دراما رمضان: الإنفاق من مغارة علي بابا.. متى نطوي صفحة الإخوان؟!

حجم الخط
0

الانفاق على الدراما في مصر الآن يتم من «مغارة علي بابا»، ولهذا فعلى الرغم من الأموال المهدرة على هذا الإنتاج السنوي الضخم، الذي تقوم عليه السلطة، فإنه لا يظهر في الموازنة العامة للدولة!
فالشركة المتحدة، التي تنتج هذه الرشقة الدرامية في كل رمضان، مملوكة للسلطة في الواقع، لكنها ليست كذلك على الأوراق، والتحايل على القانون الذي كان يمارسه الأفراد في تملك وسائل الإعلام، استفادت منه السلطة الحالية وقلدته. وفي الصحف الخاصة يعرف الناس المالك الحقيقي، مع أنه ليس المالك في الوثائق الرسمية، فإذا كان القانون يمنع الأشخاص الطبيعيين من تملك الصحف، فلا بد من تأسيس شركة من عشرة أشخاص على الأقل لهذا الغرض، وهؤلاء الأشخاص ليسوا هم الملاك، فالمالك استدعاهم للتأسيس وحصل منهم على توكيل بالتصرف، والجهات الرسمية تخاطب المالك الحقيقي وليس المالك القانوني لديها في المحررات الرسمية، لأنها تعرف البئر وغطاه!
وعندما جاء المال الساخن إلى مصر ليصنع ترسانة إعلامية تستهدف الثورة والرئيس المدني المنتخب، كان أهل الحكم في ذلك الوقت من السذاجة بمكان حد منح هذا المال (الوافد) الترخيص القانوني بتأسيس هذه الترسانة حتى لا يقال عنهم إنهم ضد حرية الإعلام، وطلبت القوم حين ذاك، بإجراء قانوني آخر، وهو إلزام المؤسسين الظاهر منهم والغاطس بإثبات ملكية الأموال على قاعدة من أين لك هذا؟ عندئذ سيتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لكنهم كانوا قوماً على نياتهم، فصدرت الصحف، والقنوات التلفزيونية لتقود حملة الإبادة الإعلامية ضد الرئيس، جنباً إلى جنب مع الإعلام المؤسس في عهد المخلوع من رجال أعماله!

إشكالات العقل المتدين

لا نبكي على اللبن المسكوب، فقد كان لدى الإخوان تصور خيالي أنهم باقون في الحكم، وبالتالي لن يضر السحاب نبح الكلاب، ومن اشكالات العقل المتدين التمسك بمقولات شعرية ونثرية، كما كانت حكماً دينياً، ومن بين ذلك هذا التوسع في فهم مقولة: وهل يضر السحاب نبح الكلاب؟ كلا، وحاشا!
ما يهمنا أن سلطة ما بعد يوليو/تموز 2013 استلهمت هذا التحايل من الأفراد، لتمارسه هي، فكانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي وضعت يدها على الإعلام بالكامل، ومالها ليس من «جيب» الملاك على الورق، ولكنه يأتي رغداً من «مغارة علي بابا» فيكون الانفاق ببذخ، في ظل الاقتصاد السري للدولة المصرية، منذ أن أسس الجنرال لهذه النظرية في أيام حكمه الأولى بقوله «عاوز مئة مليار على جنب كده»! وقد تأسست الصناديق لتكون الوعاء لهذا الاقتصاد، بدون الرقابة الشكلية للبرلمان، أو الرقابة الصورية للجهاز المركزي للمحاسبات!
وفي مداخلة تلفزيونية للجنرال، لبرنامج تلفزيوني كان يستضيف الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، أبدى استعداده لتمويل دراما تخدم الدولة، وبالمال المطلوب، وذلك في وقت كان يقول فيه إنه ليس لديه مال لينفقه على التعليم، والإسكان، والكساء، والأكل، فتقتير هنا وإسراف هناك!
وعندما يغيب عبد الرحيم كمال، ثم يأتي هذا الموسم بمسلسل «الحشاشين»، وهو من انتاج الشركة المتحدة، فيمكننا هنا القول إن حديث الدعم السخي لم يكن من وزارة المالية مثلاً، أو من الميزانية المخصصة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام، عندما كان المنتج للدراما هو قطاع الإنتاج في الاتحاد، فالدعم عبر الشركة المتحدة، وهي قانوناً شركة خاصة، مملوكة لأفراد، لكن الاقتصاد السري للدولة هو الممول لها، وفي المستقبل إذا جاء حكم رشيد فسوف تكون الشركة المتحدة موضوعاً مثيراً، عندما يتم تقديم ملفاتها وملاكها الصوريين للمحاكمة، وستمثل مفهوماً عصرياً للعبارة الدارجة «مغارة علي بابا»!
هذا إن لم يأت حكم يفتقد للرشد، وإن كان مغايراً للحكم الحالي، لأن وضع الشركة مغر بركوبها لصالح المرحلة الجديدة، والاستمرار في تملك السلطة لوسائل الإعلام، دون أن تتهم بالتأميم كعصر عبد الناصر، أو الهيمنة كما في عهدي السادات ومبارك!

الإنتاج الغزير للدراما

في الموسم الحالي، قدمت الشركة المتحدة للمشاهدين عدد (18) مسلسلاً لشهر رمضان، حسب المعلن على موقع الشركة، و(20) مسلسلاً حسب قنوات محسوبة على الشركة، وقد يكون هذا التفاوت من باب التقريب، وربما هناك عملان لم يتم الانتهاء من تصويرهما بعد، ومهما يكن فالعدد في الليمون!
وهذا العدد هو المعدل السنوي لعملية الإنتاج على مدى العشر سنوات الماضية، وفي رمضان 2022 اذاعت «الشرق» السعودية، أن تكلفة دراما رمضان لهذا العام هي مليار جنيه، بزيادة 30 في المئة عن العامين الماضيين. وفي هذا العام قرأت أن تكلفة الإنتاج هي ثلاثة مليارات، لكن بدون تعقيب من الشركة المنتجة، ولك أن تتصور هذا الرقم الضخم في دولة تجد مشكلة في توفير السكر للشعب بسعر عادل، فرغم أن كيلو السكر بلغ (60) جنيها، وهو سعر خرافي، فإنه ليس متوافراً في الأسواق!
الأصل أن الدراما تحقق أرباحاً كبيرة، ومثال ذلك الدراما التركية التي تعد بالنسبة للدولة موردا من موارد الدخل القومي، كالسياحة، والتصدير، وما إلى ذلك، لكن في الحالة المصرية فإن الأمر مختلف، فإنفاق من لا يخشى الفقر مرده إلى أنه يوظف الدراما لتكون بديلاً للخطاب السياسي شديد البؤس، والأصل أن الدراما تقدم الرسالة الإعلامية ليس بشكل مباشر، وإلا أدى الخطاب السياسي الغرض، ووفرنا على أنفسنا هذه المليارات!
وقد شاهدنا في الأعوام الماضية، كيف أن مسلسل «الاختيار» كان ينقل الرواية الرسمية للانقلاب لأزمته مع جماعة الإخوان!
والحال كذلك، فإن الدراما المصرية فقدت قيمتها، ودائماً أقول إن نجاح المسلسل في بيعه لعرضه على قنوات تلفزيونية خارجية، تماماً كما أن مقياس نجاح الفيلم في نسبة عرضه في دور السينما، ونحن بحاجة إلى رصد المردود من عملية البيع، ولن تتعدى قنوات خليجية بعينها، تعتبر أن عملية الشراء من جملة المساعدات التي تقدمها هذه الدول للحكم القائم!
الشركة المتحدة تعتمد سياسة «من ذقنه وافتله»، فهي تنتج هذه المسلسلات وتبيعها للقنوات التلفزيونية، وهي في الوقت ذاته مملوكة لها، ومن هنا فلا قيمة لأن هذا المسلسل أو ذاك يعرض على خمس محطات تلفزيونية، أو عشر محطات، ولا معنى لما يكتب عنها من إشادة وصخب عبر برامج، وفي صحف، ومواقع إلكترونية، مملوكة للشركة، ولا يجيد القوم شيء اجادتهم للقدرة على إثارة الصخب!

بيضة الديك ونهاية عبد الرحيم

وفي كل رمضان، وعلى مدى السنوات العشر العجاف الماضية، يكون الصخب حول عمل هو «بيضة الديك»، كان خلال السنوات الثلاث الماضية هو مسلسل «الاختيار»، والذي يقال إن الجنرال هو مؤلفه الحقيقي، لكن هذا العام بدون «الاختيار»، فكان مسلسل «الحشاشين» هو «بيضة الديك»!
ومع أنه مسلسل تاريخي، عن جماعة تاريخية تحمل هذا الاسم، فإن مؤلفه عبد الرحيم كمال، قرر أن يخلط الماضي بالحاضر ليلتحم بروح المرحلة، وليذبح نفسه بغير سكين.
لقد كتب الإعلامي محمد السطوحي، أنه أخطأ عندما قال عن عبد الرحيم كمال إنه امتداد لأسامة أنور عكاشة. فاته أن المناخ لا يسمح بظهور أسامة آخر، وقد يكون هذا العمل، وأعمال أخرى آتية، يتقرب بها كمال للسلطة بالنوافل، مجرد فاصلة لا لزوم لها في جملة مستقيمة، إن كان عمره أطول من عمر الحكم الحالي، أما إذا كان العكس فإن العبرة بالخواتيم، وسينتهي نهاية كتاب دراما انتهوا وتجاوزتهم حركة التاريخ.
يتجرأ عبد الرحيم كمال على التاريخ، ليكون جزءاً من الدعاية البائسة للنظام عندما يوحي بأن الإخوان امتداد للحشاشين، وأن حسن الصباح أمير الحشاشين، هو حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين!
ونأسف، لأنه رغم عشر سنوات من عزل الإخوان، وسجنهم، وحملة الإبادة ضدهم، إلا أنهم لا يزالون يمثلون خطراً على السلطة القائمة، ولا نعرف في أي شيء نجح أهل الحكم، إن كان الإخوان لا يزالون حتى الآن مصدر قلق لهم، فمتى يقولون إنهم طووا صفحة الإخوان إلى الأبد.. هل يحتاجون لقرن من الزمان؟!
الحقيقة إن نظام عبد الناصر فعل مثل ذلك، ثم ماذا كانت النتيجة؟
إنه مال مهدر على لا شيء، وتدمير لسمعة الدراما المصرية!

صحافي من مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية