حسن عباسي دكتور فلسطيني شاب.. أصغر محاضر في أهم معهد تكنولوجي إسرائيلي

حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: حسن عباسي شاب فلسطيني من مدينة أم الفحم، داخل أراضي 48، لم يمتثل لنداءات الوالدين بتعّلم الطب، وتبع قلبه وحقّق حلمه بإنهاء الدكتوراة في علم الحاسوب، ونجح باستثمار جائحة كورونا لمشروع اقتصادي واعد يتخطى حدود المحلية.

 ولد الدكتور حسن عباسي عام 1988 في عائلة عصامية تعد سبعة أنفار، في مدينة أم الفحم، وتعلم في مدرستها الابتدائية، وكان منذ طفولته محبّاً للأرقام والرياضيات. يوضح عباسي لـ “القدس العربي” أن من يملك حلماً يملك طريقاً، وأن العقبة الأولى التي واجهته رغبة عائلته بتعلمه الطب. منذ أن كان تلميذاً بدت عليه علامات النبوغ مبكّراً، بارزاً في الرياضيات، ومحباً جداً للتكنولوجيا. في السنة الأولى له، وهو في التاسعة عشرة، عيّنه معهد العلوم التطبيقية (“التخنيون”) في حيفا معيداً جزئياً، وبعد عام صار معيداً رسمياً. وعند بلوغه السادسة والعشرين حاز على الدكتوراة، وصار أصغر محاضر في المعهد.

بعد المرحلة الابتدائية في أم الفحم، انتقل لمدرسة مار يوحنا في حيفا، ثم إلى الكلية العربية الأورثوذوكسية لسنة واحدة، ثم عاد واستكمل المرحلة الثانوية في مدرسة جديدة في أم الفحم، هي المدرسة الأهلية، وفي كافة المدارس كان طالباً ممتازاً. ورداً على سؤال عن ميوله الهندسية والتكنولوجية يقول عباسي إنه منذ كان طفلاً كان مؤدباً ومطيعاً واجتماعياً، وربطته علاقة حب بالمدرسة مبكّراً، ويعترف أن والده كان يهدده بمنعه من الذهاب إلى المدرسة عندما ارتكب مخالفة استفزته. ويضيف: “منذ نعومة أظفاري كنت أحب، بل أعشق الأرقام، وحتى الصف العاشر، في مطلع سنوات الألفين، لم أعرف كيف أنير الحاسوب”.

الفضل لأستاذ الرياضيات

 بداية الاكتشاف، أو الثورة في الوعي، جاءت بفضل المربي عدنان أبو رعد، عندما كان طالباً في الثانوية الأهلية في مدينة أم الفحم، وقتها “شجّعني أستاذي، وصديقي اليوم، عدنان أبو رعد، الذي فتح لي الطريق نحو التكنولوجيا، وليس الطب، ووقتها كنا في الصف العاشر”. عن ذلك يقول أبو رعد، في فيلم وثائقي عن حسن عباسي، أعدّتْه المدرسة الأهلية في أم الفحم: “طالما كان حسن محّباً للتفكير خارج الصندوق، ولكل الأشياء الخارجة عن المألوف والقاعدة. تفكيره غير نمطي، وقد قلت له إذا توجّه للبرمجة سيحقق نجاحات كبيرة”. ويرى عباسي الدور الهام والحاسم أحياناً للمعلم والمربي بالنسبة لخيارات وطريق الطالب، علاوة على التشجيع واكتشاف نقاط الضوء الخاصة بكل تلميذ. وتابع: “عزّز ثقتي بنفسي، ومنحني أدوات، ورافقني ثلاث سنوات حتى التحقت بـ “التخنيون”، وصرنا أصدقاء، ونواظب على اللقاء، وهو يرى بي نجاحاً لمساعيه أيضاً”.

بين الأمل وخيبة الأمل

أما عن حلم الأهل فيقول حسن عباسي إن والديه مثلهما مثل بقية المجتمع، التي لم تعرف عالم التكنولوجيا والهايتك، وكان من الصعب أن تشرحها للوالدين، ويتابع متودداً: “لم أتوقع رد فعل الوالدين اللذين صدما عندما أبلغتهما بقراري. قالت والدتي: أنت خيبة أمل كبيرة لكل الأسرة. أما الوالد فقد غضب وعتب عليّ، وقال ساخراً: هل تريد أن تصبح عاملاً في تصليح “لامبات” والمصابيح الكهربائية في البيوت؟”.

ويستذكر الوالد، في الفيلم المذكور: “في البداية اندلعت حرب بيننا وبين ابننا حسن، قلت له إن كل الأسرة تحلم بأن تصبح طبيباً، وإن هذه أمنية جدك. عندها قال حسن: سأذهب لتعلم الطب من أجل إرضاء الأسرة. عندما قال ذلك غيرّت نظرتي للموضوع، وأعطيناه الضوء الأخضر لاختيار ما يريده، وهذا ما حصل”.

أحرقت السفن من ورائي

ويستذكر حسن عباسي، متودداً، أنه عندما وصل كلية الحاسوب “أحرق السفن من ورائه”، وبذل جهوداً كبيرة لكي يحقق نتائج طيبة بسبب مراقبة عائلته لمسيرته. كما يستذكر أن والده، قبل أن يوافق على ذهابه لتعلم الحاسوب، عاقبه بقطع مصروف الجيب عنه، فأخذ يعمل سراً وهو في السادسة عشرة من عمره. لكنه في “التخنيون” عمل معيداً في السنة الأولى، وما لبث أن عمل في شركة “إينتيل” في حيفا، و”صرت أربح أكثر من والدي، فدعوته لزيارتي في مكتب “اينتيل”، وهناك تحولت الخيبة إلى فخر فقال: ابق هنا يا ولدي، ولا تتعلم الطب ولا غيره”. لاحقاً التحق بشركة “أي بي إم”، وبشركة غوغل خمس سنوات في حيفا وزيوريخ، ولاحقاً في فرانسيسكو، قبل أن ينهي الدكتوراة في “التخنيون”، وهو في السادسة والعشرين. وعندما تخرّج كان متزوجاً مع ولدين، وبقسم داخل مساكن الطلبة. ويقول إنه تعرف على “أنغام” داخل حافلة، عندما كانت طالبة في كلية الفنون في جامعة حيفا، ولهما اليوم دانا ويارا ومحمد، الذين ينقسمون بين الاقتداء بوالدهم في الهايتك، وبين الاقتداء بالأم في مجال الفنون. وينوه بأنه مع اتساع المعرفة بالهايتك لدى عامة الناس زاد الاهتمام بهندسة الحاسوب، وصار الأهالي يرونها بذات مكانة الطب. عن هذه التجربة يضيف: “الخلاصة أنه لا بدّ من توفر الشغف والمواظبة والعطاء رغم الظروف، والسير خلف حلمك”.

شركة “هات”

كانت 2019 سنة فاصلة له، ففيها بادر لتأسيس شركة أسماها “هات”، وهي اليوم موجودة كتطبيق في الهواتف المحمولة، وفي الإنترنت. عن خلفيتها يقول: ” قبيل الكورونا، وفي أم الفحم، كانت معظم المطاعم من دون لوائح طعام رقمية، ومن دون عناوين، ومن دون وسائل إرسال طعام للزبائن عن بعد، علاوة على عدم عملها مع بطاقات اعتماد. كانت مهمة طلب طعام عملية معقدة، فقررت حل المشكلة، ولديّ الأدوات بعدما تعلمت الحاسوب فبدأت أفكر بخطة لتسوية هذه المعضلة”. موضحاً أن شركة “هات” هي همزة وصل بين المطعم وبين الزبون وبين المرسل، والهدف تمكين عامة الناس من التعرّف على المطاعم القريبة منهم، اختصاصاتها، ولوائح طعام، مكّونات الطعام، علاوة على وضع قاعدة رقمية للمطاعم العربية، وتمكينها من إرسال وجبات جاهزة للزبائن عن بعد، علاوة على خلق فرص عمل للمرسلين. وكل ذلك موجود اليوم ضمن تطبيق “هات” في الهواتف المحمولة.

ويقول إنه قد بدأ بتسعة مطاعم في أم الفحم، مع أربعة موظفين عام 2020، أما اليوم فقد ربط أكثر من 1200 مطعم عربي، في نحو 30 بلدة عربية داخل أراضي 48، ويعمل معه نحو 130 موظفاً، إضافة إلى 1000 مرسل يعملون على نمط سائقي مراكب “أوبر” في دول العالم. ويتابع: “كان المجتمع العربي متعطّشاً لمثل هذه الخدمات، ولذا لقينا نجاحاً فاق كل توقعاتنا، خاصة أن هذه الخدمات دقيقة جداً، وتمكّن كل من يستخدم التطبيق 24 ساعة في اليوم أن يعرف في أي مرحلة صارت الوجبة خلال الإعداد في المطعم الذي أرسل له طلب وجبة معيّنة”.

نحو العالمية

ولم يكتف الدكتور الشاب بعالمه المحلي، وبدأ يتطلع للعالمية، وقد شرع باستنساخ مشروعه وتعميم هذا التطبيق في الضفة الغربية وفي المغرب، خاصة في مدينتي فاس ومكناس، لافتاً إلى أن حلمه طالما كان بلوغ العالمية. ويقول إن الفكرة حضرته بقوة أكبر عشية انفجار جائحة الكورونا، التي حوّل فيها “المشكلة” إلى حل، عندما حاصرت العدوى الأهالي داخل بيوتهم، واحتاجوا لأن تصل المطاعم إليهم، لا العكس. وينبّه إلى أن الفكرة عمرها أربع سنوات، والشركة ثلاث سنوات، ويقول إن المشروع أكبر من فكرة، ويشير إلى الحاجة لبناء الخطة والإستراتيجية، وطاقم العمل أيضاً. ويعود الدكتور عباسي للقول إن خيبة والديه انقلبت اليوم إلى فخر كبير، لكنه يشير إلى أن المشروع ما زال يستغرق الكثير من التضحيات والعمل ساعات طويلة جداً، وكل ذلك على حساب واجباته اليومية، آملاً أن يوازن بين البيت وبين العمل قريباً. ومن هوايات الدكتور حسن عباسي المحببّة سماع الأغاني، وهو من عشاق أغاني الزمن الجميل والأغاني الحديثة أيضاً، ويطربه بشكل خاص وائل كفوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية