الدمام السعودية: عاصمة الطاقة والحداثة

علي آل غراش 
حجم الخط
1

تحتل المنطقة الشرقية بالسعودية بسواحلها وواحاتها ونخيلها ورمالها الذهبية ونفطها، مكانة متقدمة بين مناطق المملكة لأنها تحتضن مصادر الطاقة، آبار النفط والغاز مصدر الدخل الوحيد للبلاد، حيث تنتج السعودية نحو 10 ملايين برميل يوميا، وتتميز المنطقة بكونها الأكبر بمساحتها نحو ربع مساحة المملكة، وبطيبة وتسامح أهلها وتوافر فرص العمل فهي الأكثر جاذبية لانتقال الملايين من المناطق الأخرى إليها وبالخصوص للمدن الحديثة في حاضرة الدمام التي تجمع (الدمام والخبر والظهران) تلك المدن التي تم إنشاؤها بعد اكتشاف النفط أي بعد تسمية البلاد بالمملكة العربية السعودية. والشرقية هو الاسم الحديث لإقليم الأحساء.

تطل على ساحل الخليج بشواطئ جميلة من حدود الكويت لغاية حدود قطر والإمارات، وتتبعها العديد من الجزر في وسط مياه الخليج الساحرة الزرقاء، وفيها كورنيشات رائعة الجمال، وتحيطها الرمال الناعمة الذهبية. وتتميز بالأجواء الربيعية في البر في الجهة الشمالية الغربية منطقة حفر الباطن والنعيرية، وكذلك الواحات الخضراء، ففيها تقع واحة الأحساء والقطيف بالإضافة لوجود العديد من المواقع التراثية والمجمعات التجارية والترفيهية.

تاريخ عريق

تاريخ المنطقة الشرقية عريق يمتد إلى 5 آلاف عام قبل الميلاد، فقد سكنها العديد من الشعوب منهم العمالقة والفينيقيون، ومرت عليها الكثير من الحضارات والثقافات، وتكثر فيها المواقع التراثية والتاريخية المهمة وبالخصوص في الأحساء والقطيف. وقد عرفت هذه المنطقة قديما بأسماء عديدة منها البحرين (هجر والخط والبحرين) وكانت تضم واحتي الأحساء والقطيف وجزيرة أوال، ثم أطلق اسم “البحرين” على جزيرة أوال والجزر المحيطة بها فأصبحت “مملكة البحرين” الحديثة وانفصلت البقية تحت اسم “هجر (الأحساء) والخط (القطيف)”. وقد حافظ إقليم الساحل الشرقي للجزيرة العربية على اسم الأحساء وفي 1951 تم تغيير اسم الإقليم إلى مسمى المنطقة الشرقية ونقل مقر الإمارة من مدينة الهفوف التاريخية في الأحساء إلى مدينة الدمام الحديثة.

حاضرة الدمام

حاضرة الدمام تمثل ثلاث مدن متجاورة وهي الدمام والخبر والظهران، مدن تداخلت فيما بينها وتحولت إلى مدينة واحدة حاليا بسبب التوسع. يقدر عدد سكانها بنحو 1.8 مليون نسمة. هذه المدن ظهرت وبرزت بعد اكتشاف النفط في المنطقة، وانتقال إمارة المنطقة من مدينة الهفوف في الأحساء إلى مدينة الدمام التي تحولت عاصمة للمنطقة، واتخاذ شركات النفط مدينة الظهران مقرا لها وتحول مدينة الخبر إلى المدينة السكنية والتجارية وهذه المدن تشكل حاليا مثلث مدينة حاضرة الدمام روح المنطقة الشرقية الحديثة، إذ تتركز فيها الدوائر الحكومية والشركات ومطار الملك فهد الدولي ومطار الظهران وميناء الملك عبدالعزيز الدولي ومحطة سكة الحديد ومحطة النقل والمراكز التجارية والمجمعات السكنية والترفيهية والحدائق وأغلب معالم المنطقة الشرقية الحديثة والمطارات والفنادق وغيرها، وأغلب زوار المنطقة يقيمون فيها لتوفر كل ما يبحثون عنه.
مدينة الدمام تأسست بعد اكتشاف النفط “حيث لم يكن لهذه المدينة أي ذكر قبل لجوء قبيلة الدواسر إليها في عام 1341هـ (1922م)؛ فقد هاجروا من جزيرة البحرين على أثر أزمة بينهم وبين الحكومة المحلية هناك، ولجأوا إلى الدمام حيث بنوا بعض الأكواخ بمساعدة من أهالي القطيف، حيث كانت الدمام مجرد قرية صغيرة تابعة لحاضرة القطيف التاريخية. وفي الدمام يقع مبنى إمارة المنطقة الشرقية والدوائر الحكومية”.

الخبر مدينة الجمال

تقع مدينة الخُبَر جنوب الدمام وبالقرب من مدينة الظهران وقد ازدهرت بعد اكتشاف النفط، وقد كانت الخبر منفذا صغيرا على الخليج، وهي قرية تتكون من أكواخ من القش على الساحل، وعندما بدأت شركة البترول التنقيب عن النفط في المنطقة وبالخصوص في مدينة الظهران تم تصدير البترول المكتشف عبر فرضة في الخبر للبحرين، وكذلك تم مد أنابيب بحرية للنفط إلى هناك، قبل إنشاء ميناء رأس تنورة لتصدير النفط، وقد تم توسعة الفرضة (كميناء فيه مركز شرطة وجمارك) لاستقبال سفن الإمداد والتموين للشركة. وقد استفادت الخبر من قربها من مركز شركات البترول ومنها أرامكو حيث انتعشت المدينة وتحولت إلى مركز سكني وتجاري لخدمة الموظفين، وتم تخطيط المنطقة بشكل مرتب ومنظم من قبل شركة أرامكو 1939 حيث تعتبر الخبر أفضل المدن في التخطيط والجمال، ويسكن في الخبر كبار رجال الأعمال والأمراء منهم أمير المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى عدد كبير من الأجانب.

مدينة النهضة

تتربع مدينة الظهران على أعلى ربوة في المنطقة المحاذية للساحل الشرقي. مدينة تطل على رفيقتي دربها بالنهضة والحداثة والتطور (الدمام والخبر) بكبرياء واستعلاء ولها الحق، فلقد انطلقت الحداثة والنهضة والتطور في المنطقة والبلاد، منها، إذ تم اكتشاف النفط فوق ربوتها، واحتضانها مباني شركة “أرامكو” وشهدت عام 1931 اجتماعات أمريكية سعودية وفي عام 1935، قامت شركة “ستاندرد أويل” الأمريكية بحفر أول بئر نفطية ذات قيمة تجارية في الظهران، وأنشأت بعد ذلك شركة تابعة لها تحت مسمى شركة الزيت العربية الأمريكية أو “أرامكو” وهي السابقة للشركة المملوكة للحكومة السعودية. وتم تأسيس قاعدة عسكرية أمريكية وفي عام 1944 أقيمت في الظهران أول قنصلية أمريكية، وكان أول تمثيل دبلوماسي أمريكي في منطقة الخليج.

ولهذا فهي تستحق لقب المدينة الأولى بكل اقتدار، فهي أول منطقة شيدت وفق التخطيط العمراني الحديث، وشهدت أول مطار دولي باسمها، وأول تجمع سكني على الطراز الحديث وأول مستشفى، وسكانها أول من عرف الكهرباء والإنارة والبرادات الكهربائية والتكييف، والطرق الإسفلتية، وأول مدينة في الخليج شيد فيها أستوديو ومحطة بث تلفزيوني، وفيها دور سينما منذ تأسيس ارامكو في الثلاثينات من العقد الماضي، كما أنها أول مدينة أقيمت فيها جامعة للدراسة الأكاديمية (كلية البترول والمعادن التي تحولت فيما بعد إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) ومنها عرفت بداية النفط. إنها مدينة تتلألأ من بعيد بأضوائها، وتسحر المتجول في أحيائها الراقية، وشوارعها الفسيحة، والخضرة التي تزينها، ونظافتها المميزة، وحدائقها المعلقة، إنها مدينة نموذجية في كل شيء.

يحتوي جبل الظهران على الكثير من الآثار والمدافن التي تعود للعصر النحاسي، ويرجع تاريخ الظهران الحديث إلى عهد قريب، حينما أقامت أول جماعة من المشتغلين بالنفط مخيما لإيواء الجيولوجيين، الذين بدأوا أعمال التنقيب عن النفط في أواخر 1933 يتألف من مبان خشبية، وأصبح الموقع مقرا للشركة ومركزا رئيسيا لأعمالها وفيه الإدارة العامة، ومن الجهة الغربية تقع مراكز أعمال الشركة والورش والمخازن. وقد أسست فيه مدينة عمالية مقسمة إلى 3 أقسام (الحي السعودي، حي المنيرة والحي الأمريكي) وهذه الأحياء تشكل بداية لبناء مدينة حضارية راقية، تتألف من فلل جميلة تحيطها الحدائق الغناء، وتخترقها الشوارع الفسيحة والأرصفة المبلطة، كما توجد فيها جميع وسائل الترفيه، انها مدينة بمواصفات وخدمات أمريكية كاملة.

وخلال حرب الخليج، تمركز عدد كبير من القوات الأمريكية في الظهران، وتعرض حي الدوحة فيها للقصف بصاروخ اثناء حرب تحرير الكويت، وبقي بعضها بعد انتهاء الحرب، “وفي 1996 توفي 19 أمريكيا في تفجير مجمع عسكري أمريكي في الخبر بالقرب من الظهران، ما أدى إلى سلسلة من الأحداث انتهت برحيل القوات الأمريكية من السعودية عام 2001”.

عالم أرامكو

الظهران تحتضن المقر الرئيسي لشركة أرامكو، ومنها مبنى معرض الشركة الذي يعد من المعالم المميزة في الظهران، وهو يعرض ويشرح قصة اكتشاف النفط في بلادنا، كما يقدم كل ما يتعلق بالنفط والغاز والطاقة، وكل ما هو علمي، بأسلوب تقني عال جدا وباستخدام أفضل الأساليب والطرق والوسائل للعرض والتعليم والمعرض مفتوح للجميع. وبنت الشركة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي المعروف اختصارا بـ”إثراء” وافتتح عام 2016 وهو المركز الذي احتضن القمة العربية الدورة العادية التاسعة والعشرين في عام 2018.

تستقبل المنطقة الشرقية مئات الآلاف من الزوار وأغلبهم من المناطق الوسطى التي تبعد سوى 4 ساعات بالسيارة و45 دقيقة بالطائرة وزوار من دول الخليج القريبة وخاصة البحرين، ويفضل أهل المناطق الوسطى للشرقية لوجود الشواطئ البحرية والشاليهات والمراكز التجارية والترفيهية وقرب المنطقة من دول الخليج.

الشواطئ الساحرة

من أشهر الشواطئ في المنطقة الشرقية شاطئ نصف القمر “هاف مون” ويرجع تسميته إلى شكله الهلالي ويستقطب الشاطئ كل من يعشق البحر ولهذا فهو يشهد ازدحاما كبيرا من الزوار ومن المقيمين في المنطقة، وتتوافر في الشاطئ التجهيزات والخدمات الأساسية كما يوجد فيه عدد من المشروعات الاستثمارية السياحية الكبرى مثل الشاليهات والقرى السياحية والمدن الترفيهية ونادي القوارب والغوص. وبالقرب منه يقع شاطئ العزيزية.

الواجهات البحرية

الكورنيش يعد من معالم المنطقة الشرقية المميزة ومن أهم المشروعات الحديثة والترفيهية إذ يساهم في تطوير وتجميل الواجهات البحرية للمنطقة لما يحتويه على كافة الوسائل للراحة والاستمتاع والترفيه والمسطحات الخضراء وملاعب الأطفال. وما يميز المنطقة وجود أكثر من كورنيش وأكبرها كورنيش الدمام بطول أكثر من 30 كيلومترا وعرض 65 مترا، وكورنيش الخبر بطول أكثر 15 كيلو مترا وعرضه 70 مترا، وتوجد واجهات بحرية رائعة الجمال، واجهة بحرية في الدمام وكذلك واحدة في الخبر.

الحمام البخاري

لقد استطاعت الشرقية بفضل ما تتمتع به من مقومات من جذب أعداد كبيرة من الزوار ولكن المشكلة كما يقول بعضهم ارتفاع أسعار السكن والمعيشة بالمنطقة بالنسبة للمناطق الأخرى بالمملكة وصعوبة الحصول على سكن في الإجازة، والمشكلة والعائق الأكبر أمام الزوار وخاصة القادمين من المناطق الوسطى الرطوبة العالية الخانقة في أيام الصيف إذ تصل الحرارة فوق 45 درجة والرطوبة تصل إلى أرقام قياسية “وتكون المنطقة أشبه بالحمام البخاري” بحيث يكون من الصعب التجول على الشواطئ والأسواق المفتوحة والخروج من المنزل ومن السيارات المكيفة.

عاصمة الصناعة

تمثل المنطقة الشرقية عاصمة النفط والصناعة، في حاضرة الدمام بدأت أعمال اكتشاف النفط عام 1935م حينما بدأت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا سوكال آنذاك وشيفرون حالياً في حفر بئر الدمام الأول والتي لم تأت نتائجها محققة للتطلعات. ولكن لأن الدلائل كانت تشير إلى وجود الزيت والغاز، فقد استمرت الشركة في حفر تسعة آبار متتالية إلى أن تحقق الحلم في 1938 حيث أنتجت بئر الدمام رقم 7 كميات كبيرة من البترول بعد حفرها على عمق 1441 متراً فدخلت بذلك المملكة عصر صناعة البترول وقد أطلق على هذا البئر اسم بئر الخير، ويوجد في الظهران المقر الرئيسي لشركة أرامكو السعودية العملاقة، ويوجد عدد من المعامل والشركات التابعة لها في العديد من مدن المنطقة الشرقية. كما يوجد العديد من المصانع الكبيرة والمتنوعة في مدينة الدمام من خلال المدينة الصناعية الأولى والثانية وغيرها.

التغيير السكاني

وحسب دراسات رسمية فان المنطقة الشرقية شهدت خلال العقدين الماضيين توسعا كبيرا جدا في المناطق السكنية، وتعتبر الشرقية من أكبر المناطق التي تجتذب وتستقطب السكان من خارجها (هجرة داخلية) لدرجة كبيرة جعلت سكان حاضرة الدمام بالخصوص أغلبيتهم من أصول خارج الشرقية، مما يفرض على المنطقة تغييرا في التركيبة السكانية الأصلية، وهي نموذج للتعايش السلمي واحترام التنوع الفكري والمذهبي بين أهلها الأصليين والترحيب بمن يأتي من خارج المنطقة، ولكن هناك بعض الأصوات تطالب بالحفاظ على هوية وعادات وثقافة المنطقة حيث إن لأهل المنطقة الشرقية نمط وثقافة وعادات تاريخية خاصة بهم كأي منطقة في البلاد في نجد والحجاز وعسير والشمال. فمن المهم المحافظة على ثقافة كل منطقة فالتنوع هو غنى للوطن.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عاطف مبروك:

    ما اجمل الشرقيه واهلها

إشترك في قائمتنا البريدية