علم منه ـ لكن على الأقل كرّسها كمدرسة أسلوبية في الأدب عند العرب قبل أوروبا..
في عالم النثر هناك جذور للسريالية عن العرب ـ طالما استعملها الآن زميلنا نبيل أبو حمد في سرديته الحديثة ـ ومنها مثلاً سردية «منطق الطير» لفريد الدين العطار، حيث جهدت مجموعة طيور للوصول إلى كوكب الحقيقة دون جدوى.. كذلك سردية ابن طفيل الأندلسي الذي روى كيفية تربية غزالة برية لطفل ورعايته ليشب متمكناً من كل ظروف الحياة.. وكذا في ألف ليلة وليلة حيث السندباد تتحرك تحت قدميه جزيرة ليكتشف بأنه يقف على ظهر حيوان ضخم ـ كالحوت ـ ظاناً بأنه فوق جزيرة..
في العصر الحديث هاجر أدباء وكتّاب عرب إلى باريس في الخمسينيات، حيث كانت السريالية في أوجها.. منهم جورج حنين والبير قصيري وغيرهم.
لنعد إلى رواية نبيل أبو حمد «عازف الغياب» التي هي سريالية حديثة منذ فترة طويلة، لم تتصد لها نثرا أقلام المؤلفين ـ فهي تتصدى لأزمات العصر بجدارة ومهارة عاليتين، حيث أصيب إنسان ـ فنان بعطب ذهني ـ أثر حادث ـ ليخرج عن الواقع بهذيان طال كل ضروب وظروف (حياته والعصر) العصيبة وأزماته الصعبة ليفككها بسخرية مرّة وبيأس بين الضحك والبكاء يمكن أن يقال إنه سرد بإبداع وطزاجة متقدمة.. رواية نبيل أبو حمد طريفة خفيفة الظل، لكنها تحفر عميقاً في جروح الإنسان المعاصر ليلوي معها ألماً.. الرواية تتجاوز الواقع والمنطق لتأخذ يُسرها بالانتقال من حال إلى آخر، ومن مكان ليس بمكان وزمان غير زمان.. تثير السخرية من هذا الوجود بكوميدية سوداء ترثي الإنسان لاصطدامه بحائط نهاية لا يمكن تجاوزها واكتشاف هزالته تجاه حدود إمكانياته..

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية