رحيل الملحن العراقي كوكب حمزة عن 80 عاماً

مروان ياسين الدليمي
حجم الخط
0

الموصل- “القدس العربي”: توفي المُلحن العراقي كوكب حمزة، مساء يوم الثلاثاء 2 نيسان/أبريل 2024، في أحد مستشفيات العاصمة الدنماركية كوبنهاكن، عن عمر ناهز 80 عاماً، تاركاً خلفه تاريخاً فنياً ثريّاً في مسيرة الأغنية العراقية الحديثة، وكان لرحيله وقع مؤلم على العاملين في الوسط الفني، نظراً لخصوصية تراثه اللحني الذي صدحت به أبرز الأصوات العراقية التي سبق أن اكتشفها وقدمها للجمهور في بداية سبعينيات القرن الماضي، أمثال، حسين نعمة، فؤاد سالم، سعدون جابر، رياض أحمد، سيتا هاكوبيان.

الراحل من مواليد مدينة الحِلّة (بابل) 1944، بدأ مشواره الفني في ستينيات القرن الماضي، بعد أن أنهى دراسته للموسيقى في معهد الفنون الجميلة في العاصمة بغداد، وأخذ نجمه يتألق في عالم التلحين مع مطلع العقد السابع، عندما قدّم للمطرب حسين نعمة أغنية “يا نجمة” كلمات كاظم الركابي، فنالت قبولاً غير متوقع من قبل الجمهور العراقي، وأعقب ذلك أغنيات أخرى نالت أيضاً نجاحاً كبيراً، ومنحت الأصوات التي غنّتها بطاقة دخول من الأبواب الواسعة إلى وجدان المتلقي العراقي والعربي، مثل أغنية “يا طيور الطايرة” كلمات زهير الدجيلي، التي غناها سعدون جابر عام 1972، فحصد من خلالها شهرة كبيرة في معظم البلدان العربية، وما زالت هذه الأغنية في مقدمة ما يطلبه الجمهور عندما يلتقي المطرب سعدون جابر في الحفلات داخل وخارج العراق، إضافة إلى أغانٍ أخرى للملحن حمزة احتفظت بقيمتها الفنية والجماهيرية، رغم مرور سنين عديدة على انطلاقها أول مرة .

لا شك في أن كوكب حمزة يتقاسم مع رهط من الفنانين العراقيين من أبناء جيله ذكريات لها طعم العلقم، بعد أن مرَّوا برحلة شاقة، عنوانها رحيل قسري عن العراق عام 1978 هرباً من بطش السلطة السياسية، وخشية الوقوع بأيدي عناصر أجهزتها الأمنية، إثر انفراط عقد ما كان يعرف “بالجبهة الوطنية التقدمية”، التي كانت تضم إلى جانب “حزب البعث” الحاكم أحزاباً أخرى تحالفت معه، منها “الحزب الشيوعي”، عندها شنَّت السلطة حملة أمنية واسعة طاردت فيها الشيوعيين، فاعتقلت العشرات من رفاق حمزة في الحزب، فما كان أمامه من سبيل للنجاة بحياته، إلاَّ أن يختار الهروب إلى خارج العراق، فكانت العاصمة السورية دمشق أولى محطات سنوات المنفى، وبقي فيها ما يزيد على عقد من الزمان، ومن ثم أصبح لاجئاً في الدنمارك.

خلال غربته الطويلة لم يتوقف عن نشاطه في إنتاج الألحان، فتعاون مع عدد من الأصوات العربية، أبرزها المطربة أصالة نصري، وكانت في بداية مسيرتها الفنية.

لكن الذي يُلفت الانتباه في مسيرته أن مجده الذي صاحبه طيلة حياته، إلى أن وافاه الأجل المحتوم، يعود الفضل فيه إلى تلك السنين البعيدة التي سبقت مغادرته العراق، حيث اتسم عطاؤه فيها بالغزارة والتميّز واكتشاف الأصوات، بينما خفت توهجه في المنفى، ولم يعد فارضاً حضوره المؤثر، الذي كان عليه في بغداد قبل أن يغادرها، كما لو أن غربته تركت أثراً سلبياً على قريحته اللحنية، حيث لم ينجز شيئاً مهماً يوازي ما قدمه من ألحان في بلده خلال سبعينيات القرن الماضي .

حمزة واحد من نخبة فذّة من الفنانين، إلى جانب ملحنين عراقيين آخرين ظهروا معه في الفترة الزمنية نفسها، مثل طالب القره غولي، محسن فرحان، محمد جواد أموري، محمد نوشي، وكل هذه الأسماء الكبيرة غادرت الحياة خلال العقدين الماضيين، التي قد لا يختلف النقاد والعارفون في الشأن الموسيقي بأنها شكّلت جيلاً جديداً في مسار الأغنية العراقية نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، إذ استطاعت أن تمنح بنيتها اللحنية زخماً ساحراً من التعبيرية، وذخيرة عالية من الشجن العراقي المعبِّر عن ملامح البيئة الاجتماعية، ما أسبغ عليها علامة فارقة ميَّزت شخصيتها عن كل ما يتم إنتاجه من أغان في البلدان العربية .

وتعبيراً عن المكانة الرفيعة التي حظي بها في الذاكرة اللحنية للأغنية العراقية، نعته لجنة الثقافة والآثار والسياحة في البرلمان العراقي بكلمة جاء فيها: “بأسف بالغ تلقينا نبأ رحيل الملحن كوكب حمزة، الذي اشتهر منذ سبعينيات القرن الماضي بألحانه العذبة للمطربين العراقيين والعرب، والذي ترك الكثير من الأعمال الغنائية والمسرحية منذ بداية مسيرته الفنية التي بقيت عالقة في الأذهان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية