رفيق عبد السلام لـ”القدس العربي”: اغتيال العاروري محاولة للتغطية على هزائم إسرائيل وانتهاك لسيادة لبنان

حجم الخط
0

تونس- “القدس العربي”: قال القيادي البارز في حركة النهضة التونسية ورئيس شبكة الوعي العربي، رفيق عبد السلام، إن جريمة اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، هي محاولة للتغطية على “هزيمة” جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، فضلاً عن كونها تمثل “انتهاكاً” لسيادة لبنان.

وكانت حركة “حماس” أكدت، مساء الثلاثاء، استشهاد العاروري واثنين من قادة “كتائب القسام”، الجناح المسلح للحركة، بعد استهداف مسيّرة إسرائيلية مقراً للحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.

وقال عبد السلام، في حوار خاص مع “القدس العربي”: “هذه جريمة بحق شخصية سياسية وازنة، ومن الصف الأول، وهي محاولة للتغطية على الهزيمة التي يتلقاها جيش الاحتلال في الميدان، وتنفيساً عن غريزة الانتقام والتعطش للدم الفلسطيني، وهي إلى جانب ذلك تمثّل خروجاً على قواعد الاشتباك، وانتهاكاً لسيادة وحرمة لبنان وتقصّ من القانون الدولي”.

عبد السلام: هذه المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال لا بد من أن تكون لها نتائج على مستوى معركة موازية لا تقل أهمية، وهي مواجهة الاستبداد والمستبدين

واستدرك بقوله: “ولكن دم الشيخ العاروري لن يزيد الفلسطينيين إلا تصميماً على مطلب التحرير ودحر الاحتلال، ويقرب دولة الاحتلال أكثر نحو مصيدة الهزيمة التي تنتظرها في غزة”.

وعلٌق عبد السلام على العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ نحو ثلاثة أشهر، بالقول: “الوضع (في غزة) على الصعيدين الإنساني والميداني سيئ، وما ترتكبه إسرائيل من جرائم يرتقي إلى الإبادة الجماعية المنظمة التي تجري على مرأى ومسمع من العالم، وفي ظل دعم أمريكي وغربي كاملين، فعدد الشهداء قد يفوق الثلاثين ألفاً، إذا احتسبنا جثامين المفقودين تحت الأنقاض إلى حد الآن، وكل ما تفعله إسرائيل هو إشباع لغريزة الانتقام والعقاب الجماعي باستهداف المدنيين، وخصوصاً من النساء والأطفال، وهي تعمل -إلى جانب ذلك- على تحويل غزة إلى مدينة أشباح، تمتنع فيها مقومات الحياة، بما يفرض واقع التهجير قسراً”.

الاحتلال والأنظمة المستبدة وجهان لعملة واحدة

ويرى المراقبون أن حرب غزة تمثّل نقطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وسقوط اتفاقية أوسلو ومبادرة السلام العربية وحل الدولتين، ويتحدث بعضهم عن “ربيع عربي جديد” بدأته المقاومة، وقد يفضي للتخلص من الاحتلال والأنظمة المستبدة، باعتبارهما وجهين لعملة واحدة.

وعلق عبد السلام على ذلك بقوله: “بالتأكيد، حرب غزة تمثّل محطة تاريخية في الساحة الفلسطينية، والحروب -رغم بشاعتها القاتمة- إلا أنها إحدى محركات التاريخ ومحفزات التغيير، ولذلك ستتولد عنها حتماً معطيات وتوازنات جديدة في الساحتين الفلسطينية والعربية وعلى الصعيد الدولي أيضاً”.

وأضاف: “أما عن اتفاقية أوسلو، فقد سقطت بالأمر الواقع لأن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لم يتركا شيئاً لأوسلو، حيث بات الاستيطان ينهش القدس والضفة، مع فرض سياسة التهويد وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية. كما أن حل الدولتين لم يعد يتوفر على مقومات الوجود أصلاً، بعدما تبددت الدولة الموعودة (للفلسطينيين) على وقع الاستيطان وتهويد القدس، فهي عبارة عن دولة افتراضية معلقة في الهواء، ولا وجود لها في الواقع. كل ما في الأمر أن الأمريكيين بحاجة إلى مخدّر سياسي لبضع سنوات قادمة لإعادة بناء ترتيبات سياسية وأمنية جديدة في مواجهة الصعود الصيني وعودة روسيا للمنطقة”.

وفي ما يتعلق بـ “الربيع العربي الجديد”، قال عبد السلام: “الشعوب العربية اكتشفت بحسّها البسيط وجود ترابط عضوي وثيق بين الاحتلال والاستبداد، كما اكتشفت أن حكامها هم عبارة عن حراس بوابات وحدود، ولا يزيد دورهم عن قمع شعوبهم وضبطها داخل أقفاص حديدية، مثلما كانت تفعل الإدارات الاستعمارية باختيار بعض الوجهاء وزعماء القبائل وتكليفها بضبط السكان المحليين مقابل امتيازات محددة، ولذلك هذه المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال لا بد من أن تكون لها نتائج على مستوى معركة موازية لا تقل أهمية، وهي مواجهة الاستبداد والمستبدين”.

عبد السلام: القضية الفلسطينية بكل رمزياتها وشعاراتها وأهازيجها، باتت عنوان النضال من أجل العدالة والحرية، بل إنها وفّرت فرصة ذهبية لإعادة بناء اليسار الجذري في الغرب

واعتبر، في السياق، أن اتفاقيات التطبيع الأخيرة مع إسرائيل، أو ما يعرف بـ”الاتفاقيات الإبراهيمية”، أسقطتها عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة “لأنها قائمة في جوهرها على الصفقات الثنائية بعيداً عن القضية الفلسطينية، حيث تمكّن الفلسطينيون -بنضالهم وتضحياتهم- من استعادة زمام المبادرة وفرض قضيتهم على الجميع، بما في ذلك على معسكر التطبيع، الذي وجد نفسه محاصراً من شارعه الداخلي والشارع العربي”.

 وأضاف: “لا أحد يستطيع بعد اليوم القفز على قضية فلسطين والقدس من دون أن يحشر نفسه في الزاوية ويعرض أمنه للخطر، والدول التي ذهبت في اتفاقيات التطبيع -وعلى رأسها مصر والأردن- تكتشف اليوم أنها سجينة شعورها بالوهن والعجز، وقد ثبت لها أن غزة الصغيرة (بمساحتها) قادرة على الصمود وإنهاك دولة الاحتلال، فما بالك لو توفرت إرادة عربية جمعية، فكيف سيكون الحال والمآل؟”.

مصالح الغرب أهم لديه من الحقوق والحريات

ومن جهة أخرى، يرى عبد السلام أن الحرب على غزة كشفت “ازدواجية الغرب وتهافت شعاراته في الحرية وحقوق الإنسان والقانون الدولي وقانون الحرب، حيث تبخرت كل هذه القيم والتشريعات الحقوقية فجأة مع إسرائيل، بينما تواصل رفعها في وجه روسيا في حربها على أوكرانيا”.

ويضيف: “هذه الازدواجية ليست جديدة، فمنذ بدايات القرن التاسع عشر كانت العواصم الغربية تمارس الاحتلال والقتل والهيمنة خارج حدودها القومية، من دون رادع سياسي أو ضابط أخلاقي”.

ويستدرك بقوله: “ولكن هذه الازدواجية باتت مفضوحة أكثر اليوم، بسب انتشار الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، ثم ارتفاع منسوب الوعي لدى الشعوب، بحيث أصبحت هذه الازدواجية فجة. ولكن عند التحقيق يمكن القول إن هناك مقياساً واحداً وموحّداً يتبعه الغرب في كل الأوقات، وهو منطق المصالح المقدمَة على أي اعتبارات أخرى، ثم يستعمل القيم والأخلاق والشعارات للتغطية على هذه المنافع، لا غير”.

لكن، في المقابل، يتحدث المراقبون عن تغيير كبير في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، حيث نرى مظاهرات يومية تدين العدوان الإسرائيلي على غزة وتطالب بوقفه.

وعلق عبد السلام بقوله: “لا شك أن هناك صحوة عالمية لصالح القضية الفلسطينية، وهو ما يتجسد في مجمل التحركات الاحتجاجية التي رأيناها في مختلف العواصم الغربية نفسها، بما يدل على أن للقضية الفلسطينية أنصاراً وأصدقاء في مختلف دول العالم، وهذا يحتاج إلى توثيق الصلات والعلاقات مع هذه القوى التحررية في مواجهة قوى الاحتلال والهيمنة والسيطرة”.

عبد السلام: القضية الفلسطينية أكبر من روسيا وإيران، و”حماس” هي حركة تحرر وطني وليست كومبارساً في خدمة هذا المعسكر أو ذاك

وأضاف: “الحقيقة أن القضية الفلسطينية بكل رمزياتها وشعاراتها وأهازيجها، باتت عنوان النضال من أجل العدالة والحرية، بل إنها وفّرت فرصة ذهبية لإعادة بناء اليسار الجذري في الغرب، بعدما فقد سردية جامعة مع ضعف الحركة العمالية وصعود الموجة الليبرالية الجديدة عقب نهاية الحرب الباردة”.

 الجامعة العربية ترغب بالتخلّص من “صداع غزة”

ووصف عبد السلام موقف الجامعة العربية من العدوان على غزة بأنه “ضعيف، وهو من ضعف الدول العربية، ويكفي دليلاً على ذلك أن الجامعة العربية لم تجتمع إلا بعد مرور شهر كامل على بداية العدوان، وقد فُهم من ذلك أنه محاولة لإعطاء ما يكفي من الوقت لإسرائيل لإتمام المهمة والتخلص من (الصداع الغزاوي)”.

وأضاف: “كما أن عجز الدول العربية عن فك الحصار عن غزة -سواء لضعف، أو تآمر، أو لكليهما- يلخص أزمة النظام الرسمي العربي، ورغم أن قرارات القمة العربية الإسلامية كانت أفضل من المتوقع، خاصة أنها نادت بفك الحصار وإدخال المساعدات، ولكن ظلت هناك هوة سحيقة بين البيانات والانجازات، حيث بقيت قراراتها عبارة عن حبر على ورق، ولم يُنفذ منها شيء”.

وتحدث مراقبون عن “تناقض” في الموقف الرسمي التونسي، فرغم أن الرئيس قيس سعيد أكد دوماً دعمه للقضية الفلسطينية، إلا أنه “مارس ضغوطاً” على البرلمان لمنعه من إصدار قانون يجرم التطبيع، على اعتبار أنه يهدد المصالح الخارجية للبلاد.

وعلق عبد السلام على ذلك بقوله: “يبدو أن نظام قيس سعيد ليس جاداً ولا صادقاً في تبني القضية الفلسطينية، بل إنه، في بعض الأحيان، يسقط في العدمية، وتبنّي مواقف الطرف الآخر -بوعي أو من دون وعي- بدعاوى ثورية زائفة، مثلما حصل في امتناع تونس (إلى جانب أمريكا وبريطانيا وبعض الدويلات التابعة) عن التصويت لصالح قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، بزعم أن البيان كان ضعيفاً، ولم يسند حق المقاومة”.

وأضاف: “أما موضوع قانون منع التطبيع، فقصته معروفة وواضحة، وقد أكد إبراهيم بودربالة رئيس برلمان قيس سعيد على الهواء أن الرئيس طلب منه عدم التصويت على القانون لأنه مُضر بالمصالح الوطنية، وكل ما في الأمر هو أن هذه المسألة (تجريم التطبيع) لها علاقة بالانتخابات، أي هي حملة انتخابية مبكرة لا غير”.

واستدرك بالقول: “بالتأكيد دول التطبيع العربي مارست ضغوطاً على قيس سعيد، وهو لا يمكنه تجاوزها، لأنه بكل بساطة جزء من المحور المضاد للثورات العربية، وهو الذي يمدّه بمقومات الحياة والاستمرار. فقيس سعيد هو نموذج للدكتاتور العربي الذي لا يستنكف من توظيف كل القضايا المقدسة والمدنية واستخدام كل الشعارات من أجل الاستمرار في الحكم”.

عبد السلام: يبدو أن نظام قيس سعيد ليس جاداً في تبني القضية الفلسطينية، بل إنه، في بعض الأحيان، يسقط في العدمية، وتبنّي مواقف الطرف الآخر بدعاوى ثورية زائفة

 القضية الفلسطينية أكبر من طهران وموسكو

على صعيد آخر، استبعد عبد السلام أي دور لطهران وموسكو في عملية “طوفان الأقصى”، مؤكداً أن “القضية الفلسطينية أكبر من روسيا وإيران ومن الفلسطينيين أنفسهم، فهي قضية حق وعدل وكرامة، كما أن “حماس” هي حركة تحرر وطني، وليست كومبارساً في خدمة هذه الدولة أو هذا المعسكر أو ذاك”.

وأضاف: “أعتقد أن دول التطبيع العربي تستخدم سردية تبعية “حماس” لإيران للتغطية على تخليها عن فلسطين، بل تخليها عن الدفاع عن أمنها القومي المهدد في الصميم بتمدد المشروع الصهيوني. طيب إذا كانت هذه الدول تعترض على دعم إيران (للفلسطينيين)، فلماذا لا تقوم هي نفسها بالدعم بدلاً عنها، فتريح وتستريح؟”.

ويرى عبد السلام أن الحرب في غزة ستنتهي بهزيمة دولة الاحتلال الإسرائيلي، فـ “كل علامات الهزيمة ظاهرة على دولة الاحتلال في عدوانها على غزة، والهزيمة تعني هنا عجزها عن تحقيق الأهداف التي رسمتها لنفسها مع تحريك دباباتها وطائراتها، وهي والتي لخصتها في هدفين رئيسيين، أولهما القضاء على المقاومة وبنيتها التحتية، وثانيهما استرجاع أسراها بقوة السلاح، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك”.

عبد السلام: الحرب على غزة كشفت ازدواجية الغرب وتهافت شعاراته في الحرية وحقوق الإنسان والقانون الدولي

ويضيف: “ما عقّد الوضع ومدّد في عمر الحرب، هو مكابرة دولة الاحتلال ورفضها التسليم بالهزيمة، بالنظر إلى الرهانات العسكرية والإستراتيجية والثقافية التي بنيت على هذه الحرب التي ينظَر إليها على أنها حرب وجودية وإستراتيجية ودينية”.

لكن اعتبر أن “إسرائيل لن تكف عن عدوانها إلا إذا ارتفع عدد قتلاها إلى الحد الذي لا تحتمله، بالتوازي مع اتساع نطاق التصدع الداخلي، ثم ارتفاع منسوب ضغط الحليف الأمريكي، إذا شعر أن اسرائيل أصبحت عبئاً على مصالحه في المنطقة”.

ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي عدواناً مدمراً على قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، تسبب باستشهاد وجرح عشرات الآلاف من الفلسطينيين، أغلبهم من النساء والأطفال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية