رقم قياسي لعدد الإقالات لأعضاء الحكومة يثير جدلا واسعا في تونس

روعة قاسم
حجم الخط
0

معارضو الرئيس يعتبرون سبب الإقالات محاولته تعليق كل الإخفاقات الحاصلة في إدارة البلاد في مجالات عديدة على شماعة الوزراء والولاة وكبار المسؤولين في الدولة وتبرئة نفسه منها.

تونس ـ «القدس العربي»: تعرف تونس إقالات لافتة لأعضاء الحكومة وفي فترات متقاربة زمنيا ما جعل البعض يؤكد على أن رئيس الجمهورية غير راض عن الأداء الحكومي وعلى الوضع العام بما أن الإقالات طالت أيضا بعض الولاة. ولعل الإقالة الأخيرة لوزير التربية محمد علي البوغديري القريب من الاتحاد العام التونسي للشغل والمساند للرئيس قيس سعيد هي التي أثارت الاستغراب وردود الأفعال وفتحت الباب على مصراعيه للتأويلات.

وتساءل الكثيرون عن الفائدة من تغيير هذا العدد الهام من الوزراء وكبار مسؤولي الدولة ما دامت التوجهات العامة للحكومة التي يحددها رئيس الجمهورية هي نفسها ولم يحصل أي تغيير في هذا الإطار. لأن المطلوب، برأي هؤلاء، هو بلورة رؤية تنموية جديدة مختلفة عن ما كان سائدا تخرج البلاد من الحلقة المفرغة التي وجدت نفسها فيها نتيجة لسياسات خاطئة قامت فقط على كثرة التداين ورفع الجباية حلت بعض المشاكل المالية للدولة لكنها زادت من معاناة المواطن.
وكان الرئيس قد أقال في وقت سابق وزير النقل ربيع المجيدي وذلك إثر زيارة ميدانية إلى مستودع للقطارات بالعاصمة بدا له أن هناك غيابا للصيانة لعدد من العربات التي تحولت إلى خردة من الحديد. كما أقال الرئيس وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي، وذلك على ما يبدو بعد زيارة أداها إلى عدد من المنشآت الثقافية والتاريخية في المدينة العتيقة بالعاصمة، وبعد الشكاوى من إلغاء دورة هذا العام من معرض تونس الدولي للكتاب الذي تدخل الرئيس نفسه ليتم تنظيمه في موعده.
وكان الرئيس قد أقال بداية العام الماضي وزيرة التجارة فضيلة الرابحي ووزير التربية فتحي السلاوتي، ووزير الفلاحة محمد إلياس حمزة، ووزير الخارجية عثمان الجارندي ووزير التشغيل والتكوين المهني نصر الدين النصيبي ووزير الداخلية توفيق شرف الدين. وفي منتصف العام الماضي أقال رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن، وبعدها بقرابة الشهرين وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد، ومؤخرا تمت إقالة كل من والي المنستير ووالي المهدية.
وفي بداية هذا العام أقال أيضا وزيرة المالية، المديرة العامة للجمارك باعتبار أن وزارة المالية هي سلطة الإشراف على هذا الجهاز الجمركي الذي يصنف ضمن القوات الحاملة للسلاح التي تتبع وزارات الداخلية والدفاع والعدل والمالية. لكن هناك اعتقادا سائد لدى الكثيرين أن قرار هذه الإقالة، التي بقيت أسبابها غامضة، جاء مباشرة من الرئيس قيس سعيد وله علاقة بأداء المديرة العامة التي أشرفت على جهاز لا يعمر مسؤوله الأول طويلا في منصبه خاصة بعد الثورة.

غموض وحيرة

وتثير الإقالة المفاجئة لوزير التربية محمد علي البوغديري الكثير من الحيرة في صفوف التونسيين في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها خاصة وأن البوغديري الذي شغل سابقا منصب الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل عرف بمساندته لمسار 25 تموز/يوليو، أي أنه مساند لرئيس الجمهورية ولمشروعه. ولعل ما زاد من الحيرة هو عدم ذكر الأسباب الحقيقية للإقالة في البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية وهو ما فتح الباب على مصراعيه للتأويلات وللشائعات أيضا فكثرت الأسباب دون أن يهتدي التونسيون إلى الحقيقة في وزارة يعتبرونها من وزارات السيادة بالنظر إلى تقديسهم للعلم والمعرفة.
ومن بين الأسباب التي تم ذكرها من قبل البعض هي عدم بذل الوزير المقال للجهد الكافي في ملف الشهادات العلمية التي تم منحها خلال فترة الحكم الماضية والتي يتم التداول أن هناك من تورط فيها من أبناء الوزارة. ويعتبر هذا الملف تحديدا من الملفات الحارقة التي يؤكد رئيس الجمهورية على ضرورة محاسبة المتورطين فيه مع التدقيق في التعيينات التي حصلت في الإدارة خلال الفترة الماضية والتي ارتكز عدد هام منها على المحاباة والشهادات العلمية المزورة.
ولعل ما يرجح هذه الفرضية هو قيام وزير التربية الجديدة سلوى العباسي التي كانت تشغل خطة متفقد عام للتعليم الثانوي بالوزارة منذ قرابة السنة بتوجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية والرأي العام في تونس، أكدت فيها امتلاكها لملف يدين مندوبا جهويا للتربية بالتورط في تدليس شهادات علمية. وأكدت العباسي أن وزير التربية المقال محمد علي البوغديري ومدير ديوانه حصلا على نسخة من الملف المذكور ورغم ذلك حصل تلكؤ في القيام بالإجراءات اللازمة التي من المفروض اتخاذها في علاقة بهذا الملف.

انعدام المعايير

وفيما يتعلق بإقالة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد رجح البعض أن سبب الإقالة يعود إلى اختلاف وجهات النظر بينهما وبين رئيس الجمهورية في علاقة بصندوق النقد الدولي الذي كان قد قبل إقراض تونس على مستوى الخبراء لكن إدارته تتلكأ في الموافقة. ويبدو حسب أصحاب هذا الطرح، أن رئيس الجمهورية قد طوى صفحة هذه المؤسسة المالية الدولية فيما رأت رئيسة الحكومة السابقة ووزير التخطيط والاقتصاد السابق خلاف ذلك وهو ما كلفهما خسارة منصبيهما.
ويرى كثير من معارضي رئيس الجمهورية أن سبب كل هذه الإقالات هو محاولة سعيد تعليق كل الإخفاقات الحاصلة في إدارة البلاد في مجالات عديدة على شماعة الوزراء والولاة وكبار المسؤولين في الدولة وتبرئة نفسه منها. ويؤكد هؤلاء أيضا على أن الرئيس يجب أن يتحمل المسؤولية أيضا «باعتبارنا في نظام رئاسي قام من خلاله بتعيين هؤلاء المسؤولين وعليه تحمل مسؤولية هذه الاختيارات خاصة وأن التوجهات العامة هو أيضا من يحددها».
وينتقد المعارضون عدم قيام رئاسة الجمهورية في كل مرة تتم فيها إقالة مسؤول بذكر أسباب ودوافع الإقالات، وتساءل بعضهم عن المعايير التي يعتمدها الرئيس في تعيين وإقالة الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة. كما انتقدوا الطريقة التي يتم بها الإعلان عن الإقالات، فقد حصل في اجتماعات للرئيس بقصر قرطاج مع بعض الوزراء، كما حصل ذلك بعد زيارات ميدانية مفاجئة لسعيد إلى بعض الأماكن.

غياب المحاباة

بالمقابل يرى أنصار الرئيس سعيد أن ما يحصل من إقالات هو دليل على يقظة رأس السلطة ومحاسبته لكل من يخطئ حتى وإن كان من أنصاره وهو الذي قام باختياره وعينه في منصبه وحدد له التوجهات العامة ورؤيته في تسيير الدولة. فإذا حاد المسؤول عن ما طلب منه وفشل في مهمته ولم تعد هناك فائدة من مواصلته للخطة التي عهد له بها، وجد الرئيسَ له بالمرصاد دون محاباة أو مراعاة لموالاته لأن معيار الرئيس، حسب هؤلاء، هو النجاح في أداء المهمة المنوطة بالعهدة لا غير.
وفي ردهم على الأصوات المعارضة اعتبر البعض من أنصار الرئيس أنه لا يوجد نظام في العالم يبرر أسباب إقالة وزرائه إلا إذا كان هناك أمر خطير قام به الوزير عن سوء نية في حين أن الوزراء الذين أقالهم الرئيس سعيد أغلبهم إما لم يؤدوا مهامهم على الوجه الأكمل أو حصل بينهم وبين الرئيس اختلاف في وجهات النظر. واعتبر هؤلاء أيضا أن كل الأنظمة الرئاسية في العالم تحصل فيها هذه الإقالات ويمر الأمر مرور الكرام ودون ضجة إلا في تونس، فإن الحدث البسيط لابد أن يكبر ويزداد حجمه ككرة الثلج ويصبح حديث القاصي والداني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية