القاهرة- “القدس العربي”:

ارتفعت معدلات الجرائم في الأحياء التي يقطنها الأغنياء في مصر، التي تتخذ من امتلاك النفوذ عنوانا.

 “مدينتي” وهي من الأحياء الشهيرة في شرق العاصمة القاهرة، شهدت مساء السبت الماضي واقعة دهس طبيب يحمل رتبة نقيب، لأسرة، أسفرت عن مقتل سيدة وإصابة زوجها وأطفالها.

الواقعة كما رواها شهود عيان، بدأت بخدش صغير تسبب فيه طفل يقود “سكوتر” في سيارة الضابط، ليعود أدراجه إلى المنزل ويخبر والدته التي تعمل صيدلانية وأبيه الطبيب البيطري، ليصطحب الأب زوجته وأولاده باحثا عن صاحب السيارة كي يعتذر له.

واقعة دهس

خرجت الأسرة من منزلها المجاور لمنزل الضابط، ووقفت بجوار السيارة، ليخرج الضابط ويسألهم عن سبب وقوفهم أمام منزله، فأخبره الأب أنه جاء ليعتذر ويتعهد بدفع تكلفة إصلاح ما تسبب فيه طفله، إلا أن الضابط لم يعجبه الحديث، وبدأ في توجيه الشتائم للأسرة التي قررت الانسحاب والعودة إلى المنزل، لكن الضابط لم يمنحهم الفرصة وقاد سيارته وسار نحوهم بسرعة فائقة ليدهس الزوجة ويصيب الأطفال بكسور والأب بخدوش.

يقول الأب ويدعى حمدان زكي، طبيب بيطري، إنه يعمل في إحدى شركات الأدوية بالكويت، وزوجته تدعى بسمة علي، صيدلانية تعمل في وزارة الصحة الكويتية، ولديهم ثلاثة أطفال ياسين 11 عاما، ونور 9 أعوام، والأصغر أحمد 7 أعوام، وكانوا في إجازة قصيرة لقضاء العيد، حيث يملكون منزلا في منطقة مدينتي في القاهرة الجديدة.

ويقول الأب إن حالة المصابين الآن مستقرة، بعدما أجرى أحدهم جراحة، فيما أصيب الطفلان الآخران بجروح وخدوش وكسور.

ونفى مصدر أمني صحة ما تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي بأن مرتكب حادث التصادم بإحدى التجمعات السكنية في القاهرة الجديدة، والذى أسفر عن وفاة إحدى السيدات (صيدلانية) وإصابة آخرين من ضباط شرطة.

إلا أن حمدان، يقول إن الضابط طبيب بالقوات المسلحة، وبعد الواقعة سلّم نفسه في قسم شرطة التجمع الأول ثم تم تسليمه إلى النيابة العسكرية الموجودة، واعترف بقتل الصيدلانية عمدا.

أمرت الجهة القضائية المختصة بالتحفظ على كاميرات المراقبة في محيط الواقعة، وبدأت التحقيق والاستماع لشهود العيان.

نقابة الأطباء البيطريين، أدانت ما وصفته بالاعتداء الغاشم على أحد أعضائها.

وقالت النقابة في بيان، إن الدكتور خالد سليم، نقيب أطباء مصر البيطريين، تابع حادث الاعتداء على الطبيب البيطري حمدان زكريا الذي أسفر عن وفاة زوجته وإصابة أحد أبنائه، وإن النقابة تواصلت مع المسؤولين لسرعة تقديم الجاني إلى محاكمة عاجلة.

استياء واسع

وأثارت الواقعة استياء المصريين، واحتل وسم “حادث مدينتي”، قائمة الوسوم الأعلى تداولا في مصر على موقع تويتر.

وكتب محمود فؤاد، مدير مركز الحق في العلاج: “مأساة وفاة الصيدلانية بسمه حمدان وإصابة زوجها الطبيب بيطري حمدان ذكي محمود وأولادهم في منطقه فيلات 18 بعد ما تردد عن دهسهم بسيارة من قبل شخص تخيل أنه فوق القانون فذهب وجاء على أجسادهم مرتين، انتقاما بسبب لعب الأولاد أمام فيلته، تستدعي فورا القبض عليه، وأعتقد أن النيابة العامة ضمير المجتمع سوف تلقن المتهم درسا لا ينسى”.

وكتب الطبيب جمال شعبان، رئيس معهد القلب السابق: “كنت أنوي أن أنقل سكني إلى مدينتي، لكن بعد حادث الدهس، سأراجع نفسي، وسأظل بجوار الجيران الطيبين في أحياء الدقي والعجوزة”.

وكتب فتحي أبو حطب: “أولويات غائبة عن حادث مدينتي، الأولوية الآن لتطبيق القانون، ومعاقبة القاتل، وطمأنة المجتمع، أن لنفوذ السلطة والثروة حدود، عندما يتعلق الأمر بدهس أسرة أمام بيتها، الأولوية ليست لمطالبة الصحف بالتستر على اسم ‎مدينتي”.

لم تكن هذه الحادثة هي الوحيدة التي شهدتها “مدينتي” خلال الأشهر الماضية، ففي شهر مايو/ أيار الماضي، قضت محكمة مختصة بشؤون الطفل، بقبول استئناف المتهم بإصابة ابن الكاتبة والإعلامية رضوى العوضي، في حادث سير داخل “الحيز السكني” على حكم حبسه لمدة سنة.

وقضت المحكمة بإلغاء حكم الحبس واستبداله بتكليفه بأعمال النظافة والتجميل في الأماكن العامة لمدة مماثلة لمدة الحبس المقررة عليه سابقا، بما يعزز نفسيته بالانتماء والمسؤولية تجاه الآخرين.

وكانت قضية الحادثة التي تعرض لها الطفل يوسف تحولت إلى قضية رأي عام، بعد أن تعرض للدهس بسيارة يقودها طفل يدعى جهاد لم يبلغ من العمر 16 عاما، أثناء قطعه الطريق في منطقة مدينتي، ونقل الطفل إلى المستشفى وهو ينزف من جميع أنحاء جسده .

قامت والدته بنشر فيديو للجاني وهو يقود سيارة والده بطريقة مرعبة، كما ذكرت أنه معتاد على القيادة بتلك الطريقة.

وقالت إنها كانت ستتنازل عن القضية مراعاة لمشاعر والدة المتهم، لكنها أصرت على موقفها بالحصول على حق ابنها من خلال القانون.

وأكدت أنها غيّرت قرارها بعدما شاهدت في الحساب الشخصي للمتهم على موقع فيسبوك الكثير من مقاطع الفيديو له أثناء قيادته لسيارة دون رخصة قيادة بسرعة جنونية، واستهتاره وعدم حرصه على حياة المواطنين وقائدي السيارات.

وعن تفاصيل الحادث، قالت رضوى العوضي، إن نجلها أصيب بكسور متفرقة في الجمجمة واليدين والقدمين جراء الحادث، حيث حاول قطع الطريق إلى الجهة الأخرى، لكنه شاهد المتهم قادما بسرعة عالية من مسافة بعيدة، فتراجع إلى الخلف وصعد أعلى الرصيف، لكن المتهم اتجه نحوه ودهسه.

تعد الواقعتان اللتان شهدهما حي “مدينتي” الراقي الذي يمثل سكنا للأغنياء في مصر، مثالا على شعور البعض أنهم فوق المساءلة القانونية، وتنطلق من إحساس مرتكبيها بأنهم أكثر نفوذا من الضحايا.

وحي مدينتي شيده رجل الأعمال المصري طلعت مصطفى الذي سبق إدانته في جريمة قتل الفنانة سوزان تميم بمدينة دبي عام 2008، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما، قبل أن يصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا بالعفو عنه عام 2017.